الرجل رسالة, وقيم ومبادئ, وشهادة صادقة علي عصره, كان أنطون سيدهم (1915ـ 1995) يري أن الحياة رسالة, ورحلة عطاء متواصلة, وكان يمتاز بشمول الثقافة وسعة الاطلاع, وكان شغوفا بمتابعة كل ما حوله في عالم صاخب مليء بالمتغيرات, فنجده لا يترك شاردة تفر منه إلا ويريد معرفة تفاصيلها, وهكذا اتسم عمله بالتكامل والشمول, من خلال تناوله محاور أساسية لقضايا العمل الوطني التي افتتحها قلم أ. أنطون سيدهم, بكل أمانة وشجاعة, متفاعلا مع الأحداث, متصديا لمواطن القوة والضعف, محذرا من عواقب التخاذل والصمت, غير مكتف بالتشخيص, بل بطرح رؤي العلاج, والعمل, نجده تناول قضايا الوحدة الوطنية, والقضايا الدينية, والاقتصادية, والسياسية الداخلية والخارجية, وقضايا التعليم وغيرها.
والتساؤل الذي أطرحه في هذا المقال: ماذا أعطانا هذا الرجل؟
هذا الرجل الذي تعرفنا علي شخصيته من كلماته الأمينة التي لا تبغي إلا مصلحة الوطن ومصلحة المواطن الإنسان المصري, أشعر أنه قدم لنا ما يلي:
(أولا): قدم عملا يستحق الاعتزاز به والمحافظة عليه:
قدم لنا حلما, كان يساور الخواطر, وأملا عزيزا, كان يطوف بالأذهان, حيث تحول الحلم إلي حقيقة عند صدور العدد الأول من جريدة وطني في ديسمبر 1958 (عمرا طويلا في تاريخ الصحف, بوصفها صحيفة واصلت الصمود حتي بعد رحيل مؤسسها الكريم, حيث واصل بكل اقتدار وأمانة وتحديث لمسايرة التطورات العصرية, المهندس يوسف سيدهم الذي نجح في استمرارها حتي اليوم, حتي ترسخت في الصدور, والقلوب والعقول, ولقد عبرت عنها في وقت سابق أن جريدة وطني بالنسبة لنا كالماء والهواء فلقد اختار راحلنا الكريم للجريدة, اسم (وطني) إيمانا منه بقيمة الوطن الذي كان شاغله الشاغل, والمهموم بقضاياه, واختار شعارا لها ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي:
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
(ثانيا): قدم نموذجا في هندسة الإدارة:
فدائما ما نقول نحن رجال التخطيط والإدارة, إن مشكلة الإنسان في حياته هي كيف يصبح إداريا ناجحا؟ وكيف يصنع ويتخذ قرارا؟
ويرجع ذلك إلي: مدي ما يمتلك من قدرات, وتجارب, وخبرات, كونت لديه ما يؤهله لصنع الرؤية وتمكينه من اتخاذ القرارات التي تحقق رؤيته ورسالته, كذلك قدرته علي اختيار مجموعة محدودة للتشاور والحوار وتبادل المعلومات والخبرات لصنع القرار, ثم تكوين فريق للعمل للتنفيذ والإبداع والابتكار, بروح الفريق وليس بالنعمة الفردية, وبمراجعة ما ذكرت, نجد أن رجالنا بحنكة ومهارة, وهندسة إدارية ناجحة, استمر في عمله مع فريق مؤمن برسالته, وكان مؤمنا بأن الأشخاص ستزول بينما يستمر البناء راسخا, وهذا ما نراه اليوم بعد رحيله بسنوات.
(ثالثا): قدم نفسه كقدوة من خلال سماته الشخصية
كان ملتزما, وقد وضح ذلك من خلال أن الكاتب الملتزم يحيا عصره, ويعيش أحداث وقضايا شعبه ووطنه, نتعايش مع الناس, ملتزما بالتعبير عن أفراحهم, وأتراحهم, فقد كان رحمه الله متصديا لكل الصعاب, مدافعا عن الحق بصبر وإيمان وكرامة {وما أجمل ما قالت الأم إيريني عنه: مثل شجرة الزيتون المزهرة والمقروءة أثمارا مقبولة, هكذا أضاء وأثمر أنطون سيدهم}.
شجاعا, كالأسد, مدافعا عن الوحدة الوطنية, حتي لا ينقطع النسيج الواحد, متصديا لخدمة الأهداف الوطنية لشعب مصر الواحد بأقباطه ومسلميه, غيورا علي كنيستنا, فطالما نادي بإلغاء الخط الهمايوني البالي, وإرجاع الأوقاف القبطية المسلوبة إلي أصحابها, وطالما وقف بكل حسم متصديا للحملة الصحفية ضد الكنيسة وقداسة البابا بغيرة مقدسة علي الكنيسة وقيادتها المباركة, عاشقا للحق والحرية والكلمة الحرة, وشجاعة صادقة بناءة, من صاحب هذا الفكر الوطني والديني المستنير.
وأخيرا, لعل السجل الوثائقي (أنطون سيدهم, ومشوار وطني) الذي حرص ابنه الصديق المحترم المهندس يوسف سيدهم علي إصداره ليكون شاهدا علي عطاء الرجل المناضل الأستاذ الكبير أنطون سيدهم الوطني الغيور القبطي المصري عاشق مصر الوطن الغالي, ويشهد علي ذلك تلك العبارة المؤثرة والصادقة لأبينا الحبيب المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث (كان جريئا شجاعا يتكلم بالحق, عاش يجاهد من أجل الوطن ومن أجل الكنيسة).
تهنئة, لأسرة وطني, بل للشعب المصري كله, ببدء العام 63 للجريدة التي تطور نفسها مع متغيرات العصر, متمنين لها الازدهار الدائم وأن تؤدي رسالتها في التنوير, بأسلوبها الشيق الجذاب.