يعز علينا أن نودع رجلا من أراخنة الكنيسة خدمها طوال عمره..والأستاذ أنطون سيدهم خدم في مجالات متعددة وكان ناجحا في كل منها..خدم في مجال الاقتصاد..خدم في المجلس الملي..وخدم أيضا في المجال الاجتماعي..وخدم في مجال الصحافة فأسس جريدة وطني..,كان كصحفي جريئا وشجاعا وصريحا..عاش يجاهد من أجل الوطن ومن أجل الكنيسة وكانت جريدته وطنيولازالت متعددة الأهداف وجمعت نخبة من الكتاب الأقوياء..نحن نشكر الله من أجل راحلنا الكريم لأنه عمل الكثير في حياته..وكل عمل يعمله الإنسان محفوظ أمام الله له حينما تفتح الأسفار وتتضح المشاعر والنيات أمام الكل.
هكذا تحدث قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في صلاة جناز الراحل العظيم أنطون سيدهم يوم الثلاثاء الموافق2 مايو.1995
وبهذه المناسبة نود أن نقدم للقاريء كتابأنطون سيدهم.. الوطن والأقباط ملفات لم تغلقهذا الكتاب الشيق للكاتب الصحفي نبيل عدلي والصادر ضمن سلسلة كتابوطني,والذي يؤرخ لمؤسسوطنيالوالد أنطون سيدهم في ذكري مرور خمسة عشر عاما علي رحيله عام ..1995ليس هذا أول كتاب يصدر عن أنطون سيدهم فقد سبقه كتابأنطون سيدهم ومشوار وطنيالذي صدر عام 1996 في الذكري الأولي لرحيله,ثم صدر العام الماضي كتابأنطون سيدهم..مواطن محترموالذي أصدرته وحدة التطوير المؤسسي بوزارة الاستثمار ضمن سلسلتها التأريخية الرائعة رواد الاستثمار وأعده الكاتب المتميز مصطفي بيومي.
أما هذا الكتاب فإنه يحوي الكثير عن حياة ورسالة ونضال الراحل أنطون سيدهم,ويوثق بدرجة كبيرة للمحطات المهمة في حياته وفي مسيرةوطنيفي الحقل الإعلامي التنويري مقرونة بمقالات منتخبة وموجزة من كم زاخر من المقالات بلغت 288 مقالا سطرها قلمه الذهبي,ويظل الهدف من هذا الكتاب هو توثيق وطنيالرسالة والمسيرة والاستمرارية في كتاب يكون في متناول الجميع اليوم وغدا وفي المستقبل.
والقاريء لهذا الكتاب يجد زوايا متعددة لشخصية أنطون سيدهم,فهناك أنطون سيدهم الأب,أنطون سيدهم المواطن أنطون سيدهم الأرخن,أنطون سيدهم الاقتصادي,أنطون سيدهم المناضل ,أنطون سيدهم المسيرة,إن كل زاوية من الزوايا السابقة تتضمن مباديء راسخة عاش الرجل وجاهد لأجلها,ويعد هذا تصنيفا جيدا قام به الباحث نبيل عدلي.
الأب كما عرفته.
يقدم الكتاب كلمة المهندسة سامية سيدهم رئيسة تحرير وطني الدولي وكريمة الراحل الكبير أنطون سيدهم التي ألقتها في الاحتفال بالذكري العاشرة لرحيل أنطون سيدهم بنقابة الصحفيين, حيث تحدثت في هذه الكلمة عن الأب كما عرفتهعلي حد تعبيرها قائلة:كانت له مهابة علي الرغم من أنه كان حنونا جدا..مرحا جدا..علمنا أن نكون مسئولين عن كل ما نفعله وعن كل قرار نتخذه..كان إنسانا يمتليء بإيمان قوي جدا ينعكس عليه بسلام نفسي كبير..كان يتقبل محنا كثيرة بصدر رحب وثبات..كنت أعرف منذ طفولتي أن أبي عصامي بني نفسه بنفسه..وكان فخورا بهذا وحريصا أن يؤكد لنا هذا في كل مناسبة..كان من أسرة متوسطة وتعلم في الجامعة,في وقت كان التعليم الجامعي قاصرا علي الأثرياء.. وعندما تخرج كان والده توفي فشق طريقه في الحياة بمفرده واشترك في تأسيس أول مكتب محاسبة في مصر..وفي عام 1960 صدرت قرارات التأميم وخسر كل ماله..واضطر إلي السفر إلي ليبيا واشترك مع ثلاثة في إقامة مكتب محاسبة..وبارك ربنا المكتب.. هكذا مهما كانت المحن كان إيمانه قويا يعطيه ثباتا يستطيع أن يجتاز به المحن..كما أن عمله كمحاسب جعله قريبا جدا من أضعف ما في نفوس البشر وهيالفلوس..فكان يحكي لنا كيف يمكن أن تغير الفلوس الناس..كيف يظهر لك الإنسان عظيما جدا إلي أن يقترب من الفلوس فيتحول إلي إنسان آخر وتكتشف درجة طمعه..وهكذا علمنا ألا نقيم الناس بمظهرهم أو بثرائهم إنما بما في داخلهم,وعندما نعرف ما هو بالداخل يكون هذا هو التقييم الحقيقي للإنسان.
