سمعنا المرنم في التأمل الماضي(مزمور37)ينصح المؤمن ألا يحسد الأشرار,وقدم سبعة أسباب تساعد المؤمن علي عدم حسد الأشرار,تأملنا ثلاثة منها يوم الأحد الماضي,وفي هذا الأسبوع نتابع التأمل في الأسباب الأربعة الأخري:
4-لاتحسد الشرير لأن المؤمن يجب أن يسلم نفسه للرب:سلم للرب طريقك واتكل عليه وهو يجري.ويخرج مثل النور برك وحقك مثل الظهيرة(آيتا5, 6).ألق علي الرب أعمالك,فتثبت أفكارك(أم16:3)ملقين كل همكم عليه,لأنه هو يعتني بكم(1بط5:7).أمين هو الذي يدعوكم,الذي سيفعل أيضا(1تس5:24).فلنسلم لله أمورنا,حلوها ومرها,ليسندنا ويرشدنا.وهو يجري دائما كل ما يتوقعه المؤمن الواثق به,فإنه حي وفعال وموجود في عالمنا يمارس سلطانه.وعندما يحاول الخطاة التعتيم عليك,فإنه يدافع عنك ويزيح غيوم الشكوك عنك وينصرك,لأنك تتكل عليه وتضع ثقتك فيه,فيخرج حقك المختفي كالشمس المشرقة,ويتحقق معك القول:أما سبيل الصديقين فكنور مشرق يتزايد وينير إلي النهار الكامل(أم4:18).افعل الخير كما للرب وليس للناس,ومن الرب ستنال جزاء الميراث(كو3:24)حينئذ يضئ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم(مت13:43).
5-لا تحسد الشرير لأن المؤمن يجب أن ينتظر الرب:انتظر الرب واصبر له,ولا تغر من الذي ينجح في طريقه,من الرجل المجري مكايد(آية7).وانتظار الرب يعني السكون أمامه بدون تذمر,والصبر لسماع صوته,وتوقع تدخله في الموعد المناسب الذي يحدده بحكمته,كما قال المرنم:إنما لله انتظرت نفسي.من قبله خلاصي(مز62:1)لأنه هكذا قال السيد الرب…بالرجوع والسكون تخلصون.بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم(إش30:15)انتظارا انتظرت الرب فمال إلي وسمع صراخي(مز40:1).
ويتعرض المؤمن للتذمر لما يري نجاح الشرير عن طريق الغش والتحايل,ولكن الصبر أمام الله وانتظار تدخله يضع نهاية للتذمر الذي لا لزوم له,لأننا ننتظر عمل الرب,ونؤمن بتوقيته الحكيم,فلا نحرك عقارب الساعة,ولا نفتح أوراق وردة جميلة قبل موعد تفتحها,فلننتظر الرب بصبر,لا صبر البائس العاجز عن الفعل,بل صبر الراجي الذي يثق أن القيامة المجيدة لابد أن تتبع الصليب,وأن النصرة تأتي بعد الحرب وأنهعند المساء يبيت البكاء,وفي الصباح ترنم(مز30:5).
6-لا تحسد الشرير لأن المؤمن يجب أن يضبط نفسه:كف عن الغضب واترك السخط,ولا تغر لفعل الشر,لأن عاملي الشر يقطعون والذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض.بعد قليل لا يكون الشريروتطلع في مكانه فلا يكون(آيات8-10)يقود الغضب صاحبه إلي الخطأ,لأنه ينسيه محبه الله وعنايته وعطاياه.وقد ينضم إلي الأشرار في حماقاتهم,كما قال آساف,بعد أن رأي نجاح الشرير وتعب المؤمن:حقا قد زكيت قلبي باطلا(مز73:13).ولكن الرب فتح عينيه علي الحق,فقال:إنما صالح الله لأنقياء القلب(مز73:1).نق قلبك واترك الغضب لتنال البركة الإلهية,ولا تنس أن مصير الشرير إلي زوال.
