تزايدت نسبة الأطفال في إقليم شرق المتوسط الذين يعانون من نقص الوزن في الفئة العمرية أقل من خمس سنوات من 14% عام 1990 إلي 17% عام 2004 ونتيجة أزمة الغذاء وارتفاع أسعاره مع مطلع عام 2008, تدهورت الأوضاع الغذائية للرضع والأطفال دون الخامسة في البلدان التي تعاني من الكوارث والحروب وفي نفس الوقت تم رصد أرقام منذرة بالخطر عن انتشار أمراض السمنة وأمراض مزمنة مرتبطة بسلوكيات غذائية خاطئة في بلدان الإقليم حتي أن هذه الأمراض مسئولة عن 52% من كافة الوفيات في الإقليم و47% من عبء المرض, ومن المرجح أن ترتفع هذه النسبة إلي 60% عام .2020
ولذلك خلص المكتب الإقليمي لشرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية من إعداد مشروع استراتيجية إقليمية جديدة للتغذية في المدة من 2010 إلي 2019 وتم إطلاق مشروع الاستراتيجية يوم 13 من الشهر الحالي بالمكتب الإقليمي للمنظمة في القاهرة.
فما ملامح هذه الاستراتيجية؟ وما مدي أهميتها في هذا الوقت بالذات؟ وما الوضع الغذائي بالنسبة لمصر؟ وما الإجراءات التي يتم اتخاذها في مصر لمواجهة سوء التغذية, وهل هناك سلوكيات غذائية جديدة بين أفراد الشعب المصري؟… اقرأ هذا التحقيق.
حضر اجتماع إطلاق مشروع الاستراتيجية الإقليمية الجديدة للتغذية ممثلو الصحة في 22دولة, هي دول إقليم شرق المتوسط والدكتور حسين عبد الرازق الجزائري المدير الإقليمي لمنطقة شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية ود.فاطمة جوهر عميد المعهد القومي للتغذية في مصر كممثلة لوزير الصحة المصري ود.هيفاء ماضي مدير قسم حفظ الصحة وتعزيزها بالمكتب الإقليمي للمنظمة وعدد من خبراء منظمة الصحة العالمية بجنيف وممثلون عن جمعيات أهلية تعمل في مجال الصحة, وأعلن الدكتور حسين الجزائري في كلمته: أن استراتيجية الغذاء الجديدة شارك في إعدادها لجنة إقليمية تتألف من ممثلين من الوكالات المتخصصة في الأمم منها: (منظمة الأغذية والزراعة, منظمة اليونيسيف, برنامج الغذاء العالمي والأنروا) إلي جانب منظمات غير حكومية ومنظمات المجتع المدني ومراكز البحوث.
والهدف الرئيسي من الاستراتيجية وخطة العمل الغذائية في الإقليم هو تحسين الوضع الغذائي للسكان طوال فترة حياتهم, وذلك من خلال تشجيع هذه البلاد علي الاهتمام بكل ما يتعلق بالغذاء باعتبار قضية الغذاء قضية محورية في صميم الخطط التنموية في أي دولة.
ولتحقيق هذا الهدف ستقوم منظمة الصحة العالمية بتوفير الدعم الفني للبلدان الأعضاء ومساعدتها في إعداد خطط عمل وبناء قدرات بشرية تقدم النصح لكل فئة عمرية بالنسبة لقواعد التغذية السليمة, ولكن ليس فقط بشكل نظري ولكن سيتم توفير كميات مناسبة من المغذيات الزهيدة المقدار ولها تأثير إيجابي علي الصحة مع إتاحة معلومات شاملة ومبسطة لكل فئات السكان عن الخدمات الغذائية المقدمة من خلال النظام الصحي في كل بلد.
ولكن قبل كل شئ لابد لكل دولة أن تحدد المشاكل الخاصة بسوء التغذية عندها حتي تعرف أفضل السبل لحل هذه المشاكل والإقلال من آثارها السيئة.