الجرأة وزمام المكاشفة
ويستعرض الكتاب لنا ما قاله يوسف سيدهم – رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة وطني ونجل أنطون سيدهم-عن مواطنة أنطون سيدهم فنراه يقول:لا يفوتني أن أنوه كلما تندر أحد عن شجاعة قلمي..أن الشجاعة الحقة يجدر بنا أن نتذكرها لوالدي الراحل أنطون سيدهم لأنه امتلك الجرأة وزمام المكاشفة وفضح التجاوزات في وقت انطوت فيه الكتابة علي تجاوزات خطيرة,وكان لإغضاب السلطة ثمن فادح وعواقب غير محمودة ونعرف جيدا في أسرتنا وفي أسرة وطني المرات التي تدخلت فيها العناية الإلهية لتنقذه من بطش السلطة التي استفزها تصديه لتجاوزاتها,ذلك البطش الذي لم تسلم منه وطني عندما طالتها قرارات السادات في سبتمبر 1981 عندما أغلقت وطني وظلت محتجبة عن الصدور لمدة ثلاث سنوات قبل أن تعاود الصدور عام 1894. أما المناخ الذي تعمل فيه حاليا في وطني فيتميز التعبير,حيث إن وطني تلتزم بمنهج عمل وهو الالتزام الصارم بالمصداقية والتحقق من الوقائع قبل نشرها والابتعاد تماما عن التجريح الشخصي أو الهجوم فيما يجاوز فضح الممارسات الخاطئة,ذلك المنهج الذي خطه الراحل أنطون سيدهم للجريدة جعلها بمنأي عن مغبة انفلات أعصاب السلطة واندفاعها نحو التعرض لها بالإيذاء مثلما حدث مع جرائد أخري في السنوات القليلة الماضية,فالمسئولية هي العمود الفقري للحرية..
الضمير المصري
لم يبتعد أنطون سيدهم عن المواطن المصري البسيط وبكل ما يحيط به من معاناة ربما تؤدي أحيانا إلي السلبية أو غياب الضمير فنراه يقول في مقال بعنوان السلبية: ألمح روح السلبية والتقوقع بين فئات مختلفة من الشعب..صحيح إنه مرت بمصر فترة من الكبت والعنف والإرهاب,أدت إلي نمو الشعور بالسلبية والابتعاد عن الحياة العامة وتركها للحاكم المسيطر علي كل شيء..ولكن أليس الأجدي أن ينضم الجميع إلي المنابر لإعلان شكواهم وإبداء آرائهم ومقترحاتهم.إن أصواتهم ستصل إلي الأسماع سواء كانوا في منبر الحاكم أو في منبر المعارضة..إن كلا منا مطالب بأن يؤدي دوره في حكم وطنه..إنه واجبه نحو وطنه وأهله بل واجبه نحو نفسه..ثم هو استجابة لما يمليه عليه الضمير الحر.أما في مقال له بعنوانالضمير المصري وكيف ذهب مع الريحفنراه يقول:مساكين الأجيال الجديدة التي تخرج إلي العالم لتجد أمامها هذا التلوث والفساد وانهيار الأخلاق والقيم,فقد ضاعت المثل العليا واختفي كل ماهو طيب وصالح..نعم لقد ولدوا ليجدوا أمامهم هذه الغابة من المنافقين والأفاقين ومعدومي الضمير.
