وقف وراء قصة بناء هذا القصر, والذي يعد نموذجا نادرا لقصور العصر المملوكي, بطل شجاع محب للعلماء وهو الأمير سيف الدين عبدالله طاز أحد الأمراء البارزين لعصر دولة المماليك البحرية.
يقع قصر الأمير طاز بالقاهرة بمنطقة الخليفة بالقلعة بشارع السيوفية المتفرع من شارع الصليبة, وقد بني علي أنقاض بيوت اشتراها الأمير طاز من أهلها أو أخذها عنوة, وأشرف الأمير منجك علي عمارة القصر بنفسه, وكان القصر عند إنشائه عبارة عن فناء أوسط كبير خصص كحديقة للقصر, يتوزع حوله جناح الحرملك والمقعد واللواحق والتوابع والإسطبل.
ولم يتبق من القصر الآن إلا الواجهتان (الرئيسية المطلة علي شارع السيوفية, والخلفية التي تطل علي درب الميضأة حارة الشيخ خليل) والمقعد, وهم من تجديدات علي أغا دار السعادة, وبقايا قاعات الحرملك التي تهدم أغلبها, هذا بالإضافة إلي القاعات المستحدثة التي استخدمت كمخازن أو قاعات دراسية.
ترميم واكتشافات
تعرض القصر للتهدم جراء فعل الزمن, خاصة بعد زلزال سنة 1992, لذا كانت عمليات الإنقاذ سريعة لتحمي هذا الصرح من الانهيار الكامل, وباشر وزير الثقافة فاروق حسني علميات الإنقاذ التي تتم للقصر, والذي تم ترميمه بكفاءة عالية, وكان خلال الترميم مزيد من المفاجآت وذلك من خلال الاكتشافات الأثرية المهمة.
ونتج عن عمليات الترميم وإزالة الأتربة والمخلفات عن القصر اكتشاف العديد من العناصر الخشبية والمعدنية والحجرية التي كان لها أكبر الأثر في عودة القصر إلي رونقه القديم بنفس مكوناته الأصلية علي قدر المستطاع.
ومن أهم العناصر الأثرية للقصر التي خضعت لعمليات المعالجة والترميم الأخشاب الزخرفية أو الصماء والعناصر الرخامية والمعدنية والطبقة الجيرية التي تكسو الحوائط وكذلك الطوب والأحجار التي تم بناء الجدران بها فضلا عن الكتابات والرسوم التي كانت تعلو القطع والشرائط الخشبية والكتل الحجرية.
وأصبح القصر الآن وبعد ترميمه مركزا ثقافيا مهما تقام به ورش فنية وندوات ثقافية وأنشطة عديدة.
وصف القصر
تبلغ مساحة القصر الإجمالية أكثر من ثمانية آلاف متر مربع, وللقصر قاعاتان, قاعة سفلية وقاعة علوية, القاعة السفلية امتلأت بالصلبات التي شيدت لدرء الخطورة قبل دخول مشروع ترميم القصر ضمن مشروع تطوير القاهرة التاريخية, أما القاعة العلوية لم يتبق منها إلا الجدار الشمالي الشرقي, وكانت القاعة قبل تهدمها عبارة عن دور قاعة وإيوانين يتوسط الدور قاعة نافورة, وكان يسقف الدور قاعة قبة خشبية, ويسقف الإيوانين سقفان مزخرفان, أما جدران القاعة فكانت مغطاة بطبقة من الجص التي تبين أن الحوائط كانت مبنية بالحجر واستكملت بمداميك من الآجر حتي السقف, وتشرف كتلة الحرملك علي الفناء بشبابيك من الخشب البغدادلي يعلوها ثلاثة شبابيك مستديرة قمريات.
أما الإيوانات المطلة علي الدر قاعة فهي الإيوان الشمالي (البحري), وهو إيوان مربع كان يغطيه سقف ذو زخارف هندسية من أطباق نجمية وزخارف نباتية أسفله إزار خشبي يشتمل علي زخارف نباتية, ويحيط بالإيوان عند أسفل مستوي رجل العقد الحامل للشخشيخة شريط كتابي منفذ بالحفر علي الخشب الملون, والإيوان الجنوبي (القبلي), وهو عبارة عن مساحة مستطيلة كان يغطيها سقف خشبي مزخرف بزخارف هندسية ولكنه مفقود.
وتوجد بالجهة الشمالية من الحمامات العلوية الملحقة بالقاعة الرئيسية وذلك لتخدم احتياجات الطوابق العلوية للقصر وتمدها بالماء اللازم لها, وعدة الساقية مفقودة ولكن البئر التي تغذي الساقية بالماء وحوض التجميع موجودان وقد تعدي أهالي المنطقة المجاورة عليه بالبناء الأمر الذي جعل من الصعب تحديد معاله قبل عمل الحفائر.
يقع بالجهة الجنوبية الشرقية المقابلة للمدخل الكبير الرئيسي الإسطبل وتهدمت أغلب عناصره نتيجة للتعديلات التي أحدثت منذ عهد محمد علي حتي الآن.
أما المقعد, فتذكر وثيقة وقف علي أغا أن المقعد من إضافات علي قصر الأمير طاز وصفته بأنه ديواني وهو من مستويين مقعد أرضي ومقعد ديواني.
والمقعد الأرضي قسم حديثا إلي حاصلين, أما المقعد الديواني فيتوصل إليه من خلال سلم صاعد يؤدي إلي مدخل عبارة عن حجر غائر ذي عقد مدائني بسيط تكتنفه من أسفل مكسلتان حجريتان بينهما فتحة باب ذات عتب حجري تزينه أطباق نجمية يعلوه مستطيل تتخلله مستطيلات ومربعات مزينة بزخارف نباتية وهندسية وكتابية يؤدي المدخل إلي سلم صاعد يؤدي إلي المقعد.
وهناك قاعات ملحقة بالمقعد, فقد فتح علي المقعد ثلاثة أبواب تؤدي إلي قاعات استحدثت أثناء استخدام القصر كمدرسة, وهناك بعض القاعات التي شيدت بالمنطقة التي تعلو المدخل الرئيسي للقصر ولكن نظرا لكثرة التعديلات التي حدثت عليها والاستخدامات التي استخدمت بها أفقدتها أغلب عناصرها ولم يتبق لنا سوي بعض الجدران الخالية.