نتأمل اليوم المزمور السابع والخمسين,وهو سادس مزامير الطريدوعددها سبعة مزامير أطلق عليها القديس أغسطينوس هذا الاسم في تفسيره لسفر المزامير,وهي مزامير7, 34, 52, 54, 56, 57, 142 كتبها داود أثناء هروبه من مطاردات الملك شاول له,متنقلا من بلد إلي بلد,ومن كهف إلي كهف وحتي إلي بلاد الفلسطينيين.ويقول عنوان هذا المزمور إن داود كتبهعندما هرب من قدام شاول في المغارة.ولا ندري إن كانت تلك المغارة(الكهف)مغارة عدلام(1صم22) أو مغارة عين جدي علي الشاطئ الغربي للبحر الميت(1صم24).ويبدأ هذا المزمور كما بدأ سابقه بالقول(ارحمني يا الله).وقد اعتبرت الكنيسة هذا المزمور مناسبا لصباح القيامة,وانتصار المسيح علي قوي الموت والجحيم (1كو15:24-28),كما تقول الآية الأخيرة منه:ارتفع اللهم علي السموات.ليرتفع علي كل الأرض مجدك.
ونجد في مزمور57 فكرتين رئيسيتين,أولاهما أن الله هو الحماية في المصائب(آيات1-6).ولهذا يسبح المرنم هذا الإله الذي ينجي من المصائب (آيات7-11).ويمكن أن نضع عنوانا لهذا المزمورإلي أن تعبر المصائب.
منذ نصر الله شعبه بيد داود حقد شاول عليه,فصار دائم التنقل,حتي قال لشاول:وراء من أنت مطارد؟…وراد برغوث واحد!(1صم 24:14).والبرغوث حشرة صغيرة كثيرة القفز ويصعب إمساكها.وكان داود يريد أن يقول إنه لا يستحق كل مطاردة شاول الذي لن يمسك به!
قد لا نمر بنفس ظروف داود,ولكن من منا لم يطارده الإحساس بالذنب,فيحتاج إلي ملجأ الكفارة الذي يستر خطاياه؟ومن لم يجربه إبليس الذي لا يترك أحدا بدون تجربة؟لله ابن وحيد بلا خطية,لكنه لم يكن بلا تجربة.ومن لم يدخل في صعوبة الاضطهاد,ويقاسي الضيق من العالم الحاضر الشرير؟قال الرسول بولس:جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوي في المسيح يسوع يضطهدون(2تي 3:12).نحن في ذات السفينة التي ركبها داود,والتي تضربها العواصف!وفي الآيات الست الأولي من مزمورنا نجد خمس حقائق:
1-طلب الحماية:ارحمني يا الله ارحمني لأنه احتمت نفسي,وبظل جناحيك احتمي إلي أن تعبر المصائب.أصرخ إلي الله العلي إلي الله المحامي عني(آيتا1, 2) .يطلب داود الرحمة اعتمادا علي رأفة الله وأمانته لوعوده الكريمة.وهو يكرر دعاءهأرحمنيمرتين,لإحساسه بعدم الاستحقاق.وقد جاء المسيح لا للذين يظنون أنهم أبرار,بل للأشرار الذين يحسون بذنوبهم ويعترفون بها(مت9:13).ويطلب داود الحماية في ظل جناحي الرب إلي أن تعبر المصائب القادمة عليه كموجات متتالية تكاد تغرقة.وهو تعبير يحمل معاني الحب, والسرعة, والرفعة, والراحة, والظل, والأمان, فعندما تحس الأفراخ الصغيرة بالخطر تهرع لتحتمي تحت جناحي أمها.كما يترأف الأب علي البنين يترأف الرب علي خائفيه(مز103:13).
