كانت مدينة رشيد علي موعد مع البطولة في عام 1807, حيث حقق أهلها انتصارا عظيما علي حملة فريزر الإنجليزية, لكن مكانة رشيد ترجع إلي تاريخها الضارب في جذور مصر منذ العصور القديمة, وقد رأي العلماء أن أصل تسمية رشيد يعود إلي الكلمة المصرية القديمة (رخيت) بمعني (عامة الناس) واشتهرت في ذلك الوقت بصناعة العجلات الحربية, ونجحت في عهد الملك منبتاح ابن الملك رمسيس الثاني في صد هجمات الليبيين وشعوب البحر, كما أقام الملك بسماتيك الأول سنة 633ق.م معسكرا علي ساحل المدينة لحماية شواطئ البلاد, وفي العصر القبطي أطلق عليها (رشيت) حتي كان الفتح العربي علي يد عمرو بن العاص, والذي دخلها بعد أن فتح مدينة الإسكندرية عام 21هـ, وكان حاكم رشيد القبطي يسمي قزماس, والذي عقد صلحا مع عمرو وأدي الجزية للمسلمين وبقيت الكنائس في المدينة لمن بقي علي دينه, وقد استطاب الصحابة سكني المدينة فعمروها وأقاموا البيوت وبنوا المساجد وأطلقوا عليها رشيد والتي مازالت تعرف به حتي الآن.
وتعد رشيد إحدي مدن ومراكز محافظة البحيرة, وهي ميناء قديم علي مصب الفرع الغربي للنيل في البحر الأبيض المتوسط, المسمي به. ومن أهم قراها الجدية وقرية الشماسمة والحماد ومحلة الأمير وعزبة الشريف وأدفينا وبرج رشيد.
المعالم السياحية:
ومن أهم معالمها السياحية متحف رشيد القومي الذي يتكون من مبنيين أحدهما أثري يتكون من ثلاثة طوابق, يرجع لعصر الدولة العثمانية, وكان في الأصل بيت عرب كيلي محافظ رشيد في ذلك الوقت, وفي الستينيات تم تحويل المبني إلي متحف صغير لإبراز دور مدينة رشيد في مقاومة الحملة الفرنسية ثم حملة فريزر الإنجليزية ويعرض المتحف 700 قطعة من أهمها العملات الذهبية والبرونزية التي تعود للعصرين الأموي والعثماني, ومجموعة من المصاحف والأواني الفخارية.
وتجتمع في المدينة مجموعة فريدة من الأبنية الإسلامية فمعروف أنها ثاني المدن بعد القاهرة من حيث حجم الآثار الإسلامية, فالمدينة تضم اثنين وعشرين منزلا أثريا وعشرة مساجد وحماما وطاحونة وبوابة وقلعة وبقايا سور قديم, وهذه العمائر ترجع إلي العصر العثماني, فيما عدا قلعة قايتباي وبقايا سور رشيد والبوابة فيرجعون إلي العصر المملوكي, وقد بنيت هذه المنازل من الطوبة الرشيدي السوداء, والمنازل تعكس ما كان يتميز به أهل المدينة في عصر العثمانيين والأتراك من التقدم في العمارة والنجارة والبناء, كما تعكس الطابع الإسلامي الذي كان موجودا في ذلك الوقت بما تحويه من مشربيات وصالات استقبال ونقوش كوفية وأشغال صوفية أو قباب مبنية بالطوب, فأعدت هذه المنازل لكي تكون سكنا وتحفا فنية, وكذلك تكون حصونا حربية عند الحاجة في زمن الحروب.
المنازل الأثرية:
ومن أهم المنازل الأثرية الموجودة في المدينة منزل الأمصيلي الذي تم بناؤه عام 1808م علي يد عثمان أغا الأمصيلي, وكان جنديا بالجيش العثماني, ويتكون من ثلاثة أدوار الأرضي به حجرة الاستقبال وبها قواطيع من الخشب تتخللها أعمدة رخامية, ويوجد بالدور الأرضي المخزن والحظيرة المخصصة لركوب الأغا والصهريج الذي تخزن به المياه ودورات المياه.
كما بني منزل حسيبة غزال في نفس عام 1808, وهو ملحق بمنزل الأمصيلي, وكان مخصصا للخدم ويتكون من ثلاثة أدوار, وبه مخزن من الداخل تعلوه حجرة بسلم من المخزن وحجرة الصهريج, والدور الأول به حجرات بها شبابيك خرط والدور الثاني به مشربيات وحجرة ملحقة بها مخزن.
أما منزل الميزوني فيعود تاريخ بنائه إلي عام 1740 علي يد عبدالرحمن البواب الميزوني جد محمد الميزوني والد زبيدة البواب زوجة مينو القائد الثالث للحملة الفرنسية علي مصر, والمنزل يتكون من أربعة أدوار, الدور الأرضي به شادر وحجرة الصهريج, والدور الأول للرجال وبه حجرات لها شبابيك من التقاطعات الحديدية, أما الدور الثاني فهو مخصص للحريم وبه مشربيات بارزة, والدور الثالث به حجرات لها شبابيك وحجرة الأغاني ويها دواليب خشبية ومنور مربع وبه كذلك الحمام الذي يشبه حمامات المنازل الأخري برشيد, وعلي الواجهة القبلية للمنزل حجرة بالسطح بها المدخنة التي تبدأ من الدور الأول وتنتهي أعلي السطح.
