نتأمل اليوم مزمور 76 تأملنا من قبل مزمور 74,وفيه رفع المرنم لله شكوي من ظلم العدو لشعب الله, فقد حطم الهيكل محل سكن الله وسط شعبه. وتأملنا في مزمور 75 رد الله علي الشكوي,قال إنه قاض عادل,وقد عين لكل أمر ميعادا,وأنه بالمستقيمات يقضي. وفي هذا المزمور رد إلهي آخر,يقول إن قوة الله العظيمة لابد ستحطم العدو… وواضح أن في عالمنا أن هناك مملكتين تتحاربان,كما أن هناك معاركا مستمرة تدور داخل نفوسنا بين الخير والشر. فنحن نعيش في عالم أسلم قياده لإبليس,وخضع أغلبية البشر للشرير والشر واستسلموا له. ولكثرة ما هزموا أمامه لم تعد لديهم ثقة أنهم يقدرون أن ينتصروا,لأن الهزيمة صارت أسلوب حياتهم اليومي.
علي أن النصرة النهائية هي دائما من نصيب مملكة الخير,مع أنها تواجه الهجوم المستمر من مملكة الشر. ويوصينا الوحي: تقووا في الرب وفي شدة قوته. البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس,فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم,بل مع الرؤساء,مع السلاطين,مع ولاة العالم,علي ظلمة هذا الدهر,مع أجناد الشر الروحية في السماويات (أف6:10-12)… وعلي كل من يريد الحياة المقدسة, الخادمة, الشجاعة أن يتوقع المقاومة,ويتأكد في الوقت نفسه أنه يعظم انتصارنا بالذي أحبنا (رو8:37). يشبه هذا المزمور مزمور 46 الذي يقول مطلعه: الله لنا ملجأ وقوة. عونا في الضيقات وجد شديدا. ويتكون مزمورنا من 12آية,تحوي أربعة أفكار,تشغل كل فكرة منها ثلاث آيات. أولها الحديث عن قوة الرب (آيات 1-3). وفيها نجد أن قوة الرب:
1- قوة معلنة: الله معروف في يهوذا,عظيم في إسرائيل (آية1). تاريخ الله مع شعبه معروف ومشهور,بالخروج المعجزي من مصر,وشق البحر الأحمر,وإطعام الشعب بالمن والسلوي في الصحراء وري عطشهم بالماء الذي خررج من الصخر. وعندما كانوا يحتلفون بالفصح كان الأبناء يسألون آباءهم: ما هذه الخدمة لكم؟ فيجاوبونهم: هي ذبيحة فصح للرب الذي عبر عن بيوت بني إسرائيل في مصر,لما ضرب المصريين وخلص بيوتهم (خر12:26, 27).الله معروف بأنه صاحب القوة اللانهائية, فهو الخالق, الذي قال ليكن نور فكان نور. وهو حامل كل الأشياء بكلمة قدرته (عب1:3). فقد خلق العالم وهو يعتني به ويضبطه,وكل الأشياء بإرادته كائنة وخلقت (رؤ4:11), وهو يكافئ البار ويعاقب الشرير. معروف هو الرب. قضاء أمضي. الشرير يعلق بعمل يديه (مز9:16). الله في قصورها يعرف ملجأ (مز3:48). ملك داود وسليمان علي مملكة متحدة,ولكنها انقسمت إلي مملكتين: شمالية هي مملكة إسرائيل وعاصمتها السامرة,وجنوبية هي مملكة يهوذا وعاصمتها أورشليم. والله معروف في مملكتي يهوذا وإسرائيل. أعلن لهما عن ذاته بواسطة الأنبياء الذي أرسلهم إليها,وبالمعجزات التي أجراها بواسطة أنبيائه فيهما.
معروف الله بأمانته الكاملة, فقد حقق كل وعوده لأب الأسباط يعقوب,وغير اسمه من يعقوب (بمعني يمسك العقب) إلي إسرائيل (بمعني يجاهد مع الله). وقال سليمان بعد صلاة تدشين الهيكل: مبارك الرب الذي أعطي راحة لشعبه حسب كل ما تكلم به,ولم تسقط كلمة واحدة من كل كلامه الصالح الذي تكلم به عن يد موسي عبده (1مل8:56).
2- قوة مقيمة: كانت في ساليم مظلته,ومسكنه في صهيون (آية3). يقول المرنم إن الله أقام مظلته في ساليم,وهو تدليل واختصار لاسم أورشليم,بمعني مدينة السلام أو أساس السلام. وقد حلت أورشليم السماوية في عهد الإنجيل مكان أورشليم الأرضية,لأن خاصة المسيح من اليهود لم تقبله,فمنح كل الذين قبلوه من كل أمة وشعب ولسان امتيازات شعبه القديم,الذي قال المسيح لهم: ملكوت الله ينتزع منكم ويعطي لأمة تعمل أثماره (مت21:43).
في ساليم مظلته. وتطلق مظلته أحيانا علي عرين الأسد,والمعني أن الرب يدافع عن شعبه كما يدافع الأسد عن عرينه لأنه هكذا قال الرب كما يهر فوق فريسته الأسد والشبل الذي يدعي عليه جماعة من الرعاة وهو لا يرتاع من صوتهم ولا يتذلل لجمهورهم… هكذا يحامي رب الجنود عن أورشليم. يحامي فينقذ,يعفو فينجي (إش31:4, 5).
يقيم الله وسط شعبه,ويسكن بينهم,رأي يوحنا المسيح في وسط سبع مناير ذهبية هي السع كنائس (رؤ1:13). وقال المسيح: حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم (مت18:20).
3- قوة منتصرة: هناك سحق القسي البارقة. المجن والسيف والقتال (آية3). هناك في كل الحروب التي أغار فيها العدو ضد شعب الرب كانت قسي العدو (جمع قوس) بارقة,أي سريعة كالبرق,فسحقها الرب بقوته الأقوي والتي لابد أن ستنتصر وتنصر شعبه. ويقال عن سهام الرب المدافعة عن شعبه,والتي تهزم أعداءه: أرسل سهامه فشتتهم,وبروقا كثيرة فأزعجهم (مز 18:14),وقال النبي: يري الرب فوقهم وسهمه يخرج كالبرق (زك9:14). وتوضح هذه الآية أن الرب المنتصر سيسحق كل أسلحة الحرب من مجن (وهو الترس الصغير),وسيف وجنود.