لما زلنا نتأمل مزمور66 وهو مزمور شكر علي انتصار ونجاة,فيه يذكر المرنم فضل الله علي أمته وعليه في الماضي والحاضر.وقد بدأ المرنم مزموره بأن دعا كل الأرض تهتف للرب,ثم دعا كل الشعوب لتشكره:باركوا إلهنا يا أيها الشعوب,وسمعوا صوت تسبيحه(آية8).أعلن فضل الله علي أجداده عندما شق البحر الأحمر ونهر الأردن,واعترف بفضل الله عليه هو شخصيا.
ويذكر المرنم ثلاثة براهين علي فضل الله عليه:
1-خلصه من الزلل:الجاعل أنفسنا في الحياة,ولم يسلم أرجلنا إلي الزلل(آية9).أراد أعداؤهم لهم الموت ولكن الله حزم أنفسهم في حزمة الحياة(1صم25:29).أرادوا أن تزل أرجلهم في شبكة العبودية والعذاب,فأنقذهم لأنه متسلط بقوته إلي الدهر.هو الذي يلدنا ثانية فينقذنا من عبودية إبليس.ثم بقوته يحرسنا لنستمر في حياة الحرية(1بط1:3, 5) المؤمنون هو المدعوون والمحفوظون(آية1).
من قبل الرب تتثبت خطوات الإنسان,وفي طريقه يسر.إذ سقط لا ينطرح لأن الرب مسند يده(مز37:23, 24).
2-خلصه من التجارب:لإنك جربتنا يا الله.محصتنا كمحص الفضة(آية10).سمح الرب للعدو أن يضايق شعبه ليزداد شعبه قربا إليه.كانت نيران الألم تصفيهم وتنقيهم ليكونوا ممحوصين كالفضة النقية.التي احترق كل زغلها (غشها) بالنار,وتحقق معهم القول الإلهي:أرد يدي عليك وأنقي زغلك كأنه بالبورق(مادة قلوية تدخل في صناعة الصابون),وانزع كل قصديرك(إش1:25) ليت العدو يعرف أن نيران اضطهاده للمؤمنين لا تحرقهم بل تنقيهم!ليته يعرف أن دماء الشهداء هي بذار الكنيسة!ليته يعرف النار لا تحرق العليقة بل تزيدها اخضرارا!..فهل عرف المؤمنون أن هدف كل تجربة وتعب هو التنقية,لنوجد للمدح والكرامة والمجد عن استعلان يسوع المسيح(1بط1:7).
3-خلصه من الضغوط:أدخلتنا إلي الشبكة.جعلت ضغطا علي متوننا(أثقلت كواهلنا).ركبت أناسا علي رؤوسنا.دخلنا في النار والماء(آيتا11, 12أ).سمح الله يصطاد العدو شعبه فصاروا مثل سمكة في شبكة,أو سجين في جب,ووضع عليهم أثقالا كبيرة نفسية ومالية فنهبت ثرواتهم ودفعوا الجزية.أصابتهم الهزيمة في الحروب.دخلوا في النار والماء,وصرخوا مع إرميا النبي الباكي:من العلاء أرسل نارا إلي عظامي فسرت فيها.بسيط شبكة لرجلي(مرا1:13).ولكن الرب وعد:إذا اجتزت في المياه فأنا معك,وفي الأنهار فلا تغمرك.إذا مشيت في النار فلا تلدغ,واللهيب لا يحرقك(إش42:2).فهو يسمح بدخول شعبه في شبكة الصيادين,وفي نار المقاومين,وفي ماء المغرقين…لكنه معهم وسط هذه كلها,يخرجهم أشد طهرا ونقاء.
وينهي هذا كله بما يصفه المرنم بالقول:ثم أخرجتنا إلي الخصب(آية12ب).وفي نهاية سعيدة لموقف حزين.لقد أخرج شعبه من العبودية القاسية ومن سوء العذاب إلي أرض تفيض لبنا وعسلا.أخرج يوسف من سجن فرعون إلي منصب الرجل الثاني في مصر.إن بعد كل صليب أليم قيامة مجيدة.بدل الضغط علي المتون يضع الله تاجا علي الرأس,وبدل أن يركب الأعداء رؤوس شعبه يملكهم علي الأمم.عند المساء يبيت البكاء وفي الصباح ترنم(مز30:5).
وفي الآيات13-20 يختم المرنم بتقديم وعدين لله:
1-وعد بوفاء النذر:أدخل إلي بيتك بمحرقات.أوفيك نذوي التي نطقت بها وتكلم بها فمي في ضيقي.أصعد لك محرقات سمينة مع بخور كباش.أقدم بقرا مع تيوس(آيات13-15).شعر المرنم بمديونيته لرحمة الله ونعمته.ولم يشأ أن يحضر أمام الرب فارغا (تث16:16) فقرر أن يقدم أفضل ما عنده الله,وأن يوفي نذوره قرر المرنم أن يقدم لله ذبائح شكر كما سبق ووعد,وهو يصف هنا محرقة الكباش بأنها بخور ذبيحة سلامة ذات رائحة عطرة,كما قالت شريعة موسي:توقد كل الكبش علي المذبح,هو محرقة للرب.رائحة سرور وقود هو للرب(خر29:18).وليس هذا إتلافا لكنه تعبير عن الحب للرب,كما سكبت المرأة التائبة الناردين الكثير الثمن علي رأس المسيح,فمدح محبتها(مر14:3-9).وكل من يفعل هذا يكنز لنفسه كنزا في السماء(مت6:20).
ويعلمنا العهد الجديد أن نحب الرب فنقدم له نفوسنا,وعائلاتنا فنقول:أما أنا وبيتي فنعبد الرب(يش24:15)كما نقدم له كل مقتنياتنا قائلين:أنا لحبيبي وإلي اشتياقه(تش7:10).ونحن اليوم نقدم للرب أجسادنا,ذبيحة حية مقدسة,عبادتنا العقلية,فالرب سيد الحياة كلها لأنه خلقنا ,ولما ضللنا اشترانا(رو12:1).
2-وعد بالشهادة للفضل:(آيات16-20).
يعترف المرنم بفضل مثلث ويدعو المؤمنين ليستمعوا له وهو يشهد بفضل الله عليه:
(أ) الفضل لسامع الصلاة:هلم اسمعوا فأخبركم يا كل خائفي الله بما صنع لنفسي.صرخت إليه بفمي,وتبجيل علي لساني(آيتا16, 17).في آية 5 دعا الجميع لينظروا,ويدعوهم هنا ليسمعوا,فالإيمان بالخبر,والخبر بكلمة الله,وها هو يخبرهم ليؤمنوا(رو10:17).
(ب)الفضل لمن ينقي القلب:إن راعيت إثما في قلبي لا يستمع لي الرب.لكن قد سمع الله.أصغي إلي صوت صلاتي(آيتا18, 19).فالله يكره صلاة الشريرمن يحول أذنه عن سماع الشريعة فصلاته أيضا مكرهة(أم28:9)إلا إذا كانت صلاة الشرير صلاة توبة.
(ج)الفضل لصاحب الرحمة:مبارك الله الذي لم يبعد صلاتي ولا رحمته عني(آية20).لم تكن استجابة الصلاة لاستحقاق في المصلي,إنما لرحمة الله التي لم تهمل تلك الصلاة بل قبلتها.هذا هو أساس ثقتنا وموضوع رجائنا,وبهجة تسبيحنا لم يحرم الله المرنم من المثول في محضره,ولا حرمه من استجابة صلاته,لأنه برحمته نقي قلبه.