يبدو أن المصريين تعودوا الغضب حتي أنهم يتظاهرون وكل منهم يرسم ابتسامة عريضة وكأنه في حفل بهيج وليس في تظاهرة غضب,والبعض يتابع في دهشة قائلاهو فيه أيه الناس دي بتعمل كده ليهوالبعض الآخر لايكترث نهائيا بما يجري فينظر إلي المجموعات المحتشدة هنا وهناك ولسان حالة يقولدع الخلق للخالق خلينا نشوف أكل عيشناهكذا تباينت ردود الأفعال الأثنين الماضي 6 أبريل ..استطلعنا الرأي وماتردد علي ألسنة الناس فكان التحقيق التالي:
أمام مبني قلعة الحريات-نقابة الصحفيين إضراب عام دعت إليه النخبة المثقفة والنخبة المعارضة وحتي بعض المجموعات غير واضحة الانتماء,وذلك لإحياء ذكري 6 أبريل العام الماضي حين تظاهرت مجموعة من الشباب استجابة لحملة علي موقعالفيس بوكبشبكة الإنترنت للمطالبة بعدة حقوق.
قوات الأمن انتشرت في الميادين الرئيسية وأمام المؤسسات الحساسة في القاهرة.وفي الجامعات مجموعات المتظاهرين لاتتعدي المائتي متظاهر متفرقين في أنحاء عديدة يرفعون لافتات تحمل مطالبهم ويرددون هتافات ضد النظام والحكومة والأمن.بعضهم يردد الهتافات في حماسة والبعض الآخر يقف لايفعل شيئا سوي هز رأسه مع إيقاع الهتافات الرنانة ذات السجع العالي.
اقتربت من أحدهم لأسأله:لماذا تتظاهر وماذا يمثل لك يوم الغضب؟قالأنا مش عايز حاجة غير أني أعيش كويس وآكل كويس وألاقي شغللفت انتباهي عن بعد أحدهم يهتف في حماس -بهاء صابر- فأسرعت إليهما الذي يدفعك لكل هذا الحماس إذ تبدو مختلفا.فقال:نعم أنا مختلف لذلك كل مرة يتم اعتقالي بعد التظاهر..قلت:إلي من في الحركات المنظمة تنتمي؟
قال:ولا أحد أنا وحدي أبغي التعبير عما في نفسي.
قلت:وماذا تعمل؟
قال:طبعا عاطل عندك شغل؟
أحنيت رأسي ورحلت عنه لأتعرف علي مطالب حركة 6 أبريل .قال أحد منسقيها الذي رفض ذكر اسمه من منطلق أن اسم الحركة هو الأبقي:ما نفعله احتجاجا سلميا علي تفشي مظاهر الفساد والاستبداد والظلم الاجتماعي… ولسنا وحدنا بل انضمت إلينا العديد من القوي السياسية الأخري من منظمات المجتمع المدني وأهمها حزب الغد,وكفاية وشباب المعارضةوحزب الجبهة,والنقابات المهنية والعمالية وحركة مواطنون ضد الغلاء.
حقنا وهناخدة
من جانبه أكد محمود العسقلاني المتحدث الرسمي باسم حركةمواطنون ضد الغلاءالحركة لها مطالب مهمة وموضوعية حتي يمكن مواجهة الغلاء بشكل عملي بعيدا عن حالة العراك بين المعارضة والحكومة,تتلخص في تبني القوي الوطنية والأحزاب ورموز الأمة ونواب الشعب المحترمين بمختلف توجهاتهم تعديلا تشريعيا جذريا لقانون ما يسمي بحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
تراوحت كذلك قائمة المطالب التي وضعها منظمو الإضراب بين المطالبة بجعل حد أدني للأجور 1200 جنيه مصري شهريا وتحسين نظام التعليم المدرسي وتحسين وسائل النقل والمواصلات وتعزيز استقلال القضاء ووقف تصدير الغاز الطبيعي المصري إليإسرائيلوإعادة الأقلية النوبية إلي مكان توطنها الأصلي.إذ بدأت الدعوة للإضراب قبل أسابيع تحت شعارحقنا وهناخده.
منظومة دراسية
فيما أوضحت رشا فتحي شابة من حزب الغدلنا مجموعة مطالب هي تفعيل مجانية التعليم ورفع كفاءة الخدمات الطلابية,ورفع القيود عن الأنشطة الطلابية وتطوير النظام التعليمي من خلال منظومة دراسية سليمة واستبدال الحرس الجامعي بحرس منشآت مدني تابع لإدارة الجامعة,والإفراج عن الطلاب المعتقلين,ورغم هذه المطالب إلا أن الشرطة اشتبكت مع المحتجين في جامعة عين شمس واعتقلت 15 طالبا تظاهروا للمطالبة بخفض المصاريف الجامعية. وكان الأمن قد ألقي القبض علي الطالبتين سارة رزق وأمنية طه لاتهامهما بتوزيع منشورات داخل جامعة كفر الشيخ تدعو للإضراب وتكدير الأمن العام,وتظاهرت مجموعة من الشباب الذين اعتقلوا عشية الإضراب أمام محكمة في مدينة كفر الشيخ.للإفراج عن سارة وأمنية.
في اتجاه آخر قامت قوات الأمن بالمنوفية بإلقاء القبض علي المنسق العام لحركة كفاية ممدوح النظامي,واعتقال أربعة طلاب آخرين,كما احتجزت قوات الأمن في الإسكندرية الناشط تامر سعيد داخل قسم شرطة المنشية علي خلفية توزيع بيان 6 أبريل ,فيما تم عرض المدون عبد الرحمن فارس علي نيابة الفيوم بعد إلقاء القبض عليه لوضعه ملصقات تدعو للمشاركة في الإضراب وتستكمل نيابة كفر الشيخ التحقيقات مع تسعة من الناشطين..المقبوض عليهم علي خلفية الإضراب.
