كان رد الفعل المبدئي لإدارة أوباما علي الأنباء التي أذيعت الأحد الماضي حول إطاحة جنرالات مصر من مناصبهم, هو القلق الشديد. فقد بدا الإعلان المفاجئ لتلك الأنباء, وكأنه مؤشر علي أن أسوأ مخاوف واشنطن بشأن مسار الثورة المصرية, قد بدأت في التحقق.
كان رد الفعل المبدئي لإدارة أوباما علي الأنباء التي أذيعت الأحد الماضي حول إطاحة جنرالات مصر من مناصبهم, هو القلق الشديد. فقد بدا الإعلان المفاجئ لتلك الأنباء, وكأنه مؤشر علي أن أسوأ مخاوف واشنطن بشأن مسار الثورة المصرية, قد بدأت في التحقق.
وكانت التطورات السياسية في مصر خلال العام الماضي قد تمت بسرعة شديدة لم يتمكن صناع السياسة الأمريكيون من مجاراتها. وقد بدأ في ذلك الوقت أن الثابت الوحيد وسط التغيرات المتلاحقة هو وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري المشير طنطاوي الذي يشغل منصبه منذ مدة طويلة, والذي أدت إقالته في الأيام القليلة الماضية إلي تفاقم قلق واشنطن بشأن كم النفوذ الذي سيتبقي لها بعد أن شرع الرئيس الإسلامي محمد مرسي في تعزيز قبضته علي السلطة.
ومع قدوم الاثنين الماضي أطلقت الإدارة الأمريكية زفرة ارتياح جماعية عندما تناهي إلي علمها أن