عقد سكان العالم آمالهم علي نجاح قمة كوبنهاجن للتغيرات المناخية والتي اجتمعت علي مدار الأسبوعين الماضيين في العاصمة الدانمركية,معتقدين أنها ستكون مظاهرة منظمة للثورة علي المصير الذي قد يلحق بالبشرية,بسبب المخاطر البيئية المتوقعة نتيجة للاحتباس الحراري الناتج عن الغازات المنبعثة من الأنشطة البشرية ولكن سرعان ما خابت آمالهم بعد صدور بيان هزيل عن القمة,كشف أن كوبنهاجن كانت مظاهرة بلا ثوار ولا أهداف ولا نضال حقيقي من كافة الأطراف لإنقاذ كوكب الأرض,لقاء لم يتوصل فيه المجتمعون الذين شاركوا من أكثر من 194 دولة في العالم,وعددهم خمسة عشر ألف مشارك,إلي حل جذري لمشكلة ما بعد انتهاء بروتوكول كيوتو في عام 2012,والمعمول به حاليا,والذي أقره مؤتمر الأطراف الثالث في مدينة كيوتو اليابانية في ديسمبر عام 1997,حيث وضع الإطار القانوني الدولي لإلتزامات الدول تجاه إجراءات تخفيف الانبعاثات وحدد للدول الصناعية وغير الصناعية مجموعة التزامات محددة النسب لتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة-الغازات المسببة للاحتباس الحراري-بمعدل5.2% بحلول عام 2012 مقارنة بمعدلاتها في عام 1990, بينما أعفيت الدول النامية من أية التزامات-في ذلك الوقت,وهذا هو جوهر الاختلاف في الموضوع لأن التسوية التي تم التوصل إليها في مؤتمر بالي عام 2007 نصت-من حيث المبدأ- علي تحمل الدول الصناعية ومنها الولايات المتحدة التزاماتها في تخفيف الانبعاثات,وتقديم الدعم الفني والمالي والتقني للدول النامية لتقوم من جانبها بواجبها الدولي في تخفيف الانبعاثات ضمن شروط مرنة ولم يوضع في الحسبان نهوض دول أخري صناعيا كالصين والهند.وهو ما تراه أمريكا اتفاقا ظالما لها,خاصة أن الصين تنتج حاليا انبعاثات توازي ماتنتجه أمريكا بينما تصنف الصين دولة نامية فلا تتحمل أي التزامات بينما يلزم أمريكا باعتبارها دولة متقدمة.دخل الاتفاق حيز التنفيذ في 16 فبراير عام 2005 عقب انضمام روسيا,الذي أعطي الشرعيةللاتفاق بعد أن وصل نصيب الدول المصادقة عليه إلي60% من إجمالي الانبعاثات المسجلة سنة1990 وكان من المنتظر أن يتم تحديد ملامح العمل الدولي المشترك لما بعد عام 2012 خاصة بعد انضمام كافة الدول حتي أمريكا,وفي انتظار الوصول لنقاط حاسمة عقد الجميع الآمال علي ههذه القمة لإنقاذ كوكب الأرض لكن تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن.تري ماذا حدث علي مائدة المفاوضات في كوبنهاجن؟هذا ما ستجيب عليه السطور التالية.
إقرار حدود قصوي جديدة لانبعاثات الغازات المسببة لتغير المناخ من جانب الدول الصناعية,أحد أهم القضايا التي تم طرحها علي أجندة كوبنهاجن مع إلزام الدول النامية بأهداف رقمية محددة لخفض انبعاثاتها,وكذلك المسائل الخاصة المتعلقة بالتمويل ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات وإجراءات التخفيف والتكيف.وهو الأمر الذي قلص فرص نجاح التوصل لاتفاق في كوبنهاجن بسبب صعوبة تلبية المتطلبات السياسية لكافة الدول والتجمعات الاقتصادية يقول الدكتور سيد صبري منسق الاتصال الوطني باتفاقية تغير المناخ والذي حضر المفاوضات :حاولت الدول المتقدمة تفريغ الاتفاق من كل التزامات بروتوكول كيوتو وتوقيع اتفاقية جديدة بعيدة عنه فلم يحدث أي تقارب في وجهات النظر,وحتي الاتفاق الذي تم التوصل إليه غير ملزم فهو بمثابة الإعلان السياسي وحتي لم يرق إلي الإعلان السياسي بعدما هاجمت الدول النامية الاجتماع الأخير الذي حضره رؤساء 29 دولة لم تكن مصر ضمنها دون الدول الـ 194 وأعلنت الدول النامية أن هذا الاتفاق لايمكن أن يكون ملزما بسبب عدم حضورنا مفاوضات إقراره وهو بمثابة إحاطة بما يتوجب علينا عمله في المستقبل.
