نتأمل اليوم للمرة الثانية في المزمور الثامن والخمسين,الذي يؤكد فيه النبي داود أنه يوجد إله يقضي في الأرض بالعدل بين الناس,ويحاكم الإنسان الخاطئ علي أعماله الشريرة,ويشرح لنا المرنم المصير السيئ لهذا الشرير,ويدعونا للتوبة,مؤكدا أن الله يريد إنقاذنا من مصير الأشرار.
يبدأ مزمور58بذكر مظاهر شر الشرير فهو لا يحكم بالعدل,بل يضمر الشر ويدبر له ويرفض التوبة.(وهذا ما تأملناه في الأسبوع الماضي).ولعل داود كتب هذا المزمور وقت أبشالوم الفاشلة علي والده داود(2صم15).
وفي الآيات6-9 من مزمور58 يذكر داود نتائج شر الشرير.ويخت مزموره بدرسين نتعلمهما من دمار الشرير(في آيتي10, 11).
ويذكر المرنم أن أول نتائج شر الشرير أن قوته تتحطم:اللهم كسر أسنانهم في أفواههم.اهشم أضراس الأشبال يارب(آية6).لابد أن الله سيحطم القوة التي تريد افتراس الصديق.وكم من مرة هشم فيها الله أسنان الشرير فقاده للتوبة,لأنه كشف له عجزه وألجأه إلي هجر ظلمه وطاعة ربه.
ويذكر المرنم نتيجة ثانية لشر الشريد هي أن عمله سيفشل:ليذوبوا كالماء.ليذهبوا.إذا فوق سهامه فلتنب(آية7).فإن كانوا جامدين كالثلج سيذوبون وتبتلعهم الأرض.ربما ظنوا أن قوتهم باقية صلبة.ولكن لابد أن تبتلعم الأرض ويختفوا,فتخيب سهامهم ولا تصيب الهدف الذي هو قلب الصديق.إنهم يريدون أن يحطموا المؤمن,ويقضوا عليه,ولكن الله سيقف إلي جواره ليضمن سلامته,ويخيب مهاجمات الأشرار,وينهي من الأرض ذكرهم.
ويذكر المرنم نتيجة ثالثة لشر الشرير هي أن نهايته دمار كامل(في آيتي8, 9).وفي هاتين الآيتين ثلاث صور عن نهاية الأشرار:
(أ)كما يذوب الحلزون ماشيا(آية8أ):والحلزون حيوان رخو يعيش في صدفة.ما أكثر الأصداف التي نجدها علي الشاطئ ولا شئ في داخلها,لأن الحلزون الذي كان فيها ترك الصدفة ولم يعد له وجود.
(ب)مثل سقط المرأة لا يعاينوا الشمس(آية8ب):يطلب للشرير أن يولد قبل الآوان ناقصا,فيموت ولا يري الشمس,فتستريح الأرض من شره.
(ج)قبل أن تشعر قدوركم بالشوك نيئا أو محروقا يجرفهم(آية9):يطلب من الله أن يسرع بإهلاك الأشرار,قبل أن تصل الحرارة إلي قدر الطعام,وقبل أن ينضج اللحم,وقبل أن يظهر إن كان شوك الوقود أخضر أو يابسا,فيتم فيهم القول:قد رأيت الشرير عاتيا,وأرفا مثل شجرة شارقة ناضرة.عبر فإذا هو ليس بموجود,والتمسته فلم يوجد(مز37:35, 36).يا هؤلاء جميعكم,القادحين نارا المتنطقين بشرار ,بنور ناركم,وبالشرار الذي أوقدتموه…في الوجع تضطجعون(إش50:11).والمعني من هذا أنه من قبل أن يتذوق القضاة الظالمون ثمار ظلمهم يحل بهم غضب الله كطوفان يجرفهمولكن بني بليعال جميعهم(بليعال اسم عبري معناه شرير,يلقبون به من لا يخاف الله)كشوك مطروح…فيحترقون بالنار في مكانهم(2صم23:6, 7).
ويختم المرنم مزمور58 بتعليمنا درسين من دمار الشرير,وذلك في آيتي10, 11:
(أ)فرح البار المضطهد بالعدالة:يفرح الصديق إذا رأي النقمة.يغسل خطواته بدم الشرير(آية10).بقدر ما يتأسف البار علي هلال الشرير بقدر ما يفرح أن الله أجري عدالته الإلهية,وأنه هو نجا من شر الشرير.يقف المؤمن أمام هلال الشرير موقف الحائر:هل يفرح أم هل يحزن؟إنه يمشي في أرض المعركة التي انتهت ويتأمل آثارها,فيري الشرير ساقطا ومجد الرب عاليا,فيقول:يعظم انتصارنا بالذي أحبنا(رو8:37).وسيجئ اليوم الذي يعلن فيه انتصار المسيح,والغالبون يملكون معه.بعد هذا سمعت صوتا عظيما من جمع كثير في السماء قائلا:هللويا !الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا لأن أحكامه حق وعادلة(رؤ19:1, 2).
(ب)انتصار العدالة الإلهية:يقول الإنسان إن للصديق ثمرا.إنه يوجد إله قاض في الأرض(آية11).عندما تأخذ العدالة الإلهية مجراها نري ثمار الحياة التقية,فإن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضا(غل6:7).ولو أن ملاحظة معاناة الصديق ونجاح الشرير قد تجعلنا نظن أن الله لم يعد يهتم بالشر.والحقيقة أنه إله محب وقاض عادل في كل الأرض.لن تكون الغلبة للشرير ولا لجنوده,لأن المؤمنين سيغلبون العدو بدم الحمل,وبكلمة شهادتهم(رؤ12:7-17).
يقدم هذا المزمور دعوة للنفس البعيدة عن الله لتتوب قبل أن تتهشم وتتحطم وتتدمر.اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم(عب3:7, 8).فصوت الله يجئ إلينا يدعونا للتوبة,كما أن مزمار الراقي يدعو الحية السامة لينزع أنيابها.فلنسمع الصوت ونتجاوب معه,ولنرجع إلي الله بكل قلوبنا ونقبل دعوته المقدسة,فيكون لنا النصيب الصالح الذي لن ينزع منا(لو10:42).