7-لا تحسد الشرير لأن المؤمن لا بد أن يكون وديعا:أما الودعاء فيرثون ويتلذذون في كثرة السلامة(آية11).وليس المقصود فقط أن المؤمن يرث الأرض حرفيا,فالآية تحمل أيضا معني روحيا,وهو أننا نربح الناس بمحبتنا ووداعتنا.كثيرون يرثون أرضا لا يتلذذون بها,بسبب قلقهم أو بسبب خطيتهم.أما الذين صبروا للرب وانتظروه فيرثون الأرض ويتلذذون بما أعطاهم.وقد حقق الله هذا الوعد لموسي,الذي يصفه الكتاب بأنه كان وديعا حليما,فقال عنه:أما الرجل موسي فكان حليما جدا أكثر من جميع الناس الذين علي وجه الأرض(عد12:3)فقاد بني إسرائيل إلي مشارف أرض الموعد.
قال المسيح:طوبي للودعاء لأنهم يرثون الأرض(مت5:5).فإن كنا ودعاء يتحقق معنا القول:ويسكن شعبي في مسكن السلام,وفي مساكن مطمئنة,وفي محلات أمينة(إش32:18)سلامة جزيلة لمحبي شريعتك,وليس لهم معثرة(مز119:165).
وفي مزمور37آيات12-15يطمئن المرنم المؤمن قائلا إن مكائد الشرير ترتد إليه,فكثيرا لا يشعر الصديق بمكائد الشرير ضده,لأن الصديق حسن النية,بسيط القلب والعين.وكثيرا ما يكيد الشرير للصديق لأنه يعلم أن الصديق لا يقاوم الشر إلا بالخير.ولكن لابد أن مكائد الشرير تريد علي الشرير بالضرر.عندما أقام المسيح لعازر من الموت آمن به كثيرون,فتضايق شيوخ اليهود وقرروا أن يقتلوا لعازر.ليدفنوا الشاهد علي قوة المسيح(يو12:9, 10).غريب!أليس إيمانهم بالمسيح أفضل من محاولتهم قتل لعازر؟لكن الغيرة من نجاح المسيح جعلتهم يكيدون له وللعازر!الشرير يتفكر ضد الصديق.
وفي هذه الآيات الأربع(12-15)نجد فكرتين:
1-التفكير في المكيدة:الشرير يتفكر ضد الصديق ويحرق عليه أسنانه.الرب يضحك به لأنه رأي أن يومه آت(آيتا12, 13).كأن الشرير حيوان مفترس يحاول الإمساك بالفريسة وهو يحرق أسنانه ليلتهمها.ولكن الرب سبق وقضي علي الشرير بالهلاك.لقد حرق الملك شاول أسنانه علي داود فأخذ يطارده ليهلكه.وذات يوم وشاول يطارد داود وقع في يد داود,وكان يمكن أن يقتله داود,لكنه قال:الرب سوف يضربه,أو يأتي فيموت,أو ينزل إلي الحرب ويهلك.حاشا لي من قبل الرب أن أمد يدي إلي مسيح الرب(1صم 26:10, 11)وقد كان!
2-تنفيذ المكيدة:الأشرار قد سلوا السيف ومدوا قوسهم لرمي المسكين والفقير,لقتل المستقيم طريقهم.سيفهم يدخل في قلبهم وقسيهم تنكسر(آيتا14, 15).فكروا في المكيدة,واستلوا سيوفهم ليغمدوها في الصدور!الأغلب أن داود كا يذكر الملك شاول الذي حاول كثيرا أن يقتله بالرمح وبالسيف وانتهي شاول بأن سقط علي سيفه ومات!(1صم 31:4).ولعله ذكر ما حدث مع أبشالوم ابنه,الذي قام ضده بانقلاب فاشل,فمات معلقا علي شجرة بعد أن طعنه قائد جيش داود بالسيف(2صم9:18).لقد ارتد السيفان إلي صدري شاول وأبشالوم!.
عندما جاء العسكر ليلقوا القبض علي المسيح ليصلبوه,كان يرافقهم ملخس خادم رئيس الكهنة,فاستل بطرس سيفه وضرب ملخس فقطع أذنه,فأعاد المسيح أذن ملخس إلي مكانها,وقال لبطرس:رد سيفك إلي مكانه,لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون(مت26:52).فلندع العنفاء للمصير المؤلم الذي هو أجرة خطيتهم,لأنهم رفضوا أن يتوبوا.أما جماعة الرب فلتتلذذ في كثرة السلامة.