هل كانت مصادفة تلك أن يأتي إلينا الطفل يسوع وأمه مريم العذراء برفقتهما يوسف البار إلي أإض مصر؟ مختارا لمصر بذاتها دون غيرها تلبية لدعوة السماء (قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلي أرض مصر).
حين يحيق الخطر بالنفس يكون الاختيار العفوي والأوحد هو محاولة اللجوء إلي أكثر الأماكن أمنا وأمانا حتي تجد النفس راحتها وطمأنينتها… هذا إذا كان للنفس البشرية حق الاختيار والمفاضلة… فما بالنا إذا كان أمرا من السماء محددا أرضا بالذات دون أن يدع لهذه النفس حق الاختيار؟
دعونا نتأمل تلك الصورة الفريدة: ملك يعتلي كرسي الحكم يدين له الجميع بكل الطاعة والخضوع يفقد صوابه تماما حينما يصل إلي سماعه نبأ ميلاد طفل أعزل لم يجد له مكانا يأويه لحظة ميلاده سوي مذود للبقر!! أي سر عجيب يكمن في هذا المولود؟؟… ملكنا هذا ينتابه الاضطراب والهلع بمجرد أن يصل إلي مسامعه تساؤل المجوس (أين هو المولود ملك اليهود؟)… كيف يكون هذا؟! هل يوجد ملك غيري يمكن له أن ينازعني الحكم؟ وقادته نفسه الشريرة إلي حد التفكير في التخلص من هذا الطفل!!
ومن المفارقات العجيبة أن قراره بقتل الطفل لم يكن عن جهل بحقيقة هذا المولود… بل بعد أن تأكد من رؤساء الكهنة وكتبة الشعب حين سألهم سؤالا مباشرا: أين يولد المسيح؟؟
وجاءت الإجابة الصادمة التي افقدته البقية الباقية من صوابه صريحة أيضا (في بيت لحم اليهودية)… وغني عن القول إن الإجابة لم تكن اجتهادا بل كانت تحقيقا للنبوات.
إذا الأمر خطير… والنبوءة تحققت يا هيرودس فماذا أنت فاعل بمن سيطيح بكرسي عرشك؟؟ ومن هنا استشاط غضبا واتخذ قرار القتل!! وحين فشل تماما في تحديد شخص الطفل المستهدف كان قراره الجنوني بتلك المذبحة الطفولية المروعة والتي راح بسببها آلاف الأطفال الأبرياء لعل الطفل يسوع يكون واحدا منهم… ولم يشهد العالم عبر تاريخه الطويل حت ي الآن/ ميكافيلية بهذا القدر/ بل كانت أسوأ وسيلة تحقيقا لأسوأ غاية.
وقبل أن يرتكب هذا السفاح الدموي فعلته الشنعاء كان الأمر الإلهي ليوسف النجار بالهروب إلي مصر مع يسوع ومريم العذراء… وكان الهروب التاريخي لطفل أعزل في المهد من بطش حاكم دموي إلي أرضنا مقدسا إياها ومكملا لنبوات إشعياء النبي (في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط مصر) وفي نفس النبوات كانت مباركة السماء لمصر وشعبها دون سائر الشعوب والأمم (مبارك شعبي مصر).