اليوم نتأمل في مزمور 51 وهو أحد أهم المزامير, يحفظه كثيرون عن ظهر قلب لأنه مزمور توبة. هناك سبعة مزامير توبة هي (مزامير 6, 32, 38, 51, 102, 130, 143).
في الآيات 5-8 من مزمور 51 يطلب المرنم أن يطهره الله من الطبيعة الشريرة, فيصلي: هأنذا بالإثم صورت, وبالخطية حبلت بي أمي (آية 5). عندما ارتكب داود خطيته حاول أن يخفيها, ولما كشفها الله له أدرك شناعتها, واعترف بها وتاب عنها, وقبل الله توبته. وفتح هذا الإدراك عينيه إلي أن خطأه لم يكن مجرد نزوة عابرة, لكنه الفساد الذي ولد به, والكامن في طبيعته.
ولا يقصد داود أن يوجه لوالدته أية تهمة أخلاقية, وهو القائل إنها أمة الله (مز 86: 16 و116: 16).
ولا يمكن أن يكون قد رأي شرا في عملية التناسل التي خلقها الله في الإنسان وأمر أن أثمروا واكثروا واملأوا الأرض (تك 1: 28) مادام هذا يتم بالطريق الصحيح, الذي يقول فيه: ليكن الزواج مكرما عند كل واحد, والمضجع غير نجس (عب 13: 4). ولكنه يري ميوله المناقضة لمشيئة الله, كما قال إشعياء النبي: ويل لي إني هلكت, لأني إنسان نجس الشفتين, وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين (إش 6: 5).
وكمال قال الرسول بولس: فإنني أعلم أنه ليس ساكنا في, أي في جسدي, شيء صالح.. لأني لست أفعل الصالح الذي أريده, بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل! (رو 7: 18 و18).
1- ويصف المرنم علاج الطبيعة الإنسانية الشريرة فيقول إن أول علاج لها هو الحكمة السماوية: ها قد سررت بالحق في الباطن, ففي السريرة تعرفني حكمة (آية 6). لم تكن هناك حكمة في كل ما فعله داود ببثشبع, فالخطية جهالة, وهي لا تستحق الثمن المدفوع فيها. ولكن مخافة الرب هي الحكمة, والحيدان عن الشر هو الفهم (أي 28: 28). لقد ظل داود يؤدي كل فروض العبادة الشكلية, بغير علاقة سليمة مع الله, دون أن يدري حجم مأساته, وهذه جهالة. كانت هناك هوة واسعة بينا ما يرضي الله وما ارتكبه, وهذه أيضا جهالة منه. أما مسرة الله فهي بأمانة نية الإنسان وصدق مشاعره اللذان يظهران في الإخلاص الكامل إنسان القلب الخفي (1بط 3: 4), والعبادة الحقيقية, وليس مجرد أداء فروض العبادة الشكلية. ولا يحصل الإنسان عليهما إلا بالحكمة التي من فوق, فهي أولا طاهرة, ثم مسالمة, مترفقة, مذعنة, مملوءة رحمة وأثمارا (يع 3: 17). فإن كان أحدنا تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير, فسيعطي له (يع 1: 5). وبدء الحكمة مخافة الرب, ومعرفة القدوس فهم (أم 9: 10).
في كل مرة نتصرف تصرفا سيئا, أو نجرح مشاعر إنسان بكلمة قاسية, أو نؤذي أنفسنا بما نرتكبه من خطأ, نحتاج أن ندعو الله ليعرفنا حكمة في سريرة أعماق نفوسنا لنصلح الخطأ, ولا نعود إليه.
2- ويقول المرنم إن الطهارة هي العلاج الثاني للطبيعة الإنسانية الفاسدة, فيصلي: طهرني بالزوفا فأطهر. اغسلني فأبيض أكثر من الثلج (آية 7). والزوفا نبات عشبي عطري الرائحة, ينمو علي الحوائط, وكان يستخدم في حزم صغيرة, ويستعمل للتطهير من البرص (لا 14: 4, 6) ومن الأوبئة (لا 14: 49, 51) وللطهارة الطقسية (عدد 19: 6, 18). كما كانوا يرشون به الدم (خر 12: 22 وعب 9: 19). وكانوا يغسلون الثياب دلالة علي التطهير. ويقصد المرنم أن يطهره الله من الداخل بعمل النعمة, لا بيد كاهن وطقوس. وكانت كل هذه الأعمال التطهيرية التي ذكرتها التوراة ترمز إلي التطهير بدم المسيح حمل الله الذي يرفع خطية العالم (يو 1: 29). ويقول المسيح عن الأتقياء الذين رفع خطيتهم: سلم ينجسوا ثيابهم, فسيشمون معي في ثياب بيض لأنهم مستحقون (رؤ 3: 4).
3- ويقدم المرنم علاجا ثالثا للطبيعة الشريرة والفاسدة, هو الاستماع لصوت الرب: أسمعني سرورا وفرحا فتبتهج عظام سحقتها (آية 8). وكلمات السرور والفرح هي كلمات الله التي تؤكد الحب والقبول والغفران, وعندها تبتهج العظام المنسحقة تحت تأنيب الضمير. وكم نفرح ونحن نسمع المسيح يقول: من يقبل إلي لا أخرجه خارجا (يو 6: 37).
تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم (مت 11: 28).
إن قلنا إنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا. إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل, حتي يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم. إن قلنا إننا لم نخطئ نجعله كاذبا, وكلمته ليست فينا (1يو 1: 8-10).
فلنتقدم بثقة إلي عرش النعمة, لكي ننال رحمة ونجد نعمة عونا في حينه (عب 4: 16).