يوجد إجراء روتيني عند تعيين موظف جديد وهو توقيع الكشف الطبي عليه غير كشف الهيئة…يحدث هذا إلا عند تعيين رئيس الجمهورية. ورأينا علي مر التاريخ رؤساء دول يعانون من أنواع مختلفة من الجنون أو عدم اتزان الفكر أو القدرة علي التقييم الصحيح للأمور, والأمثلة علي ذلك كثيرة أشهرها نيرون الذي حرق روما وهو يغني, وهتلر الذي رفع شعارات لا تمت للفكر العلمي بصلة منها تفوق الجنس الآري(الألماني) وحقه في السيطرة علي شعوب العالم…ولنا في التاريخ عبرة.
تداعت في ذهني هذه الأحداث بعد أن رأيت حوارا علي قناة الجزيرة مع عبد السلام جلود الرجل الثاني في ليبيا وشريك القذافي في الانقلاب علي إدريس السنوسي ملك ليبيا وقد انقلب جلود علي رفيق عمره قبل انهياره بأيام. كان جلود مغمض العينين غالبية الوقت وكلماته مبعثرة غير دقيقة المعني…أحسست بضحالته ولم أندهش فالقذافي نفسه تفضحه خطبه وأفكاره وألفاظه حتي أصبحت سخرية علي الأفواه مثلزنجه…زنجه.
ولا نبرئ أنفسنا في مصر من مثل هذه الضحالة والركاكة في غالبية رؤساء عصر ثورة 1952, كان عبد الناصر ينطق اللغة العربية مثل الأعاجم وتغلب علي خطبه الألفاظ السوقية مثلحسين ابن زين وقال أيضا إنه سوف ينتف لعاهل السعودية ذقنه. وكان الرئيس المتنحي مبارك لاينطق كلمة عربية سليمة الإعراب, وكان محدود الخبرة وتجارب الحياة…رأيته في التليفزيون أثناء زيارة له إلي مطار القاهرة وزار يومها السوق الحرة وأمسك قميصا من الصناعة المصرية وقال مستنكرا أين الباغة التي توضع في الياقة؟ فقيل له إنهم الآن يضمون بطانة في الياقة من قماش مقوي أفضل من الباغة…فصاح محتجالا…لا أعيدوا وضع الباغة…هذا في المسائل البديهية التافهة فما بالنا بعظائم الأمور.
نعود الآن إلي الوجوه المطروحة علي الساحة المصرية لانتخاب رئيس للجهمورية الجديدة والمفروض أنها ستقود مصر إلي عصر التنوير…نري مرشحا شغل أرفع المناصب الدبلوماسية وهو يطوف كالنحلة في كل الأماكن حتي الحجور فيزور سكان المقابر ويأكل مع سكانها في طبق واحد علي الأرض, ونراه يؤم المصلين في خشوع وكأنه فجأة أصبح إماما…لقطات متناقضة ما بين الصلاة والاستمتاع بمطرب شعبي يتغني باسمه.
ونري وجها يطفو من حين لآخر ويدخل في صراع مع حزبه ومع زوجته ومع الحكومة المنهارة ليس لخلاف علي مبادئ أو أفكار ولكنها صراعات أقرب ما تكون لشجار الحواري والأزمة.
ونري وجها آخر له نفس طعم ومذاق الوجه السابق حيث دخل في شجار مع ضابط شرطة أيام حكم مبارك وذلك أثناء مظاهرة في جامعة القاهرة, وفي موقف آخر جمع بعض الصحفيات تحت التمرين ودفعهن للعدوان بالضرب علي نقيب الصحفيين آنذاك صلاح جلال الرجل المهذب الرقيق في أول سابقة من نوعها في النقابة وأصبحت بعد ذلك مثلا يحتذي به داخل النقابة كما حدث مع مكرم محمد أحمد.
ونري وجوها وأسماء جديدة تستخدم قداسة الدين واجهة وشعارا لمصر المستقبل…والتاريخ شاهد علي آلاف الفتن والاغتيالات والانقلابات والحكومات المستبدة باسم الدين وذلك منذ فتنة سيدنا عثمان بن عفان.
هل يكون غريبا لوطالبت بإصرار بالكشف الطبي بدنيا ونفسيا علي كل من يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية؟!