التسامح… الاحترام… قبول الآخر لا تزال مبادئ لا تلقي الاهتمام الواجب من غالبية أسرنا المصرية لترسيخ مبدأ المواطنة الحقيقية علي أرض الواقع لتصبح المواطنة شعارات تردد, كلمة جميلة يعرف فقط قيمتها من يؤمن بها لتتصاعد الأحداث وتتلاحق من حولنا بما يضيف من جملة المآسي المروعة ما يجعلنا نقلق علي أحب ما نملك وهم أطفالنا الصغار باعتبارهم الأمل الباقي وسط إشكالية عدم اقتناع الأهل بقيمة المواطنة, والسؤال هل من بديل لتعويض الحلقة المفقودة حيث غياب دور الأسرة أم يتركون هكذا يلقون بذات المصير في جو يحض علي الكراهية ونبذ الآخر؟
المواطنة تعني قبول الآخر
قال د. جمال شحاتة- أستاذ علم الاجتماع جامعة حلوان إن للمواطنة قيمة إذا أدركنا أهميتها لمجتمعنا يخلق مواطنا صالحا للمجتمع, وهو أمر ليس بالهين إلا بوجود منظومة متكاملة تساهم فيها الأسرة مرورا بالمدرسة والجامعة والمؤسسات الدينية لزرع قيم المواطنة وغرسها في نفوس أطفالنا ولا سيما من الصغر في عملية التنشئة الاجتماعية من خلال تربية الأسر أطفالهم علي المحبة والتسامح والاحترام وقبول الآخر حيث إدراكهم مسألة الاختلاف بشكل عام في كافة مناحي الحياة منهم مثلا من هم مختلفين معنا في الشكل وفي اللون وفي العقيدة وفي المستوي الاجتماعي وفي نوع الجنس, وبالتالي سيتيح عنه اختلاف في الأفكار وفي العقائد وفي الطقوس وفي السلوكيات وهو شئ طبيعي علينا تقبله واحترامه. موضحا أن الإشكالية تكمن في عدم اقتناع الأهل بالمواطنة من الأساس ومن ثم التعامل مع أطفالهم بشكل تعسفي يحض علي الكراهية تجاه الآخر لنقع ضحايا وأسري أحداث طائفية مؤسفة كان من الممكن تجنبها لولا التنشئة المجتمعية المغلوطة التي ساهمت بشكل كبير في تفجر الأزمات لتشحن النفوس, غافلين أن المواطنة الحقيقية جزء من الوطن والمواطنة تعن ألا يحرم أحد من حقه بسبب دينه أو لونه أو نوعه.
غموض مفهوم المواطنة… إشكالية
تحدث د. نصيف فهمي- أستاذ الاجتماع بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان أن الإشكالية من الأساس نابعة من عدم اقتناع الأسرة بالمواطنة الحقيقية نتيجة غموض المفهوم لديها ومكوناته والجهل بقيمة غرس قيم المواطنة لدي أطفالها, ويتضح ذلك بعدم محاولتها التأكيد علي أهمية المواطنة لدي أفرادها كفتح مجال للحوار حول هذا المفهوم رغما عن كون المواطنة إدراك الإنسان للحقوق والواجبات وكيفية تأكيد الانتماء الحقيقي للمجتمع ومن ثم قدرته علي التعايش مع مجريات الأمور بالشكل الذي يؤكد علي كونه مواطنا نافعا للمجتمع, ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل وصل بأن تؤكد الأسر علي ما يتعارض مع مفهوم المواطنة والانتماء بقولها هي يعني البلد دي عملت لنا إيه أو عيش حياتك ومايهمكش حد وغيرها من الأقاويل بما يرسخ في عقلية وأذهان أطفالنا بأن الحياة ملك لهم فقط ولا أحد شريك لهم فيها وهنا خطورة كبيرة أن لم ننته لما نبثه في نفوسهم سواء عن جهل أو عن عمد بعدم ترسيخ مبدأ المشاركة والمساواة وقبول الآخر, وكان من الأولي زرع بذور صالحة لنجني ثمارا ناضجة وهو ما لن يتحقق إلا إذا أمسكت الأسر بأيدي أبنائها لتبسيط المفاهيم لديهم تجاه ما يتابعوا من أحداث وما تشاهدونه علي شاشات التليفزيون, ومحاولة عدم تجاهل تفسير العوامل المؤدية لهذه المواقف وتوعيتهم بأنهم كأطفال وكشباب فيما بعد لهم دور في تفعيل قيم المواطنة وأننا جميعا شركاء في هذا الوطن مكان نعيش فيه ويعيش فينا وحبه يعني تفضيل مصلحته العامة عن المصالح الشخصية.
كما ينبغي عليهم الوضع في الاعتبار أن أبناءهم ينظرون لهم بكونهم القدوة والمثل الأعلي بما يعني التأكيد علي قيم المواطنة في سلوكهم الشخصي حتي ينتقل تلقائيا لأبنائهم كقيمة ومبدأ للحياة ولكن مثلا في إصرارهم أمام أبنائهم علي المشاركة في الانتخابات والادلاء بأصواتهم عند صناديق الاقتراع ووعيهم أن للمواطن صوتا يسأهم به في إحداث التغيير.
البديل لإنقاذ أطفالنا
ألقي د. غريب عبد السميع- أستاذ علم الاجتماع جامعة حلوان الضوء علي دور المدرسة والجامعة والمؤسسات الدينية في تعويض الحلقة المفقودة لدي أطفالنا بغياب وعي الأهل بقيمة المواطنة وغرسها في نفوس أبنائهم بقوله: إن للمدرسة والجامعة دورا من خلال الأنشطة الجماعية والجماعات الوطنية لتأكيد مفهوم المواطنة. كما أن عملية تنقيح المناهج التعليمية وغربلتها وإضافة دروس جديدة من شأنها ترثي مبادئ المواطنة بات أمرا ضروريا لخلق جيل جديد بنفوس صافية متسامحة لديها القدرة علي قبول الآخر.
هذا إلي جانب دور المؤسسات الدينية بعقد لقاءات مع بعض الخبراء لإرساء ذلك المبدأ مع دور الأحزاب السياسية وتأكيدها علي المواطنة.فضلا عن دور وسائل الإعلام وضرورة الارتقاء بمستواها المهني منعا للتحريض والاستعداء وتقديم المواد الإعلامية المتنوعة التي تدعو للتسامح وذلك كله يصب في النهاية في تيار وطني حقيقي يرسخ قيم ومفاهيم المواطنة في نفوس جميع أفراد المجتمع صغارا وكبارا.