الوضع المصري
اهتمت وطني منذ سنوات بقضية الغذاء والتغذية الصحية, وبين وقت وآخر كان يتم إجراء العديد من التحقيقات وأيضا نشر ملفات عن هذه القضية المهمة, وجاء مشروع إطلاق استراتيجية إقليمية للغذاء الصحي والآمن ليستدعي من جديد الحديث عن خطورة موضوع الغذاء, فهو موضوع يتعلق بصحة الإنسان طوال حياته وصحة أولاده, وليست قضية ترفيه, فيمكن بتعديل العادات الغذائية الخاطئة تجنب العديد من الأمراض المزمنة, وهذا ما جاء علي لسان واحدة من أكبر خبراء التغذية في مصر في حديثنا معها.
الدكتورة عزة جوهر مدير المعهد القومي للتغذية فقالت:
الغذاء والسلوكيات الغذائية الخاطئة المسئول الأول عن كثير من الأمراض المزمنة مثل (السكر, ضغط الدم, السمنة المفرطة, أمراض القلب والشرايين) وهذه الأمراض علاجها يشكل عبئا علي المنظومة الصحية في المجتمع وأيضا تعوق الإنسان عن المشاركة الفعالة في مشاريع التنمية والإنتاج, وبالتالي تؤثر علي الناتج القومي للدولة بوجه عام.
وإذا تصور البعض أن قضية التغذية قضية ترفيه في ظل ما يواجهه العالم من أمراض خطيرة والتصدي لأوبئة متعددة فذلك تصور خاطئ, فهي قضية ملحة, ونحن في مسيس الحاجة لهذه الاستراتيجية لإقليم شرق المتوسط للتحرك في إطار زمني, وأيضا في حاجة لخبراء تغذية يعرفون الأخطار ويقدمون المشورة الفنية, ولأن هناك تعاونا دائما بين معهد التغذية المصري التابع لوزارة الصحة وبين منظمة الصحة العالمية, فالمعهد بدأ منذ عام 2007 في وضع خطة وطنية للغذاء والتغذية السليمة والآمنة تستمر حتي عام 2017, وهذه الخطة لم تأت من فراغ, ولكن قامت علي العديد من الدراسات والمسوح السكانية, وكان آخرها المسح السكاني الصحي لعام 2008,والذي أظهرت نتائجه أن 29% من الأطفال المصريين في الفئة العمرية أقل من خمس سنوات مصابون بسوء تغذية مزمن, وعلي الجانب الآخر حوالي 26% من الأطفال في الفئة العمرية من 10 سنوات إلي 19 سنة يعانون من زيادة الوزن أو الاستعداد لزيادة الوزن. وترتفع نسبة الإصابة بزيادة الوزن في الفئة العمرية من 15 سنة إلي 49 سنة لتصل إلي 78% في الإناث و52% من الذكور.
كذلك كشفت المسوح السكانية في مصر عن ارتفاع نسبة الأمراض المزمنة المرتبطة بسوء التغذية فأكثر من 25% من السكان يعانون من ضغط الدم المرتفع وأكثر من 10% من السكان يعانون من مرض السكر و26% من المراهقين في مصر لديهم الاستعداد للإصابة بضغط الدم المرتفع و16.4% من المراهقين لديهم الاستعداد للإصابة بمرض السكر.
كما تمثل الوفيات بالأمراض المزمنة خاصة أمراض القلب والشرايين أكثر من 40% من أسباب الوفاة في مصر. وحتي نواجه المزيد من المشاكل الصحية المرتبطة بسلوكيات غذائية سابقة لابد من وضع رؤية غذائية مستقبلية قائمة علي حق مواطن في الحصول علي مكونات غذائية سليمة وآمنة وغير مكلفة اقتصاديا للوقاية من أمراض سوء التغذية.
فمن أهم الأهداف المرجو تحقيقها خفض معدل انتشار التقزم (قصر القامة بالنسبة للعمر) عند الأطفال أقل من خمس سنوات بنسبة 20% خلال خمس سنوات, وعادة التقزم يحدث نتيجة لعدم حصول الطفل علي الغذاء المتوازن لمدة زمنية طويلة أو نتيجة لتكرار العدوي أو الإصابة بمرض مزمن. وحسب المسح السكاني الصحي لعام 2008 وجد أن 29% من الأطفال أقل من خمس سنوات يعانون من التقزم و14% يعانون من قصر قامة حاد.
والأطفال في الريف أكثر تعرضا لقصر القامة من الأطفال في الحضر.
كذلك نسعي من خلال الخطة الوطنية الموضوعة حاليا إلي خفض انتشار الأنيميا للأمهات الحوامل بنسبة 20% خلال خمس سنوات.
كذلك تسعي لتحسين مؤشرات الرضاعة الطبيعية بنسبة 25% خلال خمس سنوات, وخفض معدلات السمنة وزيادة الوزن عند الأطفال في الفئة العمرية من 10 سنوات إلي 18سنة بنسبة 20% خلال خمس سنوات, كذلك خفض معدلات زيادة السمنة في الفئة العمرية من 15سنة إلي 45سنة بنسبة 20% خلال خمس سنوات, وخفض معدلات انتشار مرض السكر من النوع الثاني (وهو مرتبط بالسمنة خاصة في منطقة البطن) في السن من 15سنة إلي 45 سنة بنسبة 15% خلال خمس سنوات, وخفض معدل انتشار ضغط الدم المرتفع في السن من 15 سنة إلي 45سنة بنسبة 15% خلال خمس سنوات.
وحتي يتم ذلك فخطة وزارة الصحة والتي كلفني الوزير بإلقاء الضوء عليها تسعي إلي تطبيق ثلاث سياسات لتحقيق الأهداف السابقة.
إعطاء أولوية كبيرة في البرامج الصحية للفئات الحساسة (الأم والطفل) للقضاء علي أمراض سوء التغذية, وذلك عن طريق دعم الوحدات الصحية والمستشفيات بخدمات صحية, وتوجيه غذائي سليم للأم الحامل أثناء متابعة الحمل, وللأطفال أثناء الولادة وذلك في حدود الإمكانيات المتاحة للأسر المصرية في كافة الشرائح الاجتماعية فلا يمكن أن نغفل قضية الفقر في كثير من الأسر.
كذلك دعم الخدمات الصحية المقدمة داخل المدارس للأطفال في جميع مراحل التعليم خاصة مرحلة التعليم الأساسي مع الاهتمام بالمناهج الدراسية والتي لابد أن تحتوي علي تدريس قواعد التغذية السليمة.
ويتم حاليا من خلال الوحدات الصحية في الريف والحضر والمدارس توزيع أغذية مدعمة بالفيتامينات والمعادن عالية القيمة وأيضا سيتم ذلك بالنسبة للأغذية الموزعة من خلال بطاقات التموين.
كذلك متابعة إصدار التشريعات والقوانين المتعلقة بالغذاء الصحي والآمن التي تحمي حقوق الطفل والأم لضمان الحق في الحصول علي هذا الغذاء السليم, ويوجد بمعهد التغذية حاليا عيادات علاجية متخصصة للعلاج بالغذاء لجميع الأمراض.
ولقد قام رئيس مجلس الوزراء بتشكيل مجموعة وزارية برئاسة وزير الصحة وعضوية وزارات الزراعة والتضامن كجهة علمية متخصصة للإشراف علي استراتيجية الغذاء والتغذية المصرية.
كما تم تشكيل مجموعة وزارية للسياسات الزراعية برئاسة وزارة المالية وعضوية وزارات (الري, الصناعة, الزراعة, التجارة) للتنسيق مع المجموعة الوزارية لاستراتيجية الغذاء والتغذية للتوصل إلي التركيب المحصولي الأمثل لتكثيف زراعته والذي يساعد علي ترشيد المياه وتحسين المناخ وحماية البيئة إضافة إلي تحسين التغذية.
