شهدت أحداث ميدان التحرير الدامية يومي 28 و 29 يونيه الماضي روايات وتحليلات متضاربة حول تفسيراتها , وتطوراتها , ونمط المصادمات الذي رافقها , استدعي قيام المجلس القومي لحقوق الانسان تشكيل لجنة موسعة للوقوف علي أبعاد هذه الأحداث ضمت مجموعة من أعضاء المجلس وباحثي مكتب الشكاوي , وشارك في اللجنة من أعضاء المجلس كل من جورج إسحق , وحافظ أبو سعدة , وعمرو حمزاوي , وناصر أمين , ومحسن عوض .
الذين أصدروا تقريرا شاملا عن الأحداث , بدءا من مسرح البالون , الي موقع اعتصام ماسبيرو , وإلي ميدان التحرير, ومخارج الميدان باتجاه وزارة الداخلية , وكذا المستشفيات التي أحيل اليها المصابون (مستشفيات أحمد ماهر التعليمي , والمنيرة و القصر العيني).
ووفقا لشهادات الشهود الذين تواصلت معهم اللجنة , ومعاينتها , والأدلة التي عرضت عليها لاحظت اللجنة أن جمعية الوعد الامين الأهلية قامت بتنظيم تكريم لبعض أسر الشهداء بمسرح البالون بالعجوزة مساء 28يونيه الماضي , وفوجئت بأعداد كبيرة من المواطنين ترغب في دخول هذا الحفل , وبينما أخطرهم منظمو الحفل بأن الدخول قاصر علي المدعوين بدعوات مسبقة , فقد أصروا علي اقتحام المكان عنوة , وقام بعضهم بالتعدي والتخريب لمرافق المسرح وتم تفريقهم من جانب الشرطة , فيما اتجه بعضهم إلي أسر الشهداء المعتصة أمام ماسبيرو منذ بضعة أيام , وجري إقناع بعض أسر الشهداء المعتصمين أمام ماسيبرو بالتوجه إلي مسرح البالون للمشاركة في حفل التكريم , وانخرط بعضهم في المشاجرات التي حدثت في المسرح ,وقامت الشرطة بفض المشاجرات , وألقت القبض علي عدد من الأشخاص من بينهم أم أحد الشهداء , واقتيدت إلي قسم شرطة العجوزة حيث تعرضت للضرب والإهانة , وأفرج عنها مساء نفس اليوم , ثم توجهت أعداد غفيرة من المتظاهرين باتجاه شارع نوبار , مع تخريب عدد من السيارات أثناء تقدمهم باتجاه محال رئيسية , ولم يقبلوا رجاء أصحاب المحال بعدم الاعتداء علي محالهم , مما دعا أصحاب بعض المحال والعاملين فيها إلي التصدي لهم بالتعاون مع قوات الأمن التي كانت موجودة علي مقربة من مكان الأحداث , وانضمام عدد من الشباب قدموا من منطقة عابدين لمنع هذا الاعتداء, وتراجع المهاجمون, واستخدموا الحجارة في قصف القوات الأمنية.
ولاحظ أعضاء لجنة المجلس القومي لحقوق الإنسان انتشار الحجارة وخاصة كسر الرخام , والزجاج في مساحات كبيرة في منطقة الأحداث ,واستمعوا إلي شهادات أشارت إلي تكديس أكوام من هذه الحجارة نقلتها سيارات لا تحمل لوحات معدنية وخاصة في الشوارع التي شهدت المظاهرات , وأن قوات الأمن استخدمت القنابل المسيلة للدموع بكميات كبيرة لتفريق المتظاهرين كما استخدمت طلقات الخرطوش , وأعادت رشق المتظاهرين بالحجارة التي القيت عليهم , كذلك استخدم المتظاهرون , كسر الحجارة , والاسلحة البيضاء , وزجاجات الملتوف.
أكد التقرير أنه لم يصل إلي علم المجلس وقوع أية وفيات , وأكدت الروايات الرسمية هذا , وبلغ أعداد المصابين , وفقا لوزارة الصحة , 1140 مصابا بينهم أكثر من سبعين مصابا من رجال الشرطة , وتراوحت الاصابات بين جروح قطعية , وإصابات بالخرطوش , واختناق جراء استخدام القنابل المسيلة للدموع من جانب الشرطة , وحرق إطارات سيارات من جانب المتظاهرين , وتم إسعاف معظم الحالات وانصرافها من المستشفي الميداني , والمستشفيات التي أحيلوا إليها , عدا حالات محدودة مازالت تخضع للعلاج من بينها حالة إسلام فتحي مخيمر (18 سنة صاحب بوفيه متنقل في ميدان التحرير) الذي سقطت عليه زجاجة مولوتوف خلال التراشق بين المتظاهرين والشرطة وأحدثت به حروقا بنسبة 60% من الدرجة الثالثة وفقا لتقرير مستشفي أحمد ماهر التعليمي.
لاحظت اللجنة أن هناك أشخاصا روجوا لشائعة مقتل محتجز من جراء التعذيب بوزارة الداخلية لحفز المتظاهرين لاقتحام الوزارة , فيما كان متظاهرون يتوجهون إليها لتقديم شكاوي بشأن اعتقال عدد من الأفراد من أمام مسرح البالون , كما أن نمط مهاجمة المتظاهرين للشرطة كان ينطوي علي الرغبة في الامتهان مثل نزع ملابس جندي جري اختطافه , ومحاولة إحراق أحد الجنود , وملاحقة بعض المصابين منهم الي المستشفيات للفتك بهم , وفقا لشهادة مدير أحد المستشفيات, واقتصر تعامل السلطات مع التظاهرات علي قوات الشرطة حتي مساء اليوم الثاني من الأحداث واتساع نطاق أعمال العنف , وعززت قوات الجيش الشرطة مساء اليوم الثاني.
