نتأمل اليوم مزمور 51 وهو أحد أهم المزامير, يحفظه كثيرون عن ظهر قلب لأنه مزمور توبة, وكلنا كغنم ضللنا, ونحتاج أن نتوب. ونجد في سفر المزامير سبعة مزامير توبة هي (6, 32, 38, 51, 102, 130, 143). كتبه داود اعترافا بخطية مؤلمة, انتزع فيها لنفسه نعجة الرجل الفقير, ونام فيها ضميره حتي أيقظه ناثان النبي, فاكتشف خطأه واعترف به, وقال: قد أخطأت إلي الرب. فقال له ناثان: الرب أيضا قد نقل عنك خطيتك. لا تموت (2صم 12: 13). وقيل عن داود: عمل ما هو مستقيم في عيني الرب, ولم يحد عن شيء مما أوصاه به كل أيام حياته, إلا في قضية أوريا الحثي (1مل 15: 5).
وكثيرا ما يسأل الإنسان نفسه: لماذا سجل لنا الوحي أخطاء المؤمنين المتقدمين في الإيمان؟ ولماذا يبدأ هذا المزمور بذكر السبب السييء الذي دعا لكتابته؟ أما كان يجب أن نخفي أخبار هذه الخطية؟ (القصة في 2صم 11). فتأتينا الإجابة:
1- سجل لنا الوحي هذه الخطايا ليعلمنا أننا جميعا خطاة. كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلي طريقه (إش 53: 6). وأن مخلصنا الوحيد هو المسيح, الذي زار أرضنا مدة ثلاث وثلاثين سنة, لم يخطئ أبدا, ولذلك فهو الواحد الوحيد الذي يمكن أن يكون شفيعنا وغافر خطايانا, لأنه هو ذاته في غير حاجة إلي شفيع. عنه قال الإنجيل: ليس بأحد غيره الخلاص, لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص (أع 4: 12). هو الذي قدم نفسه عنا فدية وكفارة فوجد لنا فداء أبديا (عب 7: 25-28).
2- يريد الله أن يشجعنا, فلا توجد خطية أكبر من أن تغفر بفضل كفارة المسيح. فإن كانت خطايانا كالقرمز تبيض كالثلج, وإن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف (إش 1: 18). والله أمين لحبه وعادل لقضائه, لذلك استوفي أجرة الخطية في كفارة المسيح. فإن اعترفنا له بخطايانا, واحتمينا في فدائه, يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم (1يو 1: 9). فلنأت إلي مخلصنا الذي قال: لا يحتاج الأصحاء إلي طبيب بل المرضي.. لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة إلي التوبة (متي 9: 12, 13).
هذا هو الإنجيل: الخبر المفرح! إن الله في محبته جاء إلينا ونحن في هوة خطايانا, ومد لنا يد الحب. الله كان في المسيح مصالحا العالم لنفسه, غير حاسب لهم خطاياهم (2كو 5: 19). لم يقل إن الله يتصالح معنا, لأن الله لم يكن أبدا في خصام معنا, فالله هو الحب الغافر دائما. لكن نحن احتجنا إلي المصالحة لأننا أخطأنا وعوجنا المستقيم, فجاءنا في حبه الأزلي الكامل ليقدم لنا المغفرة. ومزمورنا ترتيلة نرتلها كلنا مهما أخطأنا وابتعدنا, واثقين أن الله المحب يقبل التائبين.
يفتتح المرنم هذا المزمور بطلب التطهير من العمل الشرير (آيات 1-4) فيطلب المرنم من الرب أن يغفر له وأن يطهره, لأنه معترف بخطيته, تائب عنها, وهو يحتمي في رحمة الله وحدها, لأن من يكتم خطاياه لا ينجح, ومن يقر بها ويتركها يرحم (أم 28: 13).
في هذه الآيات الأربع نجد أربع تسميات وصفا للشر توضح كل منها بعدا للشر, ثم نجد علاجا له:
(أ) يسمي الشر معصية, فيقول: امح معاصي (آية 1) لأني عارف بمعاصي (آية 3). والمعصية في اللغة العبرية هي ثورة ضد الله. والعاصي هو الذي يحسب وصايا الله ظالمة, فيرتكب ما تمنعه عنه. المعصية تقول الله: أنا غير راض عما وضعته لي من قوانين. أنا ثائر ضدك!.. كانت معصية آدم أنه أكل من الشجرة المنهي عنها, وجاء من نسله من يقول لله: ابعد عنا. بمعرفة طرقك لا نسر (أي 21: 14 و22: 17).
(ب) ويسمي شره إثما: اغسلني كثيرا من إثمي (آية 2) هآنذا بالإثم صورت (آية 5). والإثم هو العوج, والأعوج هو الأثيم. ونلاحظ العوج في حالة داود, فقد خرج الجيش ليحارب بينما بقي القائد الأعلي للجيش في قصره! وعندما كان شعبه يجاهد كان هو علي سطح بيته يجيل بصره في ما حوله. واشتهي ما رأي, وحاول أن يموه, واستدعي زوج السيدة ثم أمر بقتله. واستخدم سلطاته الملكي ليحاول تغطية خطيته.
(ج) ويسميه خطية: من خطيتي طهرني (آية2) إليك وحدك أخطأت (آية 4) بالخطية حبلت بي أمي (آية 5). الخطية هي أن يخطئ الإنسان الهدف فلا يصيبه. لكل منا هدف أوجدنا الله في العالم لنحققه. وعندما نخطئ تحقيقه نكون قد ارتكبنا الخطية. وقد يكون سبب ذلك أننا قصيرو النظر, فلا ننظر إلي بعيد. لم يفكر داود في آثار الخطأ الذي سيرتكبه علي نفسه كالنبي وقائد وملك, وعلي شعبه الذي سيصدم في بطله, وعلي الأجيال القادمة. لقد استولت اللحظة الآنية علي مشاعره, فلم يعد يري ما هو أبعد مما تحت رجليه. والإنسان يخطئ الهدف أيضا بسبب سوء التقدير, وما أكثر ما نسيء تقدير مقامنا في المسيح بعد أن أنعم علينا بالتبني فلا نقوم بما ينتظره منا (1يو 3: 1). ونسيء تقدير كرامة الإنسان الآخر الذي يجب أن نحبه كنفوسنا (مر 12: 31).
(د) إنه عمل الشر: الشر قدام عينيك صنعت (آية 4). والشر هو عبور الحدود التي رسمها الله وأمرنا ألا نتعداها. وعندما نتخطاها نرتكب الشر. من المؤسف أن الجانب الآخر من السور يبدو أكثر خضرة, والإنسان دائما يشتهي ما ليس له, فإن المياه المسروقة حلوة, وخبز الخفية لذيذ (أم 9: 17). فالخطية هي التعدي (1يو 3: 4).
فما هو علاج الشر؟ هذا ما سنتأمله في تأملنا يوم الأحد القادم بمشيئة الله