نتأمل اليوم مزمور 78 الذي فيه يطالب المرنم شعبه أن يذكروا المعجزات الماضية التي أجراها الله مع آبائهم,ويدعوهم ليحترسوا من تكرار أخطاء الآباء الذين نسوا تلك المعجزات.وأشار المرنم بصفة خاصة إلي خطايا سبط أفرايم الذي رفضه الله من أن يكون قائد شعبه بسبب عصيانه,وقارنه بسبط يهوذا الذي اختاره الله ليجيء منه الملك داود.
ومزمور 78 أول المزامير التاريخية,ومنها مزامير (136,106,105).ويحتوي علي 72 آية تروي تاريخ معاملات الله مع شعبه,الذين وجدهم في مصر يسامون سوء العذاب وهو يصرخون إليه,فاستجاب لهم وأرسل كليمة موسي فأنقذهم بمعجزات عظيمة,وأخرجهم من مصر,وعالهم في صحراء سيناء أربعين سنة:أطعمهم أثناءها المن والسلوي,وسقاهم ماء من الصخر,ولم تتورم أرجلهم ولا بليت نعالهم(تث8:3و29:5).ولكنهم ظلوا يخطئون ويتذمرون,وعندما أعلنوا التوبة كانت توبتهم سطحية..وعندما انتهت سنوات التيه ومات موسي,أعطيت القيادة ليشوع فأجري الله معه معجزة شق نهر الأردن في وقت فيضانه,فمر بنو إسرائيل في وسط الأردن علي أرض يابسة,ولما عبروا جميعا عادت المياه لمجراها الطبيعي,وقسمت أرض الميعاد بين الأسباط كما وعد الله إبراهيم,ولكن الشعب انحرف عن عبادة الرب بعد كل هذه المعجزات!.
ولا نستطيع أن نلوم بني إسرائيل,لأننا مثلهم ننسي أفضال الله علينا,ولذلك يقول داود:باركي يا نفسي الرب ولاتنسي كل حسناته(مز103:2).ويقول لنا مزمورنا إن فضل الله علينا عظيم,وإننا لا نستحق انعامه علينا,وهو ينتظر منا طاعته لأنه أحبنا أولامن إحسانات الرب أننا لم نفن,لأن مراحمه لاتزول.هي جديدة كل صباح .كثيرة أمانتك (مرا3:23,22).
يبدأ مزمور 78 بتحذير الجيل الجديد القادم(آيات1-8)ويحذرهم من ارتكاب الخطايا التي ارتكبها الجيل الماضي حتي لايكرروها,ويفتح فمه بمثل ويذيع ألغازا قديمة,بمعني أنه يتناول قصة قديمة بالشرح ليستخرج منها دروسا نافعة,فلا تكون مجرد حادثة تاريخية ولكن درسا روحيا,ولا مجرد ذكريات أحداث مضت بل بركة روحية حاضرة للنفوس.والمثل الذي يضربه المرنم حقيقة صاغها الذين اختبروها في عبارة مختصرة مسجوعة ليسهل حفظها علي الجميع فيتعلمون حكمتها ويمارسونها.وقد كان اختبار المرنم لغزا مبهما عند كثيرين,فأراد أن يوضحه,كما فعل صاحب مزمور49,وكما أوصي موسي بني إسرائيل:وجهوا قلوبكم إلي جميع الكلمات التي أنا أشهد عليكم بها اليوم,لكي توصوا بها أولادكم ليحرصوا أن يعملوا بجميع كلمات هذه التوراة,لأنها ليست أمرا باطلا عليكم,بل هي حياتكم.وبهذا الأمر تطيلون الأيام علي الأرض التي أنتم عابرون الأردن إليها لتمتلكوها(تث32:47,46)..ولهذا لم يشأ المرنم أن يخفي عن الجيل الجديد من الأبناء والأحفاد أخبار معجزات الله العظيمة الماضية مع الجدود.
في مزمور 78 يطلب الله من شعبه أن يصغوا إليه في أمرين:
أ- في حفظهم للشهادة:أقام الله شهادة في يعقوب,لأنها تشهد علي المؤمنين,وقد حفظت الشهادة في تابوت العهد لأنها عهد بين الله وشعبه,يشهد عليهم وعلي أعمالهم وعلي إيمانهم,وطوبي لحافظي شهاداته(مز119:2)فليس لنا عذر لأنه شهد لنا وأعلمنا,كما قال الرسول بولس:لم أؤخر شيئا من الفوائد إلا وأخبرتكم وعلمتكم به جهرا وفي كل بيت(أع20:20).
ب- في حفظهم للشريعة:وهي في العبريةتوراةوفي اليونانيةنوموس أخذت منها اللغة العربية:ناموس,أي طريق سلوك للتهذيب والتعليم.ويجب طاعتها لأنها طريق الرب المستقيمة التي تقودنا إلي السلام والراحة والسعادةطوبي للكاملين طريقا السالكين في شريعة الرب(مز119:1). ويقدم المرنم للمؤمنين ما يجب أن يفعله الجيل الآخر:(آيات6-8).
أ- يعلمون:لكي يعلم الجيل الآخر(آية6).لأنهم يسمعون بما لم يروه,فيتوقعون بركة الله لهم.
ب- يخبرون أبناءهم:فيقومون ويخبرون أبناءهم(آية6).قصها علي أولادك..اكتبها علي قوائم أبواب بيتك وعلي أبوابك(تث6:6-9).
ج- يعتمدون علي الله:فيجعلون علي الله اعتمادهم(آية7),ويتصرفون بحسب ما يعتقدون ,فلا يقلقون ولا ينحرفون.
د. يذكرون:ولاينسون أعمال اللهوكل من له أذنان للسمع فليسمع.
هـ-يحفظون:بل يحفظون وصاياهويعيشون حياة الطاعة.وطوبي لمن يحفظون أقوال نبوة هذا الكتاب(رؤ22:7).
و- يختلفون عن الجيل الذي أخطأ:ولايكونون مثل آبائهم جيلا زائغا وماردا,جيلا لم يثبت قلبه,ولم تكن روحه أمينة لله(آية8).