سطعت الشمس ساخنة لأول مرة بعد مجيئي إلي الدانمرك. جلست أتدفأ تحت أشعتها إلا قلبي, فلا يزال يعذبه برد الاغتراب رغم كثرة أسفاري.. فجأة تردد في أرجاء البيت صوت أنغام كلاسيكية تعزفها حفيدتي علي البيانو فزادتني إحساسا بالاغتراب, وانتقلت أصابعها ببراعة لتعزف مقطوعة بيتهوفن الرقيقة الناعمة, والتي تختلف تماما عن كلاسيكياته الهادرة والتي ألفها خصيصا لحبيبته وأطلق عليها اسمها إلي إليزا. ذابت نفسي مع اللحن وقلت لنفسي إني أهب اللحن إلي حفيدتي في القاهرة هنا ذات السبع سنوات.
آه يا قاهرتي يا مصر الحبيبة.. تداعت كل الأحداث الأخيرة في ذاكرتي.. وبدأت أراها أكثر وضوحا.
الأجيال الجديدة تعيش فكر وثقافة القرن الواحد والعشرين من خلال وسائل الاتصال المعاصرة, أما الآباء فمازالوا يحلمون بانقلاب عبدالناصر والديكتاتورية المستنيرة.. والمسافات الحضارية بين الأجيال واسعة. الشباب سريع الخطي وكل أجهزة الدولة تجر أقدامها لتقطع خطوة واحدة ثقيلة.. واتساع المسافة ينذر بعدم اللقاء.
تمنيت أن أطمئن علي مستقبلك يا حفيدتي هنا قبل الفراق الأخير.. ولكن يبدو أن الطريق طويل وأن ميدان التحرير في انتظار جيلك.
صفوت عبدالحليم