تأملنا في مزمور 36أفكار الشرير وتصرفاته الشريرة,وبين الفرق العظيم بين هذا الشر وبين مبادئ الله وأفعاله العظـيمة,فقال إن الله:(أ) يخلص (ب)ويروي (جـ) ويحمي.ونتابع التأمل في أعمال الله الصالحة,فنري:
(د)الله يحيي: ”لأن عندك ينبوع الحياة” (آية 9أ).الرب هو المحيي,الذي يعطي الحياة ويحفظها ويضمنها,وهو مصدر كل سرور.أخذ ترابا من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة,فصار آدم نفسا حية (تك2:7).ولما سقط الإنسان انفصل عن الله وصار ميتا بالذنوب والخطايا,فجاءنا المسيح مخلصا ”لأنه هكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد,لكي لا يهلك كل من يؤمن به,بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3:16).
(هـ)والله ينير: ”بنورك نري نورا” (آية9ب).ينير الله حياة المؤمن بشخصه الكريم,وينيرها بنور كلمته التي هي ”سراج لرجلي ونور لسبيلي” (مز119:105),وينيرها بالمسيح نور العالم ”لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح” (2كو4:6).ويبقي الرب المؤمن في حضرته,ويضئ عليه,لأن ”فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس,والنور يضئ في الظلمة” (يو1:4, 5).فلنسمع الوصية: ”تحب الرب إلهك,وتسمع لصوته,وتلتصق به,لأنه هو حياتك,والذي يطيل أيامك” (تث30:20).
وإذ يري المرنم صلاح الله ورحمته وحمايته يرفع لله صلاة في الآيات 10-12
1-يطلب دوام الرحمة والعدل: ”أدم رحمتك للذين يعرفونك,وعدلك لمستقيمي القلب” (آية10).كانت رحمة الله علي المرنم,وقد وصفها في آيات 5-9,وهو يريدها أن تستمر.كأنه يقول للرب:كما كنت كن بغير تغيير.وكلمة ”أدم” تحمل معني الامتداد,فهي تطلب استمرارية الرحمة.وكلما يعطينا الله أكثر نشعر أننا نحتاج إليه أكثر من أي وقت مضي.ويطالب المرنم بالرحمة والعدل ”لمستقيمي القلب” وهو لا يقصد أصحاب الاستقامة الكاملة,فلا يوجد إنسان مستقيم القلب استقامة كاملة,وباستمرار.لكن المقصود هو استقامة النية والرغبة في عمل مسرة الله.
2-ويطلب الحماية: ”لا تأتني رجل الكبرياء,ويد الأشرار لا تزحزحني” (آية11).يطلب المرنم من الله أن يحميه وألا يسمح للمتكبر أن يطأه برجله أو أن يؤذيه بيده,كان يطرده من بيته فيصبح متشردا شحاذا,أو أن يقتله.وقد استخدمت كلمة ”زحزحة” عن السبي كما قال الرب: ”لا أعود أزحزح رجل إسرائيل من الأرض” (2مل21:8).ويطلب المرنم حماية الرب,فلا يطرده العدو من بيته ليهيم علي وجهه في أرض غريبة,كما حدث عندما اضطر داود أن يطلب الحماية من ملك جت (1صم21).
3-يطلب سقوط الأثيم: ”هناك سقط فاعلو الأثم.دحروا فلم يستطيعوا القيام” (آية12).يري المرنم بعين الإيمان نهاية الأشرار ودمارهم لأنهم فاعلو إثم,يقول عنهم النبي للرب: ”هم أموات لا يحيون…لذلك عاقبت وأهلكتهم,وأبدت كل ذكرهم” (إش26:14).إن نجاح الأشرار هو إلي حين,ولن يربحوا المعركة الأخيرة.والمرنم لا يفرح بسقوطهم,لكنه يري السقوط قادما عليهم.”وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعا” (رو16:20).”ما أكرم رحمتك يا الله,فبنو البشر في ظل جناحيك يحتمون.يروون من دسم بيتك,من نهر نعمك تسقيهم”.
في مزمور 36 تأمل المرنم بأسف نجاح الأشرار رغم أعمالهم الأثيمة,ولكنه وجد عزاءه في عدل الله ورحمته.وفي مزمور 37يتأمل مرة أخري في نجاح الأشرار,ويشجع المؤمنين بقوله إن مصير الأشرار هو الهلاك والبوار,أما الودعاء فيرثون الأرض.وقد وجد المؤمنون في كل العصور مشكلة في نجاح الأشرار ومتاعب الأبرار,حتي أنهم تذمروا,وحسدوا الأشرار علي نجاحهم,وكاد بعضهم يفقدون إيمانهم في صلاح الله وعدله.واحتاجوا جميعا إلي من يشجعهم في محنتهم الروحية.
