استؤنفت المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد سنة ونصف السنة من الجمود الذي بدأ بعد أن أطلقت إسرائيل هجمة عسكرية مدمرة علي قطاع غزة في شهر ديسمبر من سنة .2008
وجاء استئناف المفاوضات نتيجة لجهود حثيثة ومثابرة من جانب الإدارة الأمريكية, ومن قبل الرئيس باراك أوباما بالذات وبدعم فلسطيني وعربي ودولي واسع.
وتوفر هذه الجولة من المفاوضات فرصة الساعة الأخيرة لتحقيق سلام دائم مبني علي حل الدولتين. وحتي لا تضيع هذه الفرصة هناك حاجة للشجاعة والقيادة الحكيمة.
ورغم الواقع القاسي المفروض علينا, ينوي الجانب الفلسطيني التفاوض بنية حسنة بهدف إنهاء حالة النزاع التي ابتليت منطقتنا بها لمدة طويلة. لقد شكل بالنسبة لي تحقيق السلام والتعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين التزاما طوال حياتي, وقد أصبحت أومن منذ فترة مبكرة بأن النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي لا يمكن حله في غياب الحوار والتفاوض, ومن ثم فقد أرشدت هذه الرؤية تفكيري وعملي السياسي معا خلال السنوات الخمس والثلاثين الماضية.
وكنت أول القادة الفلسطينيين الذين أسسوا وشجعوا الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ فترة بدأت في سبعينيات القرن الماضي. وكان من شأن النشاطات المبكرة في الاتجاه, أن مهدت السبيل لتوقيع معاهدة أوسلو عام 1993, وقد عملت منذ ذلك الوقت بجد مع زملائي في القيادة الفلسطينية لإنهاء النزاع وتحقيق السلام الدائم. ومنذ أن توليت مقاليد السلطة لم أغادر يوما أية مفاوضات جادة, ولا أنوي أن أفعل ذلك مستقبلا. إلا أنه لا يمكن الطلب منا أن نتفاوض إلي الأبد بينما يتراجع الواقع علي الأرض ويتدهور مع مرور كل ساعة.
تتطلب معاهدات أوسلو وخطط ومبادرات السلام التي تلت توقيع تلك المعاهدة, مثل خريطة الطريق التي رعتها الولايات المتحدة, تتطلب من إسرائيل أن تتوقف عن النشاط الاستيطاني في المناطق الفلسطينية المحتلة. إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استمرت بتوسيع المستوطنات وتعميق الاستيطان. ولم يتوقف تمدد هذه المستوطنات, التي يعتبرها المجتمع الدولي غير قانونية وتمثل عائقا أمام السلام, فتضاعف عدد المستوطنين ثلاث مرات منذ توقيع معاهدات أوسلو.
لا يمكن تحقيق مفاوضات ذات معني والنشاط الاستيطاني لإسرائيل متواصل في الوقت نفسه; لأن استمرار بناء المستوطنات لن يترك أرضا كافية لنا لإنشاء دولتنا المترابطة والقادرة علي البقاء. ولهذا السبب بالذات أصررت علي الحاجة لوقف النشاطات الاستيطانية كافة قبل استئناف المفاوضات المباشرة. فهؤلاء الذين يصرون علي استمرار النشاطات الاستيطانية لا يمكن أن يكونوا جادين في حل الدولتين أو في صنع السلام الشامل والعادل.
ولا تزال الإجراءات من طرف واحد تفشل احتمالات تحقيق اتفاقية سلام متفاوض عليها. لقد رفضت دائما الخطوات الأحادية من جانب أي من الطرفين. وأنا مستمر علي ذلك الرفض, بغض النظر عما إذا كان تلك الخطوات إعادة انتشار إسرائيلي من طرف واحد من غزة أو بناء المستوطنات الإسرائيلية أو جدار الفصل أو إعلان دولة فلسطينية من طرف واحد.
ونحن نقوم الآن, وبدعم كامل من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي, ببناء مؤسسات دولتنا المستقبلية, ونحرز تقدما عظيما في هذا المجال, ونحن مصممون علي عمل المزيد.
إننا ندرك أن الإسرائيليين قلقون فيما يتعلق بأمنهم. ولا شك في أن الحاجة إلي الأمن أمر له أهمية قصوي عند الشعبين معا. وإذا أخذنا بالاعتبار أن أمن إسرائيل وفلسطين أصبح أمرا واحدا لا يتجزأ تقريبا, فإن لدينا نحن الفلسطينيين مصلحة في رؤية الإسرائيليين يعيشون بسلام وأمن في دولتهم إلي جانب الدولة الفلسطينية. وإني أرفض أن يتم استغلال كفاح شعبي العادل من أجل الحرية من قبل متطرفين, بغض النظر عمن هم. وحتي يتسني دحر التطرف, يتوجب علينا جميعا مضاعفة جهودنا لتحقيق سلام دائم وعادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
لقد حان وقت الانفصال عن الماضي والتطلع قدما إلي المستقبل. ففي مبادرة السلام العربية, عرضت 57 دولة عربية وإسلامية السلام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلتها بالقوة في يونية عام 1967, وبقيت تحتلها منذ ذلك الوقت. لقد فشل قادة إسرائيل منذ ذلك الوقت في استغلال هذه الفرصة التاريخية, وهم يعملون بدلا من ذلك علي جعل حل الدولتين أمرا مستحيلا.
وإن لدي ثقة كبيرة في عدالة الشعب الأمريكي, الذي ناضل بشكل يدعو للإعجاب للحصول علي حريته واستقلاله والحفاظ عليهما. كذلك يريد الشعب الفلسطيني الحقوق نفسها التي كافح ويكافح من أجلها الأمريكيون: الحياة بحرية وأمن, وأن تكون هناك فرصة لعائلاتنا ولمن نحبهم ليعيشوا ويزدهروا.
لقد قدر للفلسطينيين والإسرائيليين أن يعيشوا معا. ليس حل هذا النزاع بشكل نهائي في مصلحة شعوب المنطقة فقط, وإنما هو كذلك ذو أهمية قصوي لصالح الولايات المتحدة الأمريكية أيضا. وإذا كانت هناك في يوم من الأيام قضية عالمية تستوجب الشجاعة والقيادة, فهي هذه القضية وفي هذا الوقت تحديدا.
رئيس السلطة الفلسطينية
نشرت في عدة صحف عربية وأمريكية