يعيش الصحفي حياة عملية غريبة ويمر بتجارب متناقضة فهو يتجول بين اللصوص ويتسكع في الأزقة, وفي نفس الوقت يحيا بين القادة والساسة والزعماء ورجال الفكر…ويري مالا يستطيع غيره أن يراه, وليس كل ما يراه قابلا للنشر…لذلك لا يشعر الصحفي بتلك الهيبة التي يشعر بها الآخرون للقادة والزعماء والرؤساء لأنه يراهم علي حقيقتهم في حياتهم الخاصة.
أتذكر الآن بعد كل هذه السنوات أنني شربت ماء من كوب فيه حشرات حية تتحرك أثناء رحلتي إلي إريتريا في حربها للتحرير من الاحتلال الإثيوبي(الحبشة). وأتذكر أنني أكلت مع البسطاء في أفقر الأحياء…وأتذكر أنني رافقت الملوك وسجلت في ذاكرتي كثيرا من الذكريات التي لا تنسي.
ذهبت إلي لندن في السبعينيات لأقوم بتغطية صحفية لمجلة المصور عن مؤتمر للدول الإسلامية, وإلي جانب المؤتمر أقيم معرض للتراث الإسلامي وافتتحت المعرض الملكة إليزابيت والإمبراطورة الإيرانية فرح ديبا, وأثناء دخولي المعرض وجدت علي الرصيف المقابل حشودا من الجالية الإيرانية وهم يحملون مشانق ولافتات هجومية لشاه إيران وذلك قبل طرد الإمام الخوميني إلي فرنسا, وادركت لحظتها أن شيئا خطيرا سيحدث في إيران.
ولفت نظري أثناء جولة ملكة بريطانيا أن جميع عدسات المصورين الصحفيين خرساء لا تضئ, وفجأة انتصبت الملكة ورفعت قامتها بشموخ وعظمة فانطلقت أضواء العدسات بشكل محموم,وعندما استرخت جلالتها خرست كل العدسات.
الحكايات والذكريات كثيرة…وتترسب في أعماقي حقيقة عشتها بنفسي وهي أن أفضل ما ينشره الصحفي هو مالم ينشره.