ومزمور 37 مزمور تعليمي,يشبه حكمة سفر الأمثال,إذ يوضح أن نجاح الشرير لا يستمر,فلابد أن عقاب شره يدركه أخيرا.كما يوضح أن حالة الصديق أفضل من حالة الشرير,حتي لو عاني الصديق من المتاعب,لأن تعبه وقتي,أما عقاب الشرير فأبدي.ويحل المرنم المشكلة ببساطة بالغة فيقول: ضع ثقتك في الرب وانتظره,وسيكون كل شئ رائعا في النهاية.سيهلك الأشرار ويكافأ الأبرار.أما الآن,فإن المؤمن يتلذذ بعبادة الرب ويجد فرحة بالقرب منه.
والمزمور السابع والثلاثون مزمور أبجدي,تبدأ كل آيتين منه بحرف من حروف الأبجدية العبرية.وقد تأملنا من قبل ثلاثة مزامير أبجدية هي:9, 25, 34.
ينصحنا مزمور 37 في آيات 1-11 أن لا نحسد الأشرار,فيبدأ بنصيحة تقول: ”لا تغر من الأشرار,ولا تحسد عمال الإثم” (آية1). عند الأشرار ما يجعل الصديق يغار,لأنهم ناجحون زاهون مثل العشب الأخضر,بينما المؤمن مغموم مضطهد,فيحزن الصديق وهو يري نجاح من لا يستحق,ويقول مع آساف المرنم: ”غرت من المتكبرين إذ رأيت سلامة الأشرار” (مز73:3) ويتساءل مع النبي: ”أبر أنت يارب من أن أخاصمك,لكن أكلمك من جة أحكامك.لماذا تنجح طريق الأشرار؟” (إر12:1 قارن أي21:7-15).فإذا تجربت بأن تغار من نجاح الأشرار,فلتضع هذه الغيرة في حجمها,واستمع إلي الحكيم يقول لك: ”لا تحسد الظالم ولا تختر شيئا من طرقه..لا يحسدن قلبك الخاطئين,بل كن في مخافة الرب اليوم كله…لا تحسد أهل الشر ولا تشتهي أن تكون معهم” (أم3:31 و23:17 و24:1).
ويقدم المرنم سبعة أسباب تساعد المؤمن علي عدم حسد الأشرار,نتأمل هنا ثلاثة منها.وفي الأسبوع القادم نتأمل الأربعة الأخري:
1-لا تحسد الشرير لأنه لابد أن يهلك: ”فإنهم مثل الحشيش سريعا يقطعون,ومثل العشب الأخضر يذبلون” (آية2).سيصبحون كالعصافة التي تذريها الريح (مز1:4) ”كل جسد عشب,وكل جماله كزهر الحقل.يبس العشب,ذبل الزهر,لأن نفخة الرب هبت عليه.حقا الشعب عشب” (إش40:6, 7) وعلي هذا فإن بركات الأشرار مؤقتة,وأكبر نجاح يحققونه هو النجاح الأرضي الذي يزول مهما طال,وهو لا شئ بالنسبة للأبدية التي بلا نهاية,لأنه ”ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟” (مت16:26).
2-لا تحسد الشرير لأن المؤمن يجب أن يكون أمينا: ”اتكل علي الرب وافعل الخير.اسكن الأرض وارع الأمانة” (آية3).فعلاج الحسد والغيرة هو ثقتنا بالرب,وعمل الخير,والإقامة بالقرب من الله في الأرض التي قسمها لنا وأرادنا أن نقيم فيها,وحياتنا الأمينة له وللآخرين.وعندما نطيع الوصية سينشغل وقتنا بالله وبخدمته وبأعمالنا الصالحة,فلا نعود نجد وقتا للتذمر!فلنضع ثقتنا في الرب ولنعتمد عليه,ولنكن صالحين,ولنترك النتائج لله.عندها سيقول لنا: ”نعما أيها العبد الصالح والأمين,كنت أمينا في القليل فأقيمك علي الكثير.أدخل إلي فرح سيدك” (مت25:21).
3-لا تحسد الشرير لأن المؤمن يجب أن يفرح بالرب ويتلذذ به: ”وتلذذ بالرب فيعطيك سؤال قلبك” (آية4).قال أليفاز التيماني: ”تعرف به واسلم,بذلك يأتيك الخير…لأنك حينئذ تتلذذ بالقدير,وترفع إلي الله وجهك.تصلي له فيستمع لك,ونذورك توفيها.وتجزم أمرا فيثبت لك,وعلي طرقك يضئ النور” (أي22:21-28). ”ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب.طوبي للرجل المتوكل عليه” (مز34:8).خذ فرحك من شركتك مع الله فيعطيك سؤال قلبك الذي تحتاجه فعلا,فإننا أحيانا نطلب طلبات ليست في صالحنا.لكن عندما نتلذذ بالرب يعطينا السؤال الحقيقي الذي يشبع قلوبنا.وهو يعطي سؤال القلب لأنه صاحب السلطان,ولأنه المحب.