##لا يتعلق الأمر فيما إذا كانت العقوبات قد نجحت لكن فيما إذا كانت الاستراتيجية التي تخدمها صحيحة أم لا.##
لكي يتسني الحكم علي فعالية العقوبات الغربية ضد إيران, يعد من المهم أن نحدد الغرض منها أولا. لقد وضع
##لا يتعلق الأمر فيما إذا كانت العقوبات قد نجحت لكن فيما إذا كانت الاستراتيجية التي تخدمها صحيحة أم لا.##
لكي يتسني الحكم علي فعالية العقوبات الغربية ضد إيران, يعد من المهم أن نحدد الغرض منها أولا. لقد وضع المسئولون الأمريكيون ونظراؤهم الأوربيون عددا من الأهداف المختلفة لنظام العقوبات, بما في ذلك حظر انتشار التكنولوجيا النووية في جميع أنحاء الشرق الأوسط, حيث ستعمد دول أخري إلي تقليد إيران, وإقناع إيران بالتقيد بقرارات مجلس الأمن الدولي القاضية بتعليق كافة أنشطة التخصيب النووية. وقد نجحت العقوبات في تحقيق بعض هذه الأهداف وفشلت في تحقيق البعض الآخر. لكن بالنسبة لإدارة أوباما فإنها نجحت بطريقة جوهرية واحدة – وهي إعادة إيران إلي طاولة المفاوضات. ولذا فإن الأمر لا يتعلق فيما إذا كانت العقوبات قد نجحت لكن فيما إذا كانت الاستراتيجية التي تخدمها صحيحة أم لا.
بادئ ذي بدئ, يمثل قرار طهران بالعودة إلي المفاوضات حول مستقبل برنامجها النووي تحولا دراماتيكيا كاملا. فخلال جولة المفاوضات في يناير 2011 بين إيران وما يطلق عليها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا, علي سبيل المثال, رفضت طهران إجراء أي محادثات حول برنامجها النووي. وعلي مدار الخمسة عشر شهرا التالية, رفضت الاجتماع حتي وافقت الدول الخمس دائمة العضوية + ألمانيا علي الشرط المسبق وهو حق إيران في تخصيب اليورانيوم. بيد أنه خلال المحادثات الجديدة في اسطنبول خلال شهر مارس الماضي, وافقت إيران علي مناقشة جهودها النووية وتغاضت عن شرطها المسبق.
ولم تفعل الجمهورية الإسلامية ذلك بدافع حسن النية لكن بسبب قسوة العقوبات. ومن خلال إظهار رغبتها في التفاوض والعمل عن كثب مع أوربا, جمعت إدارة أوباما العديد من الدول الداعمة لجهودها. لقد فرض هذا التحالف الواسع عقوبات قاسية بشكل متزايد – وهي نتائج ما كان بوسع الولايات المتحدة أن تنجزها بمفردها. ففي مارس علي سبيل المثال, حظر الاتحاد الأوربي علي أكبر البنوك الإيرانية استخدام جمعية الاتصالات المالية العالمية بين المصارف (سويفت), وهي المؤسسة الرئيسية المستخدمة لتحويل الأموال بين البنوك في جميع أنحاء العالم, مما أعاق قدرة المؤسسات المالية الإيرانية علي ممارسة الأعمال التجارية. وفي وقت مبكر من هذا العام, بدأ الاتحاد الأوربي بفرض حظر علي النفط الإيراني أدي بالفعل إلي تقليل صادرات البلاد من النفط. وخلال الأشهر الستة الأخيرة, عملت هذه التدابير إلي جانب السياسات الاقتصادية الخاطئة لإيران, علي تراجع قيمة العملة إلي النصف, وتشير التقديرات الإيرانية إلي أن ذلك أدي إلي ارتفاع التضخم إلي ما يتجاوز 20% (وربما أعلي بكثير), كما أن محافظ ##المصرف المركزي الإيراني## محمود بهماني وصف العقوبات بأنها ##أسوأ من الحرب الفعلية##, وادعي أن إيران واقعة ##تحت الحصار##. وينتاب قادة الأعمال الإيرانيين قلق من فرض عقوبات إضافية, حيث إن الولايات المتحدة وأوربا أوضحتا أنه طالما استمرت الأزمة بشأن طموحات إيران النووية فإنها ستواجه صعوبات اقتصادية وسياسية أكبر.
