في صباح يوم الرب نتأمل المزمور التاسع والسبعين,وهو دعاء ليرفع الله غضبه عن شعبه,وهو يشبه مزمور74,وقد كتبهما أحد أبناء آساف عندما هاجم نبوخذنصر أورشليم عام586 ق.م وحاصرها ثمانية عشر شهرا,ودمرها,وأخرب هيكلها العظيم,مركز عبادتها ومكان تقديم ذبائحها وحل إقامة تابوت العهد الذي كان يحوي الشريعة(2مل24).
في هذا المزمور عبر المرنم عن آلامه لكن بغير يأس,لأن عنده أملا راسخا في ربه…فالذي سيري الأبواب المحترقة والأسوار المهدمة والهيكل المخرب يضيع أمله.لكن المرنم رأي من لا يري,وما لا يري,فرفع نظره من الحاضر المؤلم إلي رب الماضي والحاضر والمستقبل,ورأي نفسه في نور علاقته بالرب,فتأكد أن النجاة قادمة لا ريب فيها.وبسبب انتمائه للرب وجد الشجاعة أن يطلب:ليدخل قدامك أنين الأسير.كعظمة ذراعك استبق بني الموت(آية11),وكانت عنده الثقة أن يختم مزموره بالقول:أما نحن شعبك وغنم رعايتك نحمدك إلي الدهر.لقد أخذ نبوخذنصر عظماء البلاد أسري ليقتلهم,ولكن ذراع الرب العظيمة ستبقيهم,وبأمر من كورش الفارسي سيعودون.
وقد أوضح النبي إرميا الحالة السيئة التي دفعت المرنم ليرتل مزموره,فقال:في الشهر الخامس في عاشر الشهر,وهي السنة التاسعة عشرة للملك نيوخذنصر ملك بابل,جاء نبوزرادان رئيس الشرط الذي كان يقف أمام ملك بابل إلي أورشليم,وأحرق بيت الرب وبيت الملك وكل بيوت أورشليم,وكل بيوت العظماء أحرقها بالنار.وكل أسوار أورشليم مستديرا هدمها كل جيش الكلدانيين الذي مع رئيس الشرط.وسبي نبوزرادان رئيس الشرط بعضا من فقراء الشعب,وبقية الشعب الذين بقوا في المدينة,والهاربين الذين سقطوا إلي ملك بابل وبقية الجمهور.ولكن نبوزرادان رئيس الشرط أبقي من مساكين الأرض كرامين وفلاحين.وكسر الكلدانيون أعمدة النحاس التي لبيت الرب والقواعد وبحر النحاس الذي في بيت الرب,وحملوا كل نحاسها إلي بابل(إر52:12-17).
نتعلم من هذا المزمور أننا عندما نواجه صعوبة يجب أن ندرس حالتنا الروحية دراسة موضوعية,فنعرف أين أخطأنا لنتوب,ومن أين سقطنا لنقوم,فنعرف ما لنا وما علينا ثم نرفع طلباتنا لله في نور واقعنا الروحي الحقيقي.وفي كل موقف صعب نعجز فيه عن إنقاذ أنفسنا يجب أن نرفع عيوننا إلي الله ونثبتها عليه,لأننا إن ظللنا ننظر إلي ما يحيط بنا يصيبنا الاكتئاب واليأس,ونتدمر في الداخل كما في الخارج.لكن تثبيت النظر عليه يضمن لنا السلام والانتصار,فنحدث بتسبيح الرب إلي دور(جيل) فدور(جيل بعد جيل).
يبدأ هذا المزمور بطلب الإغاثة (آيات1-5) فيرفع للرب شكوي من الأمم ويقول:اللهم إن الأمم قد دخلوا ميراثك,نجسوا هيكل قدسك,جعلوا أورشليم أكواما.دفعوا جثث عبيدك طعاما لطيور السماء,لحم أتقيائك لوحوش الأرض.سفكوا دمهم كالماء حول أورشليم وليس من يدفن(آيات1-3).رأي المرنم أن الصعوبة التي يجوزها هو وشعبه تتعلق أولا بالله ومرتبطة بمجد إلهه,لأنه هو ملك للرب,وأرضهجبل ميراثالرب.فكيف يسمح بدخول الوثنيين إلي ميراثه,مع أن الميراث أعز ما يملكه الإنسان,ليس فقط بسبب قيمته المادية لكن بسبب قيمته المعنوية؟,وللمؤمنين عند الله قيمة عظيمة لأنهم ميراثه,يعتبرهمغني مجد ميراثه في القديسين(أف1:18).والهيكل هوالمقدس الذي هيأته يداك يارب(خر15:17).فكيف يسمح للوثنيين بتدنيسه؟, وأورشليم هي مدينة الملك العظيم,فلماذا يسمح بأن تصبح أكواما؟,ولماذا يسمح بقتل عبيده فتطرح جثثهن بأعداد كبيرة حتي لا تجد من يدفنها,فتلتهمها الطيور وتنهشها وحوش الأرض؟,لقد سفك الأعداء دماء شعب الله كالماء كأنهم بلا قيمة وبلا ثمن,ولم يبق بين الأحياء من يدفن الموتي!,فلماذا سمح الرب بكل ما حدث لميراثه,وهيكله,ومدينته,وأتقيائه؟,ألم يقل المرنم:عزيز في عيني الرب موت أتقيائه؟(مز116:15).وألم يقل المسيح لمضطهد الكنيسة:لماذا تضطهدني؟(أع9:4).
يعلم المرنم أنه عندما يصيبه الضرر يصيب ملكوت الله أيضا.وسعيد هو المؤمن الذي يري انتماءه القوي للرب فيتأكد أنه معه في وقت الضيق,لأنهفي كل ضيقهم تضايق,وملاك حضرته خلصهم(إش63:9) ويدرك أن قضيته ليست قضيته وحده,لكنها قضية أبيه السماوي أيضا.
ويشكو المرنم للرب خجله من جيرانه,فيقولصرنا عارا عند جيراننا,هزءا وسخرة للذين حولنا(آية4).كان بنو إسرائيل محاطين بأمم تعبد أوثانا.يعتبرونها أقوي من الإله الحقيقي خالق السماء والأرض.فلما نجس الوثنيون هيكل الله المقدس هزأ جيران إسرائيل بهم وبإلههم,ولابد أنهم أطلقوا عليهم النكات الساخرة,لأن الإله الذي يعبدونه لم ينصرهم,بينما انتصر الجيش البابلي!.
ويتوسل المرنم للرب قائلا:إلي متي يارب تغضب كل الغضب,وتتقد كالنار غيرتك؟(آية5).يعلم المرنم أن الشر الذي أصابه وأصاب شعبه يرجع إلي خطاياهم,ويعلم أن الله إله غيور لا يسمح أن يشرك به ولا يقبل القلب المنقسم(تث4:24).وعندما يعرج المؤمن بين عبادة الرب وعبادة الأوثان يغضب الله عليه غضبا ناريا,لأنه يريد أن يكون القلب كله له,ويصبح شوق القلب:علمني يارب طريقك أسلك في حقك.وحد قلبي لخوف اسمك(مز86:11),لأنهإن راعيت إثما في قلبي لا يستمع لي الرب(مز66:18).والمرنم يتساءل في حالة توبته:إلي متي يستمر غضب الله عليه وعلي شعبه؟.