التعليم والإعلام
شكل إصلاح التعليم بمراحله من الابتدائي حتي الجامعة فضلا عن الإعلام علي اختلاف وسائله واحدة من معارك قلم أنطون سيدهم باعتبار أن التعليم والإعلام مفتاح النهوض بالمجتمع وأداة التوجيه ومن ثم بوابة مصر للتصدي للإرهاب..فماذا سطر أنطون سيدهم من آراء لرأب الصدع الذي أصاب التعليم والإعلام في مصر؟
إذا تكلمنا عن إصلاح التعليم فيجب أن نبحث في جميع جوانب العملية التعليمية بكل مشتملاتها ونواحيها حتي يصبح التعليم نظاما جيدا يمكن أن يقدم للبلاد مواطنين قادرين علميا وأخلاقيا علي حمل أعباء مصر والنهوض بها نحو التقدم والرخاء قائمين كل واحد في موقعه بالعمل بجد وتفان وإخلاص وعلم وتدريب حتي يؤتي عملهم أحسن الثمار,أما محاولة إصلاح البرامج وضياع سنين طويلة بدون نتيجة ,فهي عملية ترقيع فاشلة لا فائدة منها.
فدور التعليم أصبحت الغالبية العظمي منها سبة في جبين مصر,المباني منها متهرئة ومتهدمة ودورات المياه مخربة وجزء كبير منها لايصلح للاستعمال,الأثاث بأكمله من تخت وسبورات محطم والمعامل اختفت من الوجود في هذه المدارس,وإذا وجد في بعضها بعض المعامل فهي ناقصة ولاتصلح للاستعمال ,ولا ملاعب بها ولا أجهزة رياضية,أماكن النشاط المدرسي والهوايات لا وجود لها,هذه المدارس التي يجب إزالتها تماما,تستخدم لفترتين تعليميتين وبعضها لثلاث فترات من هنا يجب علينا إصلاح وترميم بعضها وإزالة البعض الآخر وتبني مكانها مدارس جديدة حتي تستوعب الملايين من التلاميذ وتنتهي أنظمة الفترات,وتكدس الفصول وإعداد الأثاث السليم وكذا تجهيز المعامل اللازمة بأحدث الأجهزة العلمية,ثم الاهتمام بأماكن للنشاط والهوايات والأهم من كل ذلك هو العناية الفائقة بالملاعب وأدوات الرياضة,حتي تقدم لنا نشئا صحيحا سليما.وقد يثير البعض ما ستتكلفه هذه العملية من مبالغ باهظة قد تبلغ المليارات من الجنيهات,ولكن علي الحكومة تدبيرها بشتي الأساليب سواء من معونات أو قروض أو ميزانية الدولة,كما يجب الاستعانة بالمجهود الشخصي لأولياء أمور الطلبة ومتيسري الحال في كل حي للقيام بمساندات مالية فعالة للحكومة لتخفيف العبء علي الدولة.
أما المعلم وهو عماد عملية التعليم وهو حجر الأساس فيها فيجب إيلاؤه كل الاهتمام,ليتم تأهيله تأهيلا علميا وتربويا علي أحدث ما وصلت إليه الأبحاث والدراسات في هذا المجال حتي يكون قادرا علي حمل أعباء العملية التعليمية علي أحسن وجه,وإذا طلبنا منه العمل الجاد والتضحية بكل وقته وجهوده في عمله الشاق فعلينا أن نقدم له الدعم المالي والمرتبات الكافية ليعيش حياة كريمة ولا يلجأ إلي الدروس الخصوصية ليغطي أعباءه المالية,فمرتبات المدرسين الآن أصبحت ضئيلة لاتصلح لشيء وخصوصا من التضخم وارتفاع أسعار لوازم المعيشة باستمرار,كما يجب ألا يزيد عدد الفصل عن ثلاثين إلي أربعين طالبا علي أكثر تقدير حتي يمكن للمدرس السيطرة علي الطلبة ومتابعتهم ليكتشف الضعيف منهم لتقويته وإذا عملت الحكومة بهذا فإنها تكون قد قدمت للنظام التعليمي العمود الأساسي الذي سيحمل العملية التعليمية علي أحدث وأحسن ما يمكن أما النواحي التعليمية المختلفة والبرامج السليمة اللازمة لها فيلزم أن تقوم الجهات المختلفة المختصة بتحضير الدراسات والإحصاءات الدقيقة والسليمة لما يلزم للاقتصاد المصري سواء كان صناعيا أو زراعيا أو ماليا أو إداريا من عمال ورؤساء عمال ومديرين وخبراء وموظفين من ناحية العدد والكفاءة لإعداد البرامج اللازمة لكل نوع علي ألا يلتحق بكل معهد أو كلية إلا العدد الكافي واللازم لأوجه النشاط المختلفة.