احتقان لبطء المحاكمات
أكد المجلس علي أن هذه الأحداث وقعت في سياق مشحون بالاحتقان علي خلفية بطء إجراءات محاكمة المتهمين أو المشتبه فيهم بجرائم قتل المتظاهرين خلال أحداث الثورة, وشعور المصابين وأسرهم بعدم اهتمام الدولة والرأي العام بأوجه المعاناة التي يعيشونها , في غياب رؤية منهجية من قبل الدولة للتعامل مع ملف ضحايا الثورة وترك الأمر لمجموعة من المبادرات الأهلية غير المنظمة , كما أن الشعور السائد بالقلق من جانب المجتمع تجاه مسار تحقيق أهداف الثورة والتباس المسار السياسي مما يخلق بيئة صالحة لشيوع الاضطراب في المجتمع, وأن هناك أطرافا مستفيدة من الانفلات الأمني علي الحيلولة دون عودة أجهزة الشرطة لاستنئاف دورها المهني في الضبط الاجتماعي.
عنف مفرط
أشار المجلس إلي استخدام الشرطة المفرط للقوة متمثلا في اطلاق عدد كبير من القنابل المسيلة للدموع لايتناسب مع اجمالي أعداد المتظاهرين , وكذلك استخدام طلقات الخرطوش علي نحو أدي إلي ارتفاع عدد المصابين , وبفحص نوعية بعض الفوارغ من القنابل المسيلة للدموع التي تحصل عليها أعضاء اللجنة تبين أنها من طرازات ( 518 , و501 , و 560 , و350 ) التي تتفاوت في المدي والقوة , وقيام الشرطة باعتقال بعض المواطنين أثناء إسعافهم , وقد ساهم ذلك إلي جانب استخدام الشرطة للقوة المفرطة في إثارة المواطنين وانضمام أعداد كبيرة منهم إلي المتظاهرين , وعدم إعلان السلطات عن أعداد المعتقلين وأسمائهم , وأماكن احتجازهم , وإحالتهم للنيابات العسكرية علي نحو أصبح يمثل نمطا متكررا يتعارض كلية مع معايير المحاكمة العادلة والمنصفة.
وشم الذراع… ماذا يعني؟
ولاحظت اللجنة بقلق ظهور جماعات منظمة بين المتظاهرين تقود أعمال العنف مزودة بأسلحة بيضاء , وزجاجات ## مولوتوف ## , ويرتدي بعضهم زيا موحدا ويحرصون علي إظهار ما يحملونه من أوشام علي أذرعهم, كما لاحظت بقلق نشر شائعات بين المتظاهرين عن وفاة أحد المحتجزين بوزارة الداخلية جراء التعذيب , بهدف الإثارة ودفع المتظاهرين لاقتحام مقر وزارة الداخلية , فضلا عن ظهور نمط في تعامل بعض المتظاهرين مع رجال الشرطة علي نحو يسعي إلي امتهانهم جراء استفزاز أحد رجال الأمن المركزي للمتظاهرين بالرقص بالسيف أمام مرؤسيه , وتوجيه أحد الضباط ألفاظا نابية للمتظاهرين عن طريق مكبر للصوت .
وأيضا لمست اللجنة خلال تفقدها للمستشفيات شعورا بالترويع للقائمين علي المستشفيات من أطباء وهيئة تمريض , وإداريين , جراء تعرض المستشفيات خاصة في مثل هذه الظروف الاستثنائية لاعتداءات من جانب أشخاص خارجين علي القانون يستهدفون ملاحقة المصابين , أو الحصول علي المواد المخدرة , أو إملاء أسبقية علاج مرافقيهم علي حالات حرجة يقومون بعلاجها , أو محاولة انتزاع تقاير طبية غير مطابقة للحقيقة ولأهداف شخصية , وطالب مديرو بعض المستشفيات نقل استغاثتهم إلي أجهزة الدولة لتوفير الحماية الأمنية لهذه المستشفيات .
أوصي المجلس في ختام تقريره علي ضرورة التعجيل في إجراء المحاكمات المتعلقة بالمتهمين والمشتبه بهم في جرائم قتل وإصابة المتظاهرين سلميا إخلال الثورة علي نحو عاجل وعادل وعلني دون اخلال بمعايير المحاكمة العادلة التي يكفلها القانون الوطني والمعايير الدولية , ويناشد المجلس القومي لحقوق الإنسان مجلس القضاء الأعلي إصدار قرار بتفرغ الدوائر التي تتولي هذه المحاكمات في نظر جرائم قتل المتظاهرين فقط , و ضرورة أن يسمح بحضور ممثلي الضحايا في المحاكمات المعنية لمتابعة إجراءات المحاكمة باعتباره حقا من حقوق الضحايا وفقا للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة والمنصفة, كما يوصي المجلس بسرعة تفعيل المؤسسة التي أنشأتها الدولة لرعاية أسر الشهداء والمصابين وسرعة إصدار اللائحة التنفيذية للمؤسسة, وتوفير الإعلام الكافي بشأنها للمستفيدين بخدماتها وحث مؤسسات المجتمع المدني المعنية لدعم أسر الضحايا ماديا لتنسيق دعمها المادي مع مؤسسات الدولة .
دعا المجلس إلي دعم جهود الدولة في تسريع وتيرة استكمال إعادة دور الشرطة في أداء واجباتها المهنية لوضع حد لحالة الانفلات الأمني , وتطبيق المعايير الدولية للعمل الشرطي وإعادة هيكلة جهاز الشرطة علي أسس سليمة حديثه يراعي فيها احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.