مرة أخري أتحدث عن التعليم الذي يبني أو يهدم, إلي أن تتغير الصورة ويتحرك المسئولون المعنيون بالأمر لإنقاذ مصير البلد مما تمر به. يقول الدكتور قدري حفني أستاذ علم النفس السياسي أن التعليم سيظل كارثة مصر الأساسية طالما ظل الأطفال المسيحيون يخرجون من حصة الدين لأنهم سيدخلون النار, فالتعليم يفرز ثقافة التمييز ضد الآخر علي أساس الدين. ويقول الدكتور قدري حفني إن التعليم كارثة كبري ويقدم تجربة حدثت منذ سنوات طويلة حيث اشترك مع الدكتور نسيم قلادة أستاذ علم الاجتماع واقترحا عمل كتاب يضم الأخلاق المشتركة بين الأديان حتي يكون نقطة التقاء ووحدة… بمعني أن القتل والسرقة والكذب أمور تحرمها الأديان السماوية فلماذا لا تجمع كل تلك المشتركات في كتاب واحد يدرس لكل التلاميذ بالإضافة إلي حصة الدين العادية حيث يعرف كل الأطفال أن كل الأديان تعزز القيم الدينية المحترمة والنبيلة, وتنهي عن التصرفات والقيم السلبية. ولكن المشروع فشل أو لم ينفذ. وكان الهدف من هذا الكتاب هو جمع الطلاب دون تمييز بينهم أو خلق صورة ذهنية سلبية عن دين الآخر.
ويقدم الدكتور قدري حادثة عن حالة تم استشارته عنها كطبيب في علاجها لطفل في أولي مراحل التعليم الابتدائي مع أول يوم دراسة حاول البحث عن صديق من عمره يأنس إليه طول اليوم الدراسي. الطفلان كانا يجلسان متجاورين, لكن عندما بدأت حصة التربية الدينية, طلب المدرس من التلاميذ المسيحيين الخروج من الفصل, فقام الطفل ليخرج مع صديقه لكن المدرس قال له: لأ أنت تقعد, وهو يخرج, فسأله التلميذ المسلم: لماذا؟ فأجاب المدرس: دول مسيحيين. فسأله التلميذ: يعني إيه؟ فأجاب المدرس: هيدخلوا النار!! فأصيب التلميذ بصدمة.
هذا لا يعني ألا نعلم الدين للأطفال. لكن من المهم أيضا دراسة الأخلاق. ويتعلم المسلم أن الدين المسيحي وحتي اليهودي ينهي أيضا عن ممارسة الرذائل, فنعرف أننا قريبون من بعض, ولا يحق لأحد أن يكفر أو يشكك في دين الآخر. أو يقدم صورة ذهنية سلبية عن دين الآخر. وعندما تكون الأسر غير متأكدة من عقيدتها يزداد تشددها حتي تحميها. أما الأمة المطمئنة إلي عقيدتها فلا تخشي من التسامح. وعلي أي أساس نرفض الآخر ونشكك في عقيدته؟ لأننا ننظر للأمور نظرة أحادية الجانب, والإيمان بوجهة نظر واعتبارها أمرا مسلما به, ولا يمكن الجدال فيه, وبهذا ننشئ أطفالنا علي اليقين, ولا نربيهم علي وجود احتمالات, ونسبية الأشياء. فيتصور أنه يملك الحقيقة المطلقة ويأتي التشدد والتطرف.
إن أطفالنا في مرحلة الدراسة الأولي يحتاجون إلي أسلوب جديد في التعلم بعيدا عن الحفظ والصمم والتسميع وعدم تشغيل العقل والتفكير. مع أن الطفل من طبيعته أن يتساءل لماذا؟ ولماذا هذه هي مفتاح المعرفة. وكلما يحصل علي إجابات يزداد طرقه إلي لماذا جديدة. ليحصل علي معرفة جديدة. ومن هنا يتحرك عقله وفكره ويزداد نضجه وبحثه عن الجديد وما يقابله في حياته ودراسته ومناقشة كل ما يراه ولا يسلم بأن الأمر هو كده دون أن يحصل علي إجابة تقنعه. وهذا هو واجب الوالدين والمدرسين في البحث عن الإجابات التي تنمي تفكير الطفل وتدفعه إلي السؤال دون أن يخشي أن يتضايق منه أحد أو يعنفه أو لا يعطيه معلومات مقنعة أو يستسهل الإجابة بكلمة كده التي يرددها الأب أو الأم أو المدرس والتي تؤدي إلي التخلف والانغلاق ويتربي الطفل علي أن الأسهل والأفضل ألا يسأل. وقد يلجأ الأب أو الأم أو المدرس إلي عدم الرد علي الطفل لأنه لا يعرف الإجابة. مع أن عدم معرفة شئ لا يقلل من شأن الوالدين أو المعلم ولا عيب في أن يعترف بأنه لا يعرف وإذا كان يفيد أن يجيب فيسعي إلي معرفة الإجابة ويزيد بذلك من نضج طفله ورجاحة عقله وسعيه دائما إلي التفكير ويناقش بينه وبين نفسه كل شئ. ولا يتقبل أي كلام أو رأي علي أنه أمر مسلم به ويشب هذا الطفل بعقل راجح فلا يرفض شيئا أو يقبله إلا إذا اقتنع به عقله.
هذا ما نرجوه لأطفالنا حتي يشبوا عليه مميزين الأشياء قادرين علي السلوك السوي وتفهم مواقف الآخرين وتقبل الآخر والتعايش معه بسلام.