كل هذه الإصلاحات يلزمها التمويل المستمر من أموال طائلة لذا يلزم النظر بجدية وبدون شعارات خاوية وحساسيات لا معني لها إلي مجانية التعليم وأن تقصر هذه المجانية علي التعليم الأساسي فقط والتعليم المتوسط,أما غير هذا فيجب منح المتفوق مجانية كاملة,أما الشخص العادي الذكاء فيقوم بدفع المصروفات اللازمة لتعليمه أو عليه بالالتحاق بالتعليم المتوسط. يا سادة..ليس هناك أي إصلاح اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي بدون إصلاح التعليم إصلاحا شاملا كاملا.
مواطنون محرومون من الصلاة
ويعترف الكتاب بأن هناك مشاكل بغيضة تلك التي يعاني منها الأقباط لاستصدار قرار بناء كنيسة يقدمون فيها العبادة الخالصة إلي الله فمنذ خليقة البشرية وروح الإنسان هائمة متعبة ولا راحة لها إلا بالالتصاق بالله خالقها وجابلها, إن شقاء الإنسان ومتاعبه راجعة إلي بعده عن ربه,وفي رجوعه إلي الله والتصاقه به يجد الراحة وهدوء النفس وطهارتها ونقاءها ولذا فالإنسان في حاجة ماسة إلي اتصاله الدائم بإلهة وبا ريه,وقد حضت جميع الأديان الناس علي مداومة الصلاة بعمق وحرارة حتي تغتسل من آثامها وتستريح من أتعابها وآلامها.
إن العمل علي حرمان الناس من الصلاة لهو عملية لا إنسانية تفتقر إلي العدالة والحكمة,لأنه سيجعل الإنسان المحروم من هذه الصلاة عنصرا ناقما كارها لمجتمعه, وحاقدا علي من حرمه من هذه المتعة وهي التقرب من خالقه والتصاقه به,وهي المتعة التي يحس بأن غيره يتمتع بها,بينما هو محروم منها ولذلك فقد نصت دساتير الدول الديموقراطية والمتقدمة علي حرية العقيدة وحرية العبادة معطية بذلك الحق لكل فرد أن يتمتع بعبادة الله بالطريقة التي رسمها له دينه.
لذلك فإن النفس يغمرها الألم والأفواه تمتليء مرارة عندما نجد أن كثيرين من أقباط مصر قد حرموا من نعمة الصلاة بسبب الخط الهمايوني الظالم والمتعسف الذي يشترط الحصول علي قرار من رئيس الدولة لإنشاء كنيسة يصلون فيها إلي الخالق.إن بعض هذه الفئات التي باءت بالفشل بعد جهد جهيد ورجاوات وإذلال وإراقة ماء الوجه في الحصول علي هذا الهدف قامت بإعداد بناية صغيرة أو تخصيص إحدي الغرف في أحد منازل بعضهم للصلاة لله فيها,ولكن قوات قامت بطردهم.
إن أول حق للفرد وأهم هدف له هو القرب من ربه,وإن حرمانه من هذا الحق لهو الظلم كل الظلم وهذه هي النتائج البشعة للخط الهمايوني البغيض وتنفيذ أحكامه بكل قسوة وعنف,إننا يا سادة لفي غاية الألم لما يحدث في وطننا العزيز ضد فئة مسالمة مخلصة ضعيفة في قوتها قوية في إيمانها بالله وهو الذي قالتكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل.إننا نلجأ إلي الله – عز وجل – ليرفع عنا هذه الغمة ويهدي الجميع سواء السبيل.