يضيف د. صبري:لقد نص الاتفاق علي خفض كل الدول لانبعاثاتها خاصة الصين والهند والبرازيل علي أن تتم مراجعة جهود الخفض من خلال البلاغات الوطنية التي تقدمها كل دولة بعد مراجعتها دوليا ,ووضع الاتفاق شرطا لمد الدول المتقدمة بالمنح اللازمة للتكيف في الدول النامية,وهو ارتباط التمويل بجهود الخفض,ولم يتضح في الاتفاق آلية التمويل ليظل كلاما هلاميا وهذا مايفرض قيودا شديدة علي الدول النامية إذ لعبت الدول المتقدمة لصالح مصالحها الاقتصادية فقط بغض النظر عن مصير الأرض كلها!!
رأي العلماء
الدكتور مصطفي كمال طلبة العالم والخبير البيئي :فشلت قمة كوبنهاجن,فالبيان هزيل جدا وكل ما جاء به هو ضرورة أن يتم خفض درجة حرارة الأرض درجتين مئويتين يقولطب أزايلم يضع المجتمعون من الرؤساء والقادة آلية ولا جدولا زمنيا للخفض ولم تكن كوبنهاجن إلا مجرد مظاهرة.يكمل طلبة مستنكرا:مافيش حد يتفاوض بالشكل ده المفاوضات لازم تكون علي أسس ومباديء وده ماكنش موجود لابد أن يتم التشاور وتتم المفاوضات قبل موعد اللقاء التالي في نهاية العام القادم في المكسيك وإلا لن يصل أحد لحلول.
الوثيقة السرية
تم تسريب وثيقة تشير إلي أن أفضل صفقة يمكن التوصل إليها لن تنجح في تقليص الزيادة في درجة الحرارة إلي مادون الدرجتين المئويتين,وهو الأمر الذي أحبط القادة المشاركين بالقمة وعجل بفشلها تستنتج الوثيقة أنه حتي لو تم تنفيذ أفضل ما تقدمت به من تعهدات فسيبلغ الارتفاع في درجة الحرارة 3 درجات مئوية ونقلتوكالة أسوشيتدبرسللأنباء عن مسودة سرية للأمم المتحدة ,قالت إنها حصلت علي نسخة منها,فحواها أن التنبؤات تشير إلي أن حرارة الأرض سترتفع خلال العقود المقبلة بمعدل ثلاث درجات مئوية مقارنة بمتوسط الارتفاع قبل فترة الثورة الصناعية ويقول العلماء إن ارتفاعات كهذه قد تؤدي إلي ارتفاع منسوب البحار علي نحو كارثي وهو ما يهدد الجزر والمدن الساحلية,ويؤدي إلي خسارة النبات والحيوان ويدمر مجتمعات زراعية في العديد من دول العالم حتي لو التزمت كل الدول بما عليها من تخفيض انبعاثاتها ويشار إلي أن العالم ينتج حاليا نحو 38 مليار طن من الغازات الملوثة للأجواء سنويا وأن الرقم قد يرتفع,حسب تقدير خبراء وعلماء البيئة والأرصاد الجوية,إلي نحو 54 مليار طن بحلول عام 2020 وتقول هذه الوثيقة إن علي العالم السيطرة علي هذه الانبعاثات لتكون عند مستوي 44 مليار طن سنويا أو أقل حتي يمكن الحد من ارتفاع الحرارة وجعلها لاتزيد علي درجتين مئويتين أو أقل .
