جلس ابني أمام الكمبيوتر أثناء زيارتي الأخيرة إلي الدانمرك وقال لي اجلس إلي جواري لتشاهد تكنولوجيا التصوير المتطورة, ظهرت علي الشاشة مظاهرة مليونية في ميدان التحرير كان قد سجلها, قال ضع إصبعا علي أي وجه من هذه الملايين فوضعت إصبعي علي نقطة هي وجه لشاب من المتظاهرين, بدأ الوجه يكبر ويكبر حتي ملأ الشاشة ورأيت جميع تفاصيل وجهه بدقة متناهية, وظهرت بعدها صورة لخيمة هي مستشفي ميداني أمام المتحف المصري, بدأ ابني يكبر الصورة وعدسة الكاميرا تتسلل داخل المستشفي, فوجئت بزوجة ابني عزة أحمد خليل الاستشارية في أحد مستشفيات الدانمرك تجلس علي أرض الخيمة وهي تأكل ساندويتش بين يديها ثم وضعته جانبا وقامت مهرولة ومعها بعض شباب الأطباء بالبلاطي البيضاء يهرولون إلي مدخل الخيمة يساعدون بعض شباب الثورة الملهوفين وهم يحملون مصابا طلبا للنجدة, رأيت عزة وبكل صلابة مزقت قميص المصاب مكان الدم الذي ينزف وبدأت تتناول معدات طبية من زملائها, لم أحتمل المشهد فقمت من أمام الشاشة, بعد فترة ناداني ابني وقال: تعالي يا بابا المشهد انتهي عدت إلي مكاني فرأيت عزة جالسة علي الأرض وبين يديها بقايا الساندوتش وعلي ملابسها بقع كبيرة من الدماء وعيناها حمراوتان من آثار الدموع, وراعني أن تبكي رغم كل المواقف القاسية التي تلاقيها مع مرضي السرطان.
عزة هي ابنة الممثلة المعروفة محسنة توفيق وتعمل في الدانمرك وعندما قامت ثورة 25 يناير لم تستطع أن تكون سلبية فطارت إلي القاهرة, ومن المطار توجهت مباشرة إلي مستشفي ميداني في ميدان التحرير, وبقيت هناك إلي أن تنحي مبارك فعادت في اليوم التالي إلي الدانمرك دون أن تزور أحدا من أقاربها.
أحبك يا مصر.. أحبك يا عزة.