وعن مشاركة جماعة الإخوان المسلمين في فعالياتيوم الغضببصورة رمزية يقول محمد عبد القدوس: شاركت الجماعة عن طريق مشاركة عدد من طلبة الجامعات الأعضاء في الجامعة.في الوقت نفسه قرر عدد من نواب المعارضة,وأغلبهم من الإخوان المسلمين مقاطعة جلسة البرلمان التي من المقرر أن يتحدث فيها رئيس الوزراء أحمد نظيف وكثير من الصحفيين الذين لهم انتماء للجماعة شاركوا لكن للأسف الناس لاتسمع ولا تنتبه للاحتجاج,فالشارع أصبح مغيبا والمواطن البسيط يريد من يشرح له في هدوء ما يتفق مع الصالح العام.
لماذا فشل الإضراب؟!
يرجح البعض فشل الإضراب بسبب غياب العمال عنه بسبب نجاح قوات الأمن في منع التظاهر أمام اتحاد العمال…يقول محمد منيب الناشط الحقوقي والمحامي:في تقديري هذا الإضراب لم يفشل رغم أنه لم يحدث إضراب,فالمصريون منذ 6 أبريل 2008 أصبح لديهم نموذج الاحتجاج السلمي كقرين لعنف الشرطة وحملات الاعتقال خاصة بعد احتجاز 700 من المواطنين الذين لا دخل لهم بالسياسة العام الماضي وإحالة 100 منهم للمحاكمة بما ينعكس علي قرار المواطن المصري بالمشاركة من عدمه فهو بطبيعته مسالم يبتعد عما يسبب له المشاكل حتي لو كان الثمن التنازل عن حقه.
وهل نجح؟
ما حدث علي شبكة الإنترنت قبل يوم 6 أبريل بشهر من دعوة قوية جعلت كل الأحزاب تفكر في ما إذا كانت تساهم في الإضراب أم لا,كما أنضمت للإضراب حركات غير سياسية فأصبح هناك نوع من الوعي الجماعي والضمير العام تجاه الإضراب وهذا نجاح,إلا أن الأمن نجح في قمع المظاهرات خاصة عندما أغلق لفترات طويلة خلال اليوم منطقة شارعي رمسيس والجلاء لمنع التظاهر أمام اتحاد العمال.
ساهم أيضا في تقليص المشاركة التهديدات التي تلقاها الموظفون في إداراتهم في المصالح الحكومية المختلفة من مديريهم وهو ما أصل الخوف فيهم بشكل أقوي,فالناس تخشي علي أرزاقها لذلك أري الإضراب لم يفشل لكنه لم يحقق نجاحا ساحقا بسبب الخوف.
ما يشوه السياسة
وعن استخدام العبارات التي تحمل سبابا وإهانات لأشخاص بأعينهم من الحكومة أو النظام يقول منيبلايمكن لأي حقوقي أن يكون ضد التظاهر السلمي أو الإضراب وعلي الإدارة الحكومية إفساح المجال له كوسيلة للتعبير عن الرأي ولكن هناك فرقا بين الاحتجاج والسب والقذف أثناء الهتافات وهو أمر لايمت للعمل السياسي بصلة وإنما يشوه السياسة,بل وينم عن غياب الوعي السياسي ولايمكن لصاحب قضية استخدام عبارات تهين الآخرين حتي لو اختلفنا معهم سياسيا.
دستور جديد
علي الجانب الآخر أعلن الدكتور أيمن نور مؤسس حزب الغد في البيان الذي ألقاه أمام مجلس الدولة -أحد أماكن التظاهر ووضع دستور جديد وتأسيس جمعية يتم انتخاب الثلثين وأختيار الثلث الباقي من أساتذة القانون وقضاة المحكمة الدستورية,تقوم بوضع هذا الدستور خلال عام وفقا للمعايير الدولية الخاصة بالحقوق والحريات,أيضا العودة إلي تعميم آلية الانتخاب في قطاعات عديدة,وضبط الوضع القانوني والقضائي بإلغاء قانون الطواريء والتشريعات الاستثنائية,وإعادة توصيف مفهوم دقيق ومحدد لدور مؤسسة الرئاسة والتخلص من ملامح دولة الرجل الواحد,ومساءلة الرئيس ونائبه أمام المؤسسات الدستورية والبرلمانية,وتحرير ملكية وسائل الإعلام,والإعلان عن حزمة من السياسات لمواجهة الفساد وحماية المال العام,وإزالة جميع العوائق أمام التداول السلمي للسلطة,وقطع الطريق أمام مشروع التوريث,والسعي لتحقيق الدولة المدنية وغيرها من المطالب التي تنص عليها مبادرةإعلان القاهرة للديموقراطيات والإصلاحالذي ألمح إليها أيمن نور في وقت سابق.
مافيش فايدة
عندما توجهنا للمواطنين البسطاء في الشارع المصري وجدنا أن بعضهم لم يسمع نهائيا عن الإضراب ,والبعض الآخر غير مهتم…أما الغالبية العظمي فتعلم ولا تكترث بما سيحدث إذ قال أحدهمعملنا إضراب معملناش إضراب مافيش حاجة بتغيرمافيش فايدة.
قال آخر كان يقف متابعا للمظاهرات عن بعدالأمر الغريب أن معظم المتظاهرين خاصة من القادة كبار السن أثناء هتافهم يضحكون ويتبادلون التحية ولايبدو عليهم أي غضب في يوم الغضب.
تري ألهذا الحد يعي الشارع المصري أم إلي هذا الحد غاب الوعي عنه؟…سؤال قد يجيب عليه إضراب العام القادم.