نواصل اليوم تأملنا في مزمور74,وهو قصيدة رثاء كتبها آساف المرنم بعد أن خرب نبوخذنصر ملك بابل بلاده عام586 ق.م,وذبح الكثيرين من شعبه وترك جثثهم في الشوارع يطلب إيضاحا واستجابة.ويتساءل المرنم:متي تنتهي آلامه وآلام شعبه؟…وهو يطالب الرب أن ينفذ شعبه ويفني الأعداد الذين عيروا اسم الله بكلامهم وأهانوه بأفعالهم,كما قال ملك آشور:كما أصابت يدي ممالك الأوثان وأصنامها المنحوتة,هي أكثر من التي لأورشليم وللسامرة.أفليس كما صنعت بالسامرة وبأوثانها أصنع بأورشليم وأصنامها؟(إش10:10, 11) وبهذه الكلمات ساوي بين الأوثان والرب الإله!وبدا للمرنم أن الرب ممتنع عن إنقاذ شعبه,كما قال صاحب المراثي:رد إلي الوراء يمينه أمام العدو,واشتعل في يعقوب مثل نار ملتهبة تأكل ما حواليها(مرا 2:3).فدعا المرنم الرب أن يخرج يمينه من وسط حضنه ويمدها بقوته الفاعلة كما سبق أن مدها,فابتلع البحر المصريين وأفناهم(خر15:12).
وفي ذكر مراحم الله الماضية رأي المرنم ثلاثة أمور عظيمة في الله:
1-الرب إله الخلاص:والله ملكي منذ القدم.فاعل الخلاص في وسط الأرض.أنت شققت البحر بقوتك كسرت رؤوس التنانين علي المياه(آيتا12, 13).يعلن المرنم أن الله ملكه الآن كما كان,وكما سيكون.وهو الديان العادل لكل الأرض,الذي يصنع عدلا وخلاصا,لأنه يقول:في وقت مقبول سمعتك وفي يوم خلاص أعنتك(2كو6:2).وبالرغم من المصاعب المؤلمة التي مر بها هو وشعبه,إلا أنه يدرك أن الرب يملك إلي دهر الدهر والأبد(خر15:18),فيقول له:أنت هو ملكي يا الله,فأمر بخلاص يعقوب(مز44:4)لقد خلص شعبه بالخروج من مصر أمام كل الأمم والبلاد,وأنقذهم من سوء العذاب(مز77:14),كما كان فاعل الخلاص أيام إيليا وأنزل النار لتحرق الذبيحة ,فهتف الشعب كله:الرب هو الله(1مل18:39),وفعل الخلاص أيام دانيال عندما أنقذ الفتية الثلاثة من أتون النار(دا 3)وعندما أنقذ دانيال من جب الأسود(دا 6).
لقد شق إله الخلاص البحر الأحمر بقوته السماوية,وعبر شعبه المستضعف في الأرض وأغرق فرعون وجنوده,فانكسرت رؤوسهم وطفت جثثهم علي المياه,فخلص الرب في ذلك اليوم إسرائيل من يد المصريين,ونظر إسرائيل المصريين أمواتا علي شاطئ البحر(خر14:30).ويسمي الوحي فرعونالتنينلفرط قوته,ولوياثان,ورهب,والتمساح,فقد قال النبي إشعياء:في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد لوياثان الحية الهاربة,لوياثان الحية المتحوية,ويقتل التنين الذي في البحر(إش27:1).ويدعو ذراع قوة الرب قائلا:استيقظي.البسي قوة يا ذراع الرب.استيقظي كما في أيام القدم,كما في الأدوار القديمة.ألست أنت القاطعة رهب(مصر),الطاعة التنين؟(إش51:9),وكما قال النبي حزقيال:هكذا قال الرب:هأنذا عليك يا فرعون ملك مصر,التمساح الكبير الرابض في وسط أنهاره,الذي قال:نهري لي,وأنا عملته بنفسي(خر29:3).