يحمي الرب المؤمن من المصاعب,ومن أشعة الشمس المحرقة,وهذا ما أراد المسيح أن يفعله بأورشليم فقال:كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها(مت23:37) وقال بوعز لراعوث:ليكن أجرك كاملا من عند الرب إله إسرائيل,الذي جئت لكي تحتمي تحت جناحيه(را2:12).وقد طلب داود الحماية من الله العلي ملك العالم,الجالس علي كرسي عال ومرتفع,وأذياله تملأ الهيكل(إش6:1).وهو أعلي بكثير من كل أعداء المرنم,وهو المحامي عنه والشفيع الذي يقدر أن يعين المجربينفإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السموات:يسوع ابن الله,فلنتمسك بالإقرار,لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا,بل مجرب في كل شئ مثلنا بلا خطية.فلنتقدم بثقة إلي عرش النعمة لكي ننال رحمة,ونجد نعمة,عونا في حينه(عب4:14-16).إنه صاحب السلطان في السماء وعلي الأرض,وسيحمي محببه كل الأيام إلي انقضاء الدهر(مت28:18, 20).
ويعلن داود انتظاره لحماية الرب فيقول:يرسل من السماء ويخلصني.عير الذي يتهممني.يرسل الله رحمته وحقه(آية3).طرق الرب كثيرة للإنقاذ,وكلها سماوية,عامرة بالحكمة في التوقيت والأداء.يرسل من يشاء,متي يشاء,وفي وقته يسرع به..إنه يرسل رحمته وحقهوهما ملاكان حارسان يخدمان الأتقياء الذين يصرخون طالبين النجاة,فيعيران العدو الذي يتهمم المرنم ويخزيانه ويسلمانه للعار.
ويوضح داود خطورة موقفه بقوله:نفسي بين الأشبال.أضطجع بين المتقدين بني آدم.أسنانهم أسنة وسهام,ولسانهم سيف ماض(آية4).كان الأعداء كالأسود الجائعة المحيطة بداود من كل جانب تريد أن تلتهمه,وكأنه مع دانيال في الجب الخطير(دا6).ومع ذلك فهو يضطجع وينام رغم نيران الحقد والعداء المتقدة في نفوسهم ضده!لقد قال عندما هرب أمام أبشالوم:بسلامة أضطجع,بل أيضا أنام,لأنك أنت يا رب منفردا في طمأنينة تسكنني(مز4:8).وقد نام في مغارة عدلام كما نام بطرس نوما عميقا في السجن,رغم علمه انغضب هيردوس يتقد ضده(أع 12:6).قد ينام الخائف هروبا من الخطر,لكن المؤمن يضطجع وينام مطمئنا لأنه يثق في كمال محبة الرب له.صحيح أنهم نهشوا نفسه بكلامهم الخشن,الشبيه بالأسنة(جمع سنان,وهو نصل الرمح)أو كالسيوف الحادة,ولكنه يعلم أن نجاته لابد قادمة,لأن المؤمن يحكم علي كل لسان يقوم ضده في القضاء(إش54:17).
ويبني داود نجاته علي طلبه مجد الله فيقول:ارتفع اللهم علي السماوات.ليرتفع علي كل الأرض مجدك(آية5).يطلب المرنم أن يعلن الله مجدهويسمو الرب وحده في ذلك اليوم,فإن لرب الجنود يوما علي كل متعظم وعال,وعلي كل مرتفع فيوضع(إش2:11, 12).
ويؤكد داود أنه سيحصل علي الحماية فيقول:هيأوا شبكة لخطواتي.انحنت نفسي.حفروا قدامي حفرة.سقطوا في وسطها(آية6).ما أكثر ما نصب شاول الشباك وحفر الحفر ليقتنص داود,الذي انحنت نفسه وانكسرت من شدة المطاردة التي لا تتوقف.ولكن الرب أنقذه منها جميعها,وحصد أعداؤه ما زرعوه,فإنمن يحفر هوة يقع فيها,ومن ينقض جدارا تلدغه حية(جا10:8).