الإرهاب
أيضا لم يغفل الكتاب مسلسل الاعتداء المتكرر علي الكنائس والأقباط وعلي بيوتهم وممتلكاتهم دون وجود أي وسيلة ناجحة لوقف هذا التخريب في حق شركاء الوطن من الأقباط ومن أجل هذه القضايا ناضل الراحل أنطون سيدهم وكتب العديد من المقالات منها مقالةالحكومة شجعت الإرهابوالتي فيها يشرح المجتمع بمشرط جراح عله يجد العلاج فنراه يقول:منذ خمسة عشر عاما تقريبا والحكومة تعمل بجميع الوسائل علي اضطهاد الأقباط ومضايقتهم فقد أخذت في استبعادهم من الوظائف الحكومية والقطاع العام,كما أخذت الإذاعة المرئية والمسموعة في إذاعة البرامج المختلفة التي تسفه الدين المسيحي…وأخذت الحكومة في التشدد في تنفيذ الخط الهيمايوني في بناء الكنائس وإصلاحها وصيانتها..كل هذه العوامل وغيرها شجعت العناصر المتطرفة علي الاستهانة بالأقباط بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية ومحتقرون مما شجع هذا أهالي قري الصعيد علي الاعتداء علي الأقباط وممتلكاتهم ونهبها وتخريب بيوتهم ومتاجرهم وحرقها وحرق كنائسهم ورجال البوليس يتفرجون عليهم دون يتدخلوا وقد أدي ذلك إلي تماديهم فابتدأوا في عمليات القتل الفردية والجماعية للأقباط وبذا تكون الحكومة قد شجعت وساندت الإرهابيين في الانتشار والتسلح والتمادي في غيهم وجرائمهم ولم تتحرك إلا بعد اعتدائهم علي السياح مما أدي إلي تخريب الموسم السياحي.. هذا هو نتيجة تصرف الحكومة وغض الطرف عن هؤلاء الإرهابيين.
العلاج السليم للفتنة الطائفية
بعد الداء يأتي الدواء حيث يستعرض الكتاب الروشتة التي كتبها الراحل أنطون سيدهم لعلاج الأحداث المسماة بالفتنة الطائفية فلو طبقت منذ نحو عقدين لكان الخلاص من تلك الأحداث المؤلمة حقيقة مؤكدة ففي مقالتهالعلاج السليم للفتنة الطائفيةنراه يقول:أيها السادة الحكام وأصحاب الأمر في هذا البلد لقد أصبح الأقباط في قلق شديد علي مستقبلهم بعد كل هذه الاعتداءات المتكررة نعم ماذا ننتظر من شباب قد شحن منذ صغره بما تحويه الكتب المدرسية ومن مدرسيه ومن خطباء المساجد والإذاعات المختلفة والمؤلفات التي تحث علي الإساءة للدين المسيحي وكراهيته واحتقاره وبالتالي حمل البغضاء لمعتنقيه.. إن النتيجة الطبيعية لكل هذه الشحنات هي الانفجارات التي تحدث ضد الأقباط من حين لآخر.. يا سادة ليس برجال الأمن ولا باجتماعات الرؤساء الدينيين تعالج الفتنة الطائفية بل يجب دراسة الأسباب العميقة لهذه الفتنة ولهذا الإرهاب المسلط علي رقاب الأقباط ومعالجتها بالآتي.. تربية الأبناء علي روح المحبة والسلام.. مراجعة الكتب المدرسية وما بها من مساس بالدين المسيحي.. الإذاعات المسموعة والمرئية وما تحويه من تعبئة لشعور الكراهية والحقد.. معالجة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي بالشباب إلي اعتناق مباديء العنف والتخريب.. دراسة الأسباب الخفية التي تحرك هذه الجماعات ضد الأقباط وطريقة تمويلهم حتي تعالج الأمور بالطريقة السليمة والفعالة.