2-الرب إله العناية:أنت رضضت رؤوس لوياثان.جعلته طعاما للشعب,لأهل البرية.أنت فجرت عينا وسيلا أنت يبست أنهارا دائمة الجريان(آيتا14, 15).انكسرت رؤوس جنود فرعون وترضضت فصارت طعاما لحيوانات البرية,كما قال الله لفرعون:أتركك في البرية أنت وجميع سمك أنهارك.علي وجه الحقل تسقط فلا تجمع ولا تلم.بذلتك طعاما لوحوش البر ولطيور السماء(خر29:5).
وعندما عطش الشعب فجر إله العناية عيون الماء من صخور شبه جزيرة سيناء فشرب الشعب أربعين سنة (خر17:6 وعد20:8) ولم يعطشوا في القفار التي سيرهم فيها.أجري لهم من الصخر ماء,وشق الصخر ففاضت المياه(إش48:21).لذلك يقول المرنم:أخرج مجاري من صخرة,وأجري مياها كالأنهار(مز78:15).
وعندما احتاج الشعب أن يعبر المياه ليصل إلي الأرض التي وعده الرب بها,جفف الرب نهر الأردن الدائم الجريانفعند إتيان حاملي التابوت إلي الأردن,وانغماس أرجل الكهنة حاملي التابوت في ضفة المياه والأردن ممتلئ إلي جميع شطوطه…وقفت المياه المنحدرة من فوق وقامت ندا واحدا بعيدا جدا عنأدام المدينة…انقطعت تماما,وعبر الشعب مقابل أريحا(يش3:15-17).لأن الرب إلهكم قد يبس مياه الأردن من أمامكم حتي عبرتم,كما فعل الرب إلهكم ببحر سوف الذي يبسه من أمامنا حين عبرنا,لكي تعلم جميع شعوب الأرض يد الرب أنها قوية,لكي تخافوا الرب إلهكم كل الأيام(يش4:23, 24).
3-الرب إله الخلق:لك النهار ولك أيضا الليل.أنت هيأت النور والشمس.أنت نصبت كل تخوم الأرض.الصيف والشتاء أنت خلقتهما(آيتا16, 17) .خلق الرب النهار والليل بسبب دوران الأرض حول نفسها عندما قال:ليكون نورفكان نور,ودعا الله النور نهارا والظلمة دعاها ليلا..وقال الله:لتكن أنوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل,وتكون لآيات وأوقات وأيام وسنين,وتكون أنوارا في جلد السماء لتنير علي الأرض.وكان كذلك.فعمل الله النورين العظيمين:النور الأكبر لحكم النهار,والنور الأصغر لحكم الليل(تك1:5و14-16).وخلق الله تخوم الأرض ورسم حدودها يوم فصل بين الأرض والماء,وقال:لتجتمع المياه تحت السماء إلي مكان واحد,ولتظهر اليابسة(تك1:9).وخلق الله الفصول ومنها الصيف والشتاء بسبب دوران الأرض حول الشمس.
ولهذا طلب المرنم النجاة لأن العدو عير الرب:فإنشعبا جاهلا قد أهان اسمك(آية18).عندما يهاجم العدو شعب الرب وينتصر يظن أن أصنامه أعظم من الرب,ويعتبر هجومه الظافر تعييرا لإله الشعب المغلوب علي أمره.والعدو في هذه الحالة جاهل بعظمة الرب وبكريم رعايته لشعبه.
وطلب النجاة لأنه ضعيف:لا تسلم للوحش نفس يمامتك.قطيع بائسيك لا تنس إلي الأبد(آية19).يشبه المرنم شعب الرب باليمامة,لأنها لا تستطيع أن تدافع عن نفسها,وهي لا تؤذي أحدا,وتغني دوما بصوت حزين,بينما العدو وحش كاسر.ويشبه شعبه أيضا بأنه قطيع من البائسين,لا يقدرون أن يرشدوا أنفسهم,ولا أن يدفعوا الأذي عنها,فيطلب من الراعي الصالح أن يذكرهم في ضيقهم.
وطلب النجاة لأن للرب عهدا مع شعبه:انظر إلي العهد,لأن مظلمات الأرض امتلأت من مساكن الظلم.لا يرجعن المنسحق خازيا.الفقير والبائس ليسبحا اسمك(آيتا20, 21).دخل الرب في عهد مع شعبه ليحفظهم وليكونوا له.