لقد منيت هايتي بأسوأ الكوارث التي حلت بها في تاريخها الأسبوع الماضي. وبالنظر إلي كل ما حل بتلك الدولة في السنوات الـ200 الماضية, فإن هذا يعني شيئا.
لقد رأينا جميعا المشاهد التي تدمي القلوب مثل انهيار المستشفيات والمباني الحكومية التي باتت أنقاضا, والناس, من صغار وكبار, المترامين إما جرحي أو قتلي في الشوارع, وسحابة الغبار التي تحلق في سماء العاصمة بورت أو برنس ــ وهي مدينة أعزها وزرتها مرات عدة منذ أن أمضيت وهيلاري فيها شهر عسلنا المؤجل هناك في العام .1975 هايتي هي بلد فقير تم فيها القضاء علي الغابات بصورة كارثية, ولكنها غنية بتاريخها وإمكانياتها البشرية وروحها الإنسانية. لقد كانت هايتي الدولة الثانية في العالم الجديد التي تعلن استقلالها, وهو ما حدث بعد قليل من إعلان الولايات المتحدة استقلالها. وهي فعلت ذلك رغم مخاطر أشد وأكبر مما واجهناه نحن الأمريكيون, فقد كان علينا أن نواجه البريطانيين, ولكن مؤسسي هايتي وفي مراحل مختلفة كان عليهم مواجهة القوات العسكرية لفرنسا وإنجلترا وإسبانيا مجتمعة.
إنني ممتن لهم أنهم فعلوا ذلك. فالثلث الوسطي للولايات المتحدة اليوم ــ المعروف لاحقا بعملية شراء منطقة لويزيانا ــ أصبح أمريكيا حين قرر نابليون بيع تلك المنطقة لتوماس جيفرسون, وهو قرار اتخذه القائد الفرنسي بعد أن استنتج أنه لا قدرة له علي هزيمة مواطني هايتي الشجعان الذين كانوا يقاتلون من أجل حريتهم. تلك المنطقة تضمنت الولاية التي أنتمي إليها وهي آركنساس.
حين كنت رئيسا عملت لإنهاء ديكتاتورية عسكرية عنيفة في هايتي وإعادة الرئيس الهايتي المنتخب المخلوع إلي حكم البلاد. وبعد أن خرجت من البيت الأبيض واصلت العمل في هايتي من خلال مؤسستي, إذ تشاركنا مع الحكومة هناك لزيادة المعالجة الموفرة لمرضي فيروس نقص المناعة المكتسب (الأيدز) وخفض انتشاره وغيره من الأمراض في تلك الدولة.
وبعد أن دمرت سلسلة من الأعاصير العاتية المناطق الساحلية لتلك الدولة في 2008, وجهت نداء بالعمل في الاجتماع السنوي لمبادرة كلينتون العالمية, طالبا تعهدات للمساعدة في إعادة بناء تلك البلاد. وقد استجاب أعضاء المبادرة بالتعهد بتقديم أكثر من 100 مليون دولار للمساعدة في القيام بجهود تتضمن توفير المساعدة الغوثية الفورية وإعادة بناء الجسور المدمرة.
في يونيو 2009 طلب مني الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن أصبح مبعوثه الخاص لهايتي, وهو دور تشرفت بقبوله. وقد سافرت إلي تلك المنطقة مرات عدة لتشجيع الاستثمار واستحداث فرص العمل ولزيادة النشاط غير الحكومي والمساعدة من الحكومات والمنظمات متعددة الأطراف. وكنا قد قمنا ببداية طيبة بعد تلك الأعاصير, عبر مشاريع إعادة البناء ومعالجة قضايا المرض والاضطراب السياسي والقضاء علي الغابات, وذلك أساسا بسبب التزام الحكومة الهايتية بتنفيذ خطتها الشاملة للتنمية المستدامة وبسبب الاهتمام غير المسبوق بتقدم البلاد من قبل الدول المجاورة والمواطنين الهايتيين المغتربين وآلاف المنظمات غير الحكومية.
مازلت أعتقد أن بمقدور هايتي تجاوز تاريخها المضطرب وهذا الزلزال الفتاك وأن تبرز كدولة أقوي وأكثر أمنا من ذي قبل. ولكننا لا نستطيع فعل ذلك بالدعم الحكومي فقط: إذ علي المواطنين العاديين سد الثغرات. فالتبرعات الصغيرة تحدث فارقا كبيرا, وهناك عدد من المنظمات التي ستقوم بنقل المال المتبرع به إلي الذين يحتاجون إليه أكثر من غيرهم. والتقدم الكبير الحاصل في ميدان التكنولوجيا جعل حتي من الأسهل علينا أن نعطي: فوزارة الخارجية تمكنت من جمع أكثر من مليون دولار لصالح منظمة الصليب الأحمر في أقل من 24 ساعة عبر الرسائل النصية القصيرة علي الهواتف الجوالة عن طريق إضافة 10 دولارات لفواتير من وجهوا تلك الرسائل.
ولكننا نحتاج إلي قدر أكبر من المال لضمان معالجة الأزمة الإنسانية المباشرة حاليا, أن الغوث سيصل إلي آخر شخص لا زال بحاجة إليه, ولإعادة أولئك الذين فقدوا حياتهم إلي أسرهم من أجل دفنهم, ولتوفير المساعدة الطبية لمن أصيبوا بجراح والماء للعطشي والغذاء للجوعي والملجأ للمشردين. علينا تنظيف الشوارع من الأنقاض واستعادة الوصول إلي الخدمات الأساسية والضروريات الأساسية. وبعد أن تخف حدة الوضع الطارئ حاليا, سيبدأ الطريق الطويل لإعادة البناء. وما استغرقه دقائق لينهار سيتطلب أشهرا وسنوات لإعادة بنائه, وعلينا ضمان أن يبقي تركيزنا منصبا علي تلك البلاد بعد وقت طويل من انتهاء التغطية الإعلامية لها وبعد عودة عمال الغوث إلي أوطانهم.
لحسن الحظ, فإن لدي هايتي عددا أكبر من المنظمات غير الحكومية التي تعمل علي الأرض فيها بالنسبة إلي عدد السكان من أي دولة في العالم ما عدا الهند. وبفضل جهد منسق وتمويل مستدام, فإن أمامنا حقا فرصة لإعادة بناء هايتي بصورة أفضل عن طريق بناء المباني الأقوي والمدارس الأفضل والرعاية الصحية المحسنة, كما وبناء اقتصاد أكثر تنوعا واستدامة أيضا.
إن لنا جميعا مصلحة في مستقبل هايتي. ففي عالمنا المترابط نجد أنفسنا جميعا مترابطين أحدنا بالآخر, حيث يكون مصير جيراننا مرتبطا بمصيرنا بصورة عميقة قوية. إن هايتي الأقوي والأكثر أمنا يعني منطقة أقوي وأكثر أمنا. وإن مواطني هايتي يستحقون فرصة بناء بلد يعكس عملهم المكد وقدراتهم وطمواحاتهم. هناك مثل هايتي يقول ##الكثير من الأيادي تخفف العبء##. إننا بعملنا معا نستطيع أن نخفف العبء الذي تحمله المواطنون الهايتيون لوحدهم لفترة أطول من اللازم كثيرا, وأن نمنحهم أخيرا فرصة حقيقية لغد أفضل.
كلينتون هو الرئيس الـ42 للولايات المتحدة ومؤسس مؤسسة وليام جيه كلنتون. من أجل التبرع لصندوق غوث زلزال هايتي الذي تشرف عليه المؤسسة.