كشف حساب الوزنة
ثم تتوالي الملفات التي لم تغلق ليذكر لنا الكتاب كشف الحساب الذي قدمه يوسف سيدهم في احتفالية الذكري العاشرة لرحيل والده أنطون سيدهم فنراه يقول:الكثيرون يعتبرون أن الوزنة التي تركها أنطون سيدهم هي وطنيالجريدة التي تركز علي القضايا المسيحية وتطرح هموم الأقباط وتجاهد من أجل استعادة حقوقهم.. لكن دعوني أصحح هذا المفهوم لأن الوزنة التي تركها أنطون سيدهم هي مؤسسة وطني المنبر الإعلامي التنويري الذي يهتم بقضايا الوطن ويعمل علي حشد المصريين جميعا تحت مظلة الوطن ويعيشون في ظله أحباء متساوين لا فرق بينهم.. وأشار إلي أن في المجال الصحفي جاء تطوير جريدة وطني لمواكبة التقنيات الحديثة في عالم الصحافة كما صدر أيضا ملحق وطني الدولي باللغتين العربية والإنجليزية وبعدها صدر الملحق الفرنسي كجسر ثنائي الاتجاه بين مصر والخارج ليساهم في ربط الجريدة بأجيال أبناء المهاجرين المصريين.. ومؤخرا صدرت نشرة وطني برايل لتقديم جريدة مقروءة للمكفوفين ,وكنا سابقين بهذا الإصدار في مجال الصحافة والكلام مازال ليوسف سيدهم تأكيدا علي مفهوم الحق الأصيل للكفيف في الدمج مع المجتمع بعيدا عن العزل في دوائر خاصة.. وأشير أيضا إلي دور وطني في خدمة المطحونين والمعوزين حيث أسس أنطون سيدهممحطةوطني لعلاج المرضي وامتدت خدمتها لتشمل رعاية الحالات الحرجة صحيا والحالات الإنسانية.. حقا كانت رسالة أنطون سيدهم ليبرالية لترسيخ مفهوم الديموقراطية ووسط مناخات مظلمة تعاقبت علي الوطن ضاع الأمل من نفوس الشباب في جدوي المشاركة.. لذلك قررنا أن ندعو الشباب ليأخذوا فرصة التعبير عن أنفسهم في تجربة جديدة حملت اسمبرلمان وطنيحيث قدمت لهم الجريدة مساحة لينشروا مردود نشاطهم وإسهامهم.
تاري واليوبيل الماسي
اختتم الباحث كتابه برسالة تعد قطعة أدبية رائعة جاءت تحت عنوان اليوبيل الماسيبقلم تاري هاني سيف حفيدة يوسف سيدهم,والرسالة استقراء مأمول لمستقبل منشود قوامه مجتمع العدل والمساواة ومعياره الكفاءة بعيدا عن حسابات المحسوبية وفرز الأديان,أيضا نقرأ بالرسالة منجزات حقيقية علي طريق المواطنة والدولة المدنية تمثل أسمي الغايات التي تدفع مسيرة وطني إلي الأمام.
ولعل هذه الرسالة من أروع ما سطر بصفحات وطني في العام 2008عدد 4 مايو احتفالا بسنة اليوبيل الذهبي للجريدة تلك الرسالة الفكرية التي خطت سطورها تاري هاني سيف حفيدة يوسف سيدهم,وقد استقرأها للمستقبل أشرف رمسيس قاريء وطني بأسيوط ونسبت للطفلة من افتراض الكاتب.
فماذا قالت تاري وهي افتراضيا بلغت من العمر خمسة وعشرين عاما ومن ثم تحتفل باليوبيل الماسي لتأسيسوطني:
في بداية مقالي اليوم أتوجه بالعرفان وجزيل الشكر للراحل العظيم أنطون سيدهمجد أميعلي مجهوداته العظيمة في تأسيس جريدةوطنيمنذ 75 عاما كما أتوجه إلي المهندس يوسف سيدهمجديأطال الله عمره علي مواصلته لرسالة وطني..وجاء الدور علي لمواصلة الرسالة فأنا شابة أعشق الصحافة والكتابة.
ومن خلال متابعتي للأعداد القديمة من جريدةوطنيوجدت سلسلة مقالات بعنوانقراءة في ملف المسكوت عنها, وهذا الملف خطه المهندس يوسف سيدهم عقب رحيل حامل الشعلة أنطون سيدهم وذلك في سلسلة متصلة تخوض في مختلف نقائص مجتمع المواطنة والديموقراطية والليبرالية استمرارا لمسيرة وطنيبخطها الثابت لاتهويل ولا تهوين, ووجدت – والكلام لتاري – أن كل ما كتب منذ نحو ربع قرن تحقق بالفعل اليوم علي أرض الواقع, فعلي سبيل المثال لا الحصر:
- جاءت حركة تعيينات المحافظين بوجود 8 محافظين أقباط ومحافظ يهودي وآخر بهائي لأن معيار الاختيار أصبح الكفاءة وليس الديانة .
