يتحدث مزمور 82 عن مسئوليات القضاة والحكام ويقول: نجوا المسكين والفقير من يد الأشرار. انقذوا وما أكثر ما نقع في خطأ مجاملة الأغنياء علي حساب الفقراء, حتي إن مؤمني الكنيسة الأولي الكنيسة الأولي كانوا يقدمون الغني إلي مكان أمامي, وأما المسكين فكانوا يجلسونه في مكان حقير (يع2:1-9). ولما دخل الزعيم الهندي المهاتما غاندي إحدي كنائس جنوب أفريقيا طلب منه المشرف علي النظام أن يجلس في صفوف السود, لا البيض, فقال غاندي: لولا المسيحيين لصرت مسيحيا.
ونحن نسمع أمره في خجل, لأننا نشترك في الخطأ مع القضاة الذين وجه الله إليهم توبيخه القائل: أقضوا للذليل ولليتيم. انصفوا المسكين والبائس. نجوا المسكين والفقير. من يد الأشرار انقذوا (آيتا3, 4). يمثل الحاكم والقاضي عدالة الله الذي يطالبهم بالقضاء للذليل واليتيم فيصغون لشكواه,ويمنحونه فرصة طلب العدالة. ويأمرهم بإنصاف للمسكين والبائس فيمنحونه حقوقه المشروعة وينقذونه من يد الشرير الظالم. وهو أمر يتكرر علي صفحات كتاب الله تعلموا فعل الخير. اطلبوا الحق. انصفوا المظلوم. أقضوا لليتيم. حاموا عن الأرملة (إش1:17), كما أنه تحذير متكرر ويل للذين يقضون أقضية البطل, وللكتبة الذين يسجلون جورا, ليصدوا الضعفاء عن الحكم ويسلبوا حق بائسي شعبي, لتكون الأرامل غنيمتهم, وينهبوا الأيتام. وماذا تفعلون في يوم العقاب حين تأتي التهلكة من بعيد. إلي من تهربون للمعونة؟ (إش10:1-3).
هذا نداء إلهي من الله للقضاة وأرباب الأمور كل في موقعه بحسب مسئوليته, لينصف الحاكم شعبه, والقاضي طالبي العدالة, وصاحب العمل عماله, ورب البيت زوجته وأولاده.
ويوبخ القاضي الجاهل ويقول: لا يعلمون ولا يفهمون. في الظلمة يتمشون. تتزعزع كل أسس الأرض (آية5). معرفة الشريعة قبل تطبيقها هي مسئولية القاضي الأولي, وهي أساس تعيينه للقيام بوظيفته. وقد صلي سليمان: أيها الرب إلهي, أنت ملكت عبدك مكان داود أبي, وأنا فتي صغير لا أعلم الخروج والدخول… فأعط عبدك قلبا فهيما لأحكم علي شعبك, وأميز بين الخير والشر, لأنه من يقدر أن يحكم علي شعبك العظيم هذا؟ (1مل3:7, 9). ولكن هؤلاء القضاة أهملوا الشريعة واختاروا عدم فهم كلمة الرب, وتقلدوا الكبرياء, ولبسوا كثوب ظلمهم, مع أن الله ينادي: إلي الشريعة وإلي الشهادة. إن لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فجر (إش8:20) فإن إشراق نور الفجر مرتبط بالرجوع إلي الشريعة والشهادة التي هي سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي (مز119:105). إذا دخلت الحكمة قلبك ولذت المعرفة لنفسك, فالعقل يحفظك والفهم ينصرك, لإنقاذك من طريق الشر ومن الإنسان المتكلم بالأكاذيب (أم2:10-12) لأن الوصية مصباح والشريعة نور, وتوبيخات الأدب طريق الحياة (أم6:23).
ونتيجة لجهل القاضي الذي يقول: ليس إله تتزعزع كل أسس الأرض, لأن الأعمدة الأخلاقية تتقلقل, وإذا انقلبت الأعمدة فالصديق ماذا يفعل؟ (مز11:3). حقا هلك شعبي من عدم المعرفة (هو4:6), فقد أحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة, لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور, ولا يأتي إلي النور لئلا يوبخ لأعماله (يو3:19, 20).
ويذكر الله القاضي بمكانته الرفيعة التي منحها له, فيقول:
(أ) أنا قلت إنكم آلهة (آية 6أ). كانت الشريعة تقضي في حالة عدم معرفة السارق أن يقدم صاحب البيت إلي الله ليحكم… في كل دعوي جنائية… تقدم إلي الله دعواهما. فالذي يحكم الله بذنبه يعوض صاحبه (خر22:8, 9). والقاضي هنا ينوب عن الله, بتكليف من الله, أن يطبق شرع الله لأن القضاء لله (تث1:17).
(ب) ويقول إنهم: بنو العلي كلكم (آية 6ب). هذا اللقب الثاني يبين أن اللقب الأول إنكم آلهة له معني روحي لأن اللقب الثاني ذو معني روحي أيضا, فلا توجد ولادة جسدية من الله, ولكنها ولادة من فوق من الماء والروح (يو3:3, 5).
وهي ما جاء المسيح ليهبه للذين يؤمنون به أما كل الذين قبلوه (المسيح) فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله, أي المؤمنون باسمه, الذين ولدوا من الله (يو1:12, 13). وبهذا صاروا شركاء الطبيعة الإلهية. (2بط1:4).
(جـ) ويقول إن القاضي يعاقب: لكن مثل الناس تموتون, وكأحد الرؤساء تسقطون (آية7). صحيح أن الله منحهم سلطات من سلطاته, ولكن فشلهم في تحقيق انتظارات الله منهم يوقع بهم عقاب الموت, شأنهم شأن كل نفس تخطئ فتموت (حز18:4). وكل من لا يطيع كلمة الله.
أيها المؤمن, قضيتك لم تكن أبدا ولن تكون في يد إنسان, لكنها دوما في يد الرب الذي يحلها بيد من يكلفهم بحلها, أو بتدخله هو شخصيا.