ويعود منزل عصفور إلي عام 1754م ويتكون من ثلاثة أدوار الأرضي به شادر يتكون من مخازن الغلال وحجرات للاستراحة وقاعة للمناسبات, وبه حجرة الصهريج التي لها شباك من النحاس يعلوه لوحة رخامية عليها اسم المنشئ وهو إبراهيم بلطيش باللغة التركية, والدور الأول به حجرات لها شبابيك من المصبعات الحديدية تعلوها مناور من الخشب الخرط, والدور الثاني به حجرات لها شبابيك ومشربيات من الخشب الخرط والدور الأخير صيفي وبه نوافذ بارزة بحوالي نصف متر.
ويتمتع منزل عرب كلي بمكانة متميزة بين البيوت الأثرية وتأتي مكانة المنزل بسبب اختياره بعد ذلك ليكون متحفا يعكس بطولات وتاريخ المدينة وقد بناه حينذاك عرب كلي محافظ رشيد في النصف الأول من القرن الثاني الهجري (الثامن عشر الميلادي) ويتكون من أربعة أدوار, في الدور الأرضي شادر وله سقف عبارة عن قبوات متقاطعة, فيما عدا حجرة الصهريج فسقفها خشبي, والدور الأول للرجال وبه حجرات لها شبابيك من المصبعات الحديدية, تعلوها مناور من الخرط المعقلي, والثاني به شبابيك من الخرط, ويتصدر الصالة إيوان خشبي وبسقفها منور وبه حمام مسقوف بقبة ضحلة مفرغة وبها زجاج, كما يوجد به حوض رخامي, وبجوار الحمام توجد دكة للاستراحة وباب يؤدي إلي حجرة النوم, والدور الثاني صيفي وبه حجرة صغيرة ودورة مياه.
المساجد الأثرية:
يعد مسجد زغلول أقدم مساجد المدينة ويحمل ذكري عزيزة علي قلوب أهل رشيد وكل المصريين, وهي الانتصار علي حملة فريزر, فمن علي مئذنته انطلقت صيحة الله أكبر إيذانا ببدء الهجوم علي عساكر الحملة الإنجليزية وقد كان هذا المسجد بمثابة الأزهر, حيث كان يتوافد عليه طلاب العلم وكان لكل شيخ عامود به.
أما مسجد علي المحلي فبني عام 1721م, ويقع في وسط المدينة ويقام علي 99 عمودا مختلفة الأشكال, وله ستة أبواب مزخرفة واجهاتها بالطوب المنحوت وتختلف كل واجهة عن الأخري, ويتوسطه صحن وتقع الميضأة غرب الجامع وتتكون من مظلة مرفوعة علي 12 عمودا والمسجد ينسب إلي علي المحلي الذي توفي عام 901هـ بمدينة رشيد ودفن بالمسجد.
ويعد مسجد العباسي من أجمل مساجد رشيد ويقع علي شاطئ النيل من الناحية القبيلة منها وله واجهات تشبه واجهات المنازل الأثرية, نظرا لأنه مزين بزخارف جملية مصنوعة من الطوب المنحوت وهي موجودة بالجزء العلوي ويعتبر تصميم مدخل المسجد نموذجا لمداخل المساجد في القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين وله قبة مضلعة من الخارج تعتبر من أجمل قباب رشيد. والمسجد بناه محمد بك طبوزادة سنة 1809م.
قلعة قايتباي وحجر رشيد:
تعد قلعة قايتباي أقدم القلاع التي عرفها المؤرخون الأجانب باسم قلعة جوليان, والقلعة أنشأها السلطان الأشرف قايتباي سنة 1479 ميلادية لتدافع عن هذه الثغر والمدخل المهم لمصر, وهي مستطيلة الشكل ويوجد في نواحيها الأربع أبراج دائرية وبأسوارها مزاغل, وبحوش القلعة الداخلي بقايا مبني مستطيل كان يحتوي علي حجرات للجند ومخازن ومسجد وصهريج مياه, وهي تختلف في تصميمها عن قلعة قايتباي الموجودة في الإسكندرية.
وفي أغسطس 1799 عثر بوشار أحد ضباط الحملة الفرنسية علي الحجر المشهور بحجر رشيد تحت أنقاض هذه القلعة والذي تم من خلاله فك رموز الغة الهيروغليفية القديمة وبالتالي الكشف عن كل التاريخ المصري, وهو ما أدي إلي ذيوع شهرة المدينة أكثر وأكثر.
وهو عبارة عن حجر من البازلت الأسود يعود تاريخه إلي عام 196ق.م ومسجل عليه محضر مبايعة الكهنة للملك بطليموس الخامس, والاعتراف به ملكا علي البلاد, وهذا الحجر مكتوب عليه بثلاث لغات هي الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية القديمة, وقد عكف العالم الفرنسي شامبليون فترة طويلة علي دراسة هذه النقوش الموجودة علي الحجر حتي توصل إلي فك رموز اللغة المصرية القديمة وقد نقل الحجر إلي لندن طبقا لشروط معاهدة 1801 بين الإنجليز والفرنسيين, وهو الآن يعد واحدا من أهم القطع الأثرية المعروضة بالمتحف البريطاني بلندن, وهناك محاولات مصرية تجري لاسترداده.