تباين ردود الأفعال بعد البيان الختامي
بينما كان المسئولون الدانمركيون يعلنون البيان الختامي أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي انضم إلي محادثات مؤتمر المناخ بكوبنهاجن في يومها الأخير أن أمريكا ستواصل العمل من أجل هذه القضية وعلي استعداد للعمل مع دول أخري لتوفير مائة مليار دولار سنويا لمساعدة البلدان النامية علي احتواء ظاهرة التغير المناخي,أما الاتحاد الأوربي فتعهد بخفض 20 في المائة من الإنبعاثات يمكن أن تزيد إلي 30 في المائة إذا تعهدت الدول الأخري بزيادة نسبتها,كل التعهدات واجهت انتقادات من الدول النامية بسبب غياب ما أسمته الأخيرة بالشفافية أثناء المفاوضات إذ رفض رئيس مجموعة الـ77 التي تضم الدول النامية السوداني لومومبا دي إبينج الاتفاق ووصفه بأنه يشكل تهديدا لمواثيق وأعراف الأمم المتحدة ويضع الفقراء في حال أسوأ,وأكد أن السودان لن يوقع مطلقا علي معاهدة تدمر أفريقيا,مشيرا إلي أن هناك عددا كبيرا من الدول الفقيرة التي ترفض ماتم التوصل إليه في كوبنهاجن.
اقطعوا أيديهم
أقسي العبارات المناهضة للاتفاق جاءت علي لسان مندوبة فنزويلاكلوديا ساليرنو كالديراالتي خاطبت رئيس الوزراء الدانمركي لوكي راسموسن-رئيس المؤتمر-بقولها:إن الاتفاق يشكل مصادقة علي انقلاب ضد الأمم المتحدة ويتعين علي من يريدون الكلام وإثارة نقطة نظامقطع أيديهم وتركها تنزففي دلالة علي الآثار الكارثية التي سيخلفها الاتفاق علي مستقبل البشرية.
خيانة المسيح
وانضم إليهاإيان فرايمندوب جزيرة توفالو الواقعة في المحيط الهادي والمهددة بالغرق بسبب ذوبان المناطق القطبية المتجمدة بفعل ارتفاع درجة حرارة الأرض,عندما وصف الاتفاق بأنه لايختلف كثيرا عن خيانة المسيح وتسليمه مقابل حفنة من المالمؤكدا أن مستقبل بلاده ليس معروض للبيع, كما انتقد دعاة البيئة اتفاق الحد الأدني لمعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري,وحلق عدد من الناشطين رؤوسهم تعبيرا عن خيبة الأمل من النتائج التي خرجت بها قمة كوبنهاجن.
فشل بامتياز:
علي الجانب الآخر وصفت منظمة السلام الأخضر في بيان صدر بعد اتفاق اللحظة الأخيرة ,مؤتمر كوبنهاجن بأنه كان فاشلا بامتياز وعجز عن التوصل إلي اتفاق يقترب حتي مما هو ضروري للسيطرة علي تغير المناخ بما في ذلك وضع جدول زمني واضح وتفويض لمعاهدة ملزمة,معربين عن خيبة أملهم من الدور السلبي للاتحاد الأوربي.
وفي حين أعربت الدول الغربية عن خيبة الأمل في القمة راحت الآسيوية تعرب عن الارتياح أن القمة توصلت إلي احترام مبدأالمسئولية المشتركة لكن المتنوعةوالتي تعترف بالفروقات الاقتصادية بين الدول الناشئة والغنية!!إذ التزمت الصين بخفضكثافتها الكربونيةالانبعاثات الملوثة لكل وحدة في إجمالي الناتج الداخليبنسبة 40 إلي 45% بحلول 2020 مقارنة بما كانت عليه في 2005 والتزمت جاكرتا بخفض 26% من الانبعاثات بحلول 2020 مقارنة بما كانت عليه في.2005
واعتبرت بنجلادش وهي الأخري مهددة بشكل خاص بالتغيرات المناخية علي لسان رئيسة وزرائها الشيخة حسينة,اتفاق كوبنهاجن ناجحا ونتيجة معقولة,أما الرئيس الإندونيسي سوسيلو بامبانج يودهويونو فقال هذا الاتفاق يفتح طريقا للمفاوضات التي ستجري في ألمانيا منتصف 2010دون مزيد من التفاصيل ويفترض أن تحتضن بون مؤتمر متابعة لكوبنهاجن بعد ستة أشهر.
ويبقي السؤال….بعد اختلاف القادة وفشل القمة وضياع الملايين من الدولارات علي انعقادها وتبديد الوقت والجهد وانتصار صوت المال علي صوت الإنسانية ومستقبل الأرض والدعوات لإنقاذها,ماذا تجدي المصالح الاقتصادية إذا ما حلت الكارثة؟ ماذا ستجني الدول المتقدمة إذا ما انهار كوكب الأرض حاملا كل ما عليه إلي الفناء؟!!