كما ساعدت العقوبات واشنطن علي إبطاء تقدم إيران النووي. فإلي جانب أعمال التخريب, عملت الانشقاقات والهجمات السيبرانية والاغتيالات والعقوبات – مثل الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة علي شراء السلع ذات الاستخدام المزدوج, وهو ما يقصد به علي ما يبدو التكنولوجيا غير الضارة التي يمكن استخدامها في البرنامج النووي – علي إعاقة تقدم إيران التكنولوجي. فعلي سبيل المثال, تواصل الجمهورية الإسلامية – رغم بذل أفضل مساعيها – استخدام تصميمات رديئة وقديمة لأجهزة الطرد المركزي التي تتعطل باستمرار لعدم استطاعة البلاد علي الحصول علي تكنولوجيا أفضل أو مواد عالية الجودة.
إلا أن تلك العقوبات لها قيود. فالحظر الأوربي علي صادرات النفط والقيود المالية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي فشلت إلي حد كبير في خفض إيرادات النفط الإيرانية. وكانت هذه العقوبات ستحدث تأثيرات أكبر بكثير لو تمت منذ عقد مضي, عندما كان متوسط إيرادات النفط الإيرانية يبلغ 19 مليار دولار سنويا. أما الآن فأسعار النفط مرتفعة جدا بما يمكن إيران من تعويض الضغوط الغربية. فقبل فرض العقوبات الأخيرة, أشارت تقديرات ##صندوق النقد الدولي## إلي أن الإيرادات من صادرات النفط والغاز الإيرانية في 2012-2013 ستبلغ 104 مليارات دولار, بزيادة 23 مليار دولار عن إيرادات 2010 – 2011, وفي مارس, استشهدت صحيفة ##وول ستريت جورنال## بتقديرات تشير إلي أن العقوبات يمكن أن تخفض إيرادات النفط الإيرانية بمعدل النصف – وهي وإن كانت نسبة مؤلمة إلا أنها لا تزال تساوي الـ 54 مليار دولار التي حققتها إيران من مبيعات النفط في الفترة من 2005 إلي 2006, وهو العام الذي قررت فيه إثارة الغرب باستئناف التخصيب النووي بعد توقف دام ثلاث سنوات. وحتي لو استطاعت العقوبات تدمير الاقتصاد الإيراني بطريقة أو بأخري, فلا يوجد ضمان حتي الآن بأن ينهي النظام سعيه للحصول علي التكنولوجيا النووية.
وسواء أثمرت الدبلوماسية اتفاقا أم لا, فإن العقوبات حققت بالفعل الهدف الرئيسي لإدارة أوباما – وهو تحديدا بدء المفاوضات. لكن هذا ليس الهدف الصائب. فنظرا لسجل إيران السيئ في احترام الاتفاقات, لا تزال المفاوضات مقامرة لأنها قد لا تؤدي مطلقا إلي اتفاق, ناهيك عن اتفاق يمكن تعزيزه. وبدلا من التركيز علي المحادثات التي قد لا تثمر اتفاقا, يجب علي الولايات المتحدة إبداء اهتمام أكبر بكثير حول دعم الديموقراطية وحقوق الإنسان في إيران. ومن المحتمل أن تتخلي إيران الديموقراطية عن دعم الإرهاب وأن تنهي تدخلها في الشئون الداخلية للدول العربية, مثل العراق ولبنان, مع تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط. ورغم أن الديموقراطيين الوطنيين الأقوياء في إيران يفخرون بالتقدم النووي للبلاد, إلا أن أولوياتهم هي الانضمام إلي المجتمع الدولي, ولذلك يرجح أن يتفقوا علي برنامج نووي سلمي مقابل إنهاء عزلة دولتهم.
ويمكن للولايات المتحدة أن تساعد القوي الديمقراطية في إيران من خلال توفير الدعم المالي والمعنوي. كما يمكنها تمويل برامج تبادل الأفراد والمنح الطلابية; ودعم جماعات المجتمع المدني وتقديم المساعدة إلي النشطاء الإيرانيين; والعمل بشكل وثيق مع شركات التكنولوجيا مثل جوجل حول كيفية نقل المعلومات إلي الشعب الإيراني; وإصلاح ##شبكة الأخبار الفارسية## لـ ##إذاعة صوت أمريكا##, حيث تعرضت المعايير الصحفية للأضرار جراء الإدارة غير المستقيمة. كما يمكنها إثارة إساءات حقوق الإنسان في كافة الاجتماعات الرسمية مع المسئولين الإيرانيين, مثل المفاوضات النووية الحالية, وجذب انتباه الأمم المتحدة و##محكمة العدل الدولية## إلي انتهاكات حقوق الإيرانيين. ويدرك المرشد الإيراني الأعلي آية الله علي خامنئي خطر الثورة الشعبية في بلاده وبذل كل ما بوسعه للحيلولة دونها. وإذا كانت الولايات المتحدة ستقبل علي المخاطرة, فيجب ألا تهدف إلي ترتيب نووي جزئي غير آمن وإنما إلي تحقيق أفضل نتيجة, وهي إيران ديموقراطية.
مجلة فورين آفيرز