نتأمل اليوم آيات 9-12 من مزمور 51 حيث يعاود المرنم طلب الغفران والتجديد, ولا غرابة في تكرار طلبه فهذا أحد أهم مزامير التوبة.. ونجد في سفر المزامير سبعة مزامير توبة هي (6, 32, 38, 51, 102, 130, 143).
في آيات 9-12 يعود المرنم لطلب الغفران والتجديد. ويطلب من الله أربعة أمور:
1- الستر: استر وجهك عن خطاياي, وامح كل آثامي (آية 9). والستر والمحو هما نتيجة للكفارة والفداء. وكأن المرنم يقول: ضع دمك علي لتكفر عني. وكلمة كفارة في اللغة العبرية هي كافار التي أخذت منها الكلمة الإنجليزية cover وتعني الستر والتغطية.
ومهما بلغت درجة طهارة المؤمن الذي منحه الله الغفران, سيظل محتاجا إلي المزيد من الغفران, كما قال المسيح لبطرس: الذي قد اغتسل ليس له حاجة إلا إلي غسل رجليه, بل هو طاهر كله (يو 13: 10). فالذي يطهره المسيح بكفارته هو طاهر, وصاحب موقف سليم أمام الله, ولكنه يحتاج إلي غسل يومي جديد, ويحتاج أن يستر الله وجهه عن خطاياه وآثامه والمتناثرة علي ثوبه الأبيض. هناك خطايا وضعفات شخصية تثقل كاهل الإنسان منا, وهناك خطايا اجتماعية تحيط بنا بسهولة. ونحتاج أن نتخلص منها كلها (عب 12: 1). ونشكر الله أنه دبر لنا الخلاص والإنقاذ, فإنه إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا (يو 8: 36).
2- القلب النقي: قلبا نقيا اخلق في يا الله, وروحا مستقيما جدد في داخلي (آية 10). لا يكتفي المرنم بالغفران والتطهير, فيطلب من قوة الله الخالقة أن تمنحه قلبا نقيا, وأن تجدد في داخله روحا مستقيما, بحسب وعده: أعطيكم قلبا جديدا, وأجعل روحا جديدة في داخلكم, وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم, وأجعل روحي في داخلكم (حز 36: 26, 27). وهذا ما قاله المسيح لنيقوديموس: ينبغي أن تولدوا من فوق (يو 3: 7). وهو ما وصف بالقول: إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديدا (2كو 5: 17).
لما يعطينا الله حكمة في السريرة, وهي أعماق النفس (آية 6) نفهم كلمة الله فنقول: خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك (مز 199: 11) ونصبح مستعدين لأن يكون فينا القلب النقي المغتسل بكفارة دم المسيح, وبعمل الروح القدس, فندرك مع داود أن خطية واحدة نرتكبها تؤدي بنا إلي ارتكاب مزيد من الخطايا لنستر خطيتنا الأولي, لأن الخطية سلسلة متصلة من العوج والإثم. ولكن عندما يخلق الله فينا القلب النقي والروح المستقيم, نسلك باستقامة بحسب قلبه.
3- طلب استمرار عمل الروح القدس فيه: لا تطرحني من قدام وجهك, وروحك القدوس لا تنزعه مني (آية 11). الطرح من أمام وجه الرب هو النفي من الأرض المقدسة, ومن جماعة الرب, ومن عهده, ومن رضاه. ويالها من عقوبة قاتلة, تجعل الإنسان ضمن الوثنيين الغرباء عن عهود الموعد, الذين لا رجاء لهم, وبلا إله في العالم (أف 2: 12). ويطلب داود أن يقيه الله هذا المصير السيء, ليستمر ضمن جماعة الرب.
ويطلب المرنم أن يستمر الروح القدس عاملا فيه, يبكته علي خطاياه, ويجدد حياته الروحية, ويطهره ويقدسه. وكان روح الله قد فارق شاول الملك العاصي فهلك منتحرا, وكان قد حل علي داود (1صم 16: 13, 14). فخشي داود أن يفارقه روح الرب لأنه أحزنه ولم يطع توجيهاته, فيكون مصيره مثل مصير سابقه شاول, فطلب من الله ألا ينزع منه ذلك الروح القدس.
وقد أعطي الرب المؤمنين بالمسيح مسحة الروح القدس ابتداء من يوم الخمسين (أع 2: 4 و1يو 2: 27). وعلي المؤمنين أن يحترسوا من أن يطفئوا عمل الروح فيهم (1تس 5: 19). فلنمثل في حضرته السماوية ليكون ماثلا أمام عيوننا باستمرار, يبكتنا روحه القدوس علي خطايانا ويعلمنا طريقه والمسحة التي أخذناها منه هي تعلمنا كل شيء, وتذكرنا بكل ما قاله المسيح لنا (1يو 2: 20).
4- فرح الخلاص: رد لي بهجة خلاصك, وبروح منتدبة أعضدني (آية 12). يطلب المرنم بهجة الخلاص التي ضاعت منه, ويطلب روحا منتدبة تعطي الآخرين طوعا وبسخاء بغير إلزام من أحد. وواضح من طلب رد بهجة الخلاص أن المرنم لم يفقد خلاصه لما أخطأ, لكنه فقد فقط بهجة خلاصه فلم يعد بعد قادرا أن يختبر أن الرب نوره وخلاصه, ولا أن يخاطبه بدالة البنين: أحبك يارب يا قوتي.. قرن خلاصي وملجئي (مز 18: 1). صحيح أن انتماءه للرب باق وسيظل, لأن الله سبق وأنعم عليه بالتبني, وهو الذي اختاره (يو 15: 16). ولكن استمتاعه بالرب هو الذي ضاع منه بسبب الخطية التي فصلته عن متعة التواجد في حضرة الرب. آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم, وخطاياكم سترت وجهه عنكم (إش 59: 2). وعندما يرد الرب لنا بهجة خلاصنا تكون لنا شركة دائمة ومستمرة معه, لا يعطلها شيء, فنسمع بركته: نعمة ربنا يسوع المسيح, ومحبة الله, وشركة الروح القدس مع جميعكم (2كو 13: 14), وننال قوته لأن فرح الرب هو قوتكم (نح 8: 10).
وعندما يعطينا الرب الروح المنتدبة نتبرع بسخاء, لأن المعطي المسرور يحبه الله (2كو 9: 7), فلا نأخذ ما لا يحق لنا, بل نعطي مما أعطانا الله. أخذ داود نعجة جاره الفقير, وهو هنا يطلب أن يتغير إلي منتدب معطاء, يتحقق فيه الوصف: لا يسرق السارق فيما بعد, بل بالحري يتعب عاملا الصالح بيديه, ليكون له أن يعطي من له احتياج (أف 4: 28).