- تعيينات رجال القضاء ووكلاء النيابة العامة بها نسبة كبيرة من الأقباط تفوق نسبتهم في المجتمع المصري.
- عمداء الكليات ورؤساء الجامعات الأقباط تعددت مراكزهم نسبة 25% من الإجمالي لأنه كما ذكرت سلفا المعيار هو الكفاءة وليس الديانة أو المحسوبية ويحدث الآن تعامل بناء بين الجامعات المصرية وأقباط المهجر للاستعانة بهم في تدريس تخصصات نادرة وغير متوفرة في المجتمع المصري واختفت تقريبا الدعاوي التي كانت تتهمهم بالعمالة والاستقواء بالخارج,أما نسبة الطلاب المسيحيين المقبولين في الكليات العسكرية فأصبحت معقولة بالرغم من أنها لم تصل بعد إلي الحد الذي نرضاه جميعا.
- رئيس مجلس الشعب في هذه الدورة التشريعية قبطي وأعضاء مجلس الشعب الأقباط بلغوا 75 عضوا بالانتخاب بالقوائم النسبية وألغيت فكرة تعيين عدد من الأقباط لأنها فكرة عفا عليها الزمن وحتي فكرة الحصةالكوتةلم تعد مناسبة للمناخ الليبرالي المتسامح الذي يسود الوطن حاليا.
- تم إلغاء خانة الديانة من الأوراق الرسمية لأننا لم نعد بحاجة إلي معرفة ديانة وهوية المواطن فالذي يهمنا هو الإنسان.
- تم إلغاء البند الثاني من الدستور الذي يقرر أن الإسلام هو دين الدولة لأن الدولة المدنية الليبرالية العلمانية لا دين لها لأنها كائن معنوي أما دينها الحقيقي هو تحقيق الرفاهية والرخاء لكل أفراد الشعب بجانب العلم والديموقراطية وهذا ليس انتقاضا من الدين, إنما تأصيلا للمساواة بين جميع المواطنين.
- إجراءات ترميم وبناء الكنائس باتت سهلة للغاية ولم تعد تحتاج إلي موافقات متعددة من جهات مختلفة,وتعقيدات ليس لها مبرر ,فإجراءات ترميم كنيسة تتم خلال ساعات محدودة كما يتم إذاعة قداس الأحد مباشرة وبانتظام علي القنوات المحلية بجانب الفضائية المصرية الموجهة لأبنائنا المقيمين خارج مصر.
- يتم تدريس الحقبة القبطية من مادة التاريخ في جميع المراحل الدراسية ويتم تدريس اللغة القبطية في قسم اللغات الشرقية بجامعاتنا.
- حدث حادث بسيط وعارض فردي بإطلاق عدة أعيرة نارية علي دير قبطي وتم ضبط الجناة ومعاقبتهم دون جلسات صلح لأن جلسات الصلح مناهضة لفكرة الدولة المدنية وسيادة القانون.
- أما أهم أحداث هذا العام والتي شهدت اهتمام العالم كله فكانت استضافة مصر لدورة الألعاب الأوليمبية ,والجدير بالذكر أن الذي تولي إدارة ملف مصر لطلب التنظيم منذ ثماني سنوات مجموعة من الشباب المصري مسلمين وأقباطا من الذين درسوا في الخارج ونهلوا من علومة ووصلوا إلي أعلي الدرجات العلمية في الإدارة والتسويق. ويتم أيضا هذا العام الاحتفال باليوبيل الفضي لنشرةوطني برايلبقيادة الشابة دائما شريفة مسعود. ويتم تخريج الدفعة رقم120 من برلمان شباب وطني تحت إشراف رواد البرلمان من الشباب.
- أما أسعد خبر سمعته هذا العام فهو إطلاق اسم الراحل أنطون سيدهم علي أحد شوارع القاهرة.
تاري هاني سيف
انتهت الرسالة
تحية إلي هذا الرجل التنويري الكبير..الإنسان والصحفي الذي سيظل حيا في العقول والضمير..