تعيش مصر فراغا سياسيا هائلا.. تبرز أسماء من المجهول وتتصدر المشهد في الساحات والمؤتمرات وشاشات التليفزيون.. كل واحد منهم هو الزعيم الفاهم لكل شئ والعارف ببواطن الأمور والواثق من الطريق إلي غد مشرق. وعندما تتأمل ما يقال تدرك أن هذا اليقين دليل علي الخواء والفراغ الفكري فاليقين دليل علي الجهل. عندما تزور عالما عميقا في علمه وتستفتيه في مشكلة يفتيك ولا يبخل عليك بعلمه ولكنه يحرص علي قول والله أعلم لأنه يثق في أن العلم بحر واسع بلا قرار وأن هناك آراء أخري قد تكون أقرب إلي الصواب.
وبسبب هذا الفراغ نشأت أحزاب كثيرة جدا, ولم أجد حزبا واحدا له برنامج واحد محدد فكلها لافتات وشعارات.. ولذلك تتآلف ثم تتخاصم لأن ما تملكه مجرد مصالح ولا يجمعها فكر يقرب بينها.
والمنظمات والأحزاب الدينية هي الوحيدة التي تملك اليقين رغم أن هذا اليقين يتباين ويتناقض بين الواحدة والأخري لا يجدون غرابة في ذلك. وما يزعجني أنها تعتمد في مناهجها علي سلوك الأفراد والمجتمعات.. كيف يتعاملون, وكيف وماذا يأكلون, كيف وماذا يلبسون.. ولا علاقة لهم بالسياسة ولا كيفية تنمية المجتمع في العلوم والفنون والعلاقات الدولية.
لا تندهش بعد ذلك عندما أقول إني متشائم من هذا التخبط والتشرذم.. والمجلس العسكري لا يزال يتحسس الطريق ولا يجده لحل مشكلة واحدة لأنه لا يعرف الطريق إلي معاملة المدنيين ولا يملك موهبة السياسة لأنها عالم مختلف عن الأوامر والنواهي.
الحق أقول.. لا أعرف من أنا وإلي أين أسير.