تصنيف إقليمي
وكانت منظمة الصحة العالمية من خلال خبرائها قد قامت بعمل تصنيف عالمي بالنسبة للوضع الغذائي في دول كل منطقة وبالنسبة لإقليم شرق المتوسط, تم تقسيم الدول فيه إلي أربع فئات جاءت مصر في الفئة الثانية, ومن أهم سمات هذه الفئة ارتفاع نسبة المصابين بالوزن الزائد أو السمنة مع ارتفاع معدلات نقص التغذية في بعض الفئات السكانية وفي فئات عمرية معينة إضافة إلي انتشار نقص المغذيات الزهيدة المقدار, وافتقار حكومات دول هذه الفئة إلي سياسات واستراتيجيات واضحة فيما يتعلق بالتغذية والغذاء, والافتقار إلي قوانين لتثقيف المستهلك وحمايته وتأتي عوامل الأخطار علي سكان هذه الدول في زيادة الاستهلاك الغذائي من الدهون والسكريات وقلة استهلاك الأغذية الغنية بالطاقة والفواكه والخضروات الطازجة واتباع نمط حياة لا يتطلب سوي الحد الأدني من النشاط البدني في مجتمعات تتسم بشراسة التسويق التجاري للوجبات الغذائية السريعة, وبدائل للبن الأم, ووجود جيوب للفقر وخاصة في قري هذه البلدان والمناطق النائية.
والدول التي ضمتها هذه الفئة هي (الأردن, تونس, ليبيا, إيران, سورية, لبنان, مصر, المغرب). جاء هذا التصنيف من خلال ورقة عمل متخصصة تمت مناقشتها في اجتماع اللجنة الإقليمية لشرق المتوسط عام 2007.
ويتضح أن مصر قامت علي الفور عقب هذه الرؤية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية بوضع الاستراتيجية الوطنية الخاصة بالغذاء والتغذية في الفترة من عام 2007 إلي 2017 والتي حدثتنا عنها د.عزة جوهر.
استفتاء
والسؤال: هل هناك تغيرات طرأت علي عادتنا الغذائية وطغت حتي علي العادات والتقاليد في أسرنا المصرية؟
من خلال جولة حية داخل الشارع المصري في اليوم الأول لعيد الأضحي المبارك وهو اليوم المتعارف عليه في كثير من أسر مجتمعنا المصري أن تجتمع فيه الأسرة للغذاء داخل المنزل حيث تتم عملية الذبح وأكل اللحوم, في هذا اليوم اكتظت محلات الوجبات السريعة بالأسر المصرية للأكل من هذه الوجبات وكان هذا يتم في اليوم الثاني أو حتي الثالث من العيد فهل تغيرت لهذا الحد عاداتنا الغذائية, ولماذا ينجذب الكبار قبل الصغار إلي هذه المحلات للأكل فيها رغم كل ما كتب عن خطورة الوجبات السريعة حيث إن معظمها أطعمة مشبعة بالدهون ووجود المياه الغازية مع الوجبات يزيد من الخطورة علي الصحة فقد أثبتت الأبحاث أن نسبة كبيرة من الوفيات بالسكتة الدماغية بسبب الدهون المتراكمة علي جدران شرايين المخ وأيضا بالنسبة لأمراض القلب وفي استفتاء سريع جاءت إجابات الكبار والصغار كالآتي:
* شكل الوجبة شهي ويفتح النفس.
* مكان للترفيه أفضل من قعدة البيت.
* أحس كربة بيت أن هناك مكانا أستريح فيه من الخدمة وأطفالي يسعدون فيه.
* توجد ألعاب وهدايا وإبهار للأطفال ويقومون بالضغط علينا كآباء وأمهات لاصطحابهم إلي تلك المحلات.
الحل
عرضنا نتائج هذا الاستفتاء علي خبراء منظمة الصحة العالمية وأشرنا إلي أنه من الصعب مهاجمة محلات الوجبات السريعة والأفضل جذب المسئولين عن إدارة هذه المحلات إلي استراتيجية الغذاء الصحي ليهتموا بتقديم وجبات صحية, والاستماع إلي مقترحاتهم حتي ننقذ المجتمع من أنماظ غذائية أقوي من العرف والقانون,وجميع الخطط التي ترفع شعار الغذاء السليم يقود لصحة أفضل.
ووجد الاقتراح استحسانا من جميع خبراء المنظمة وأدرجوها في مسودة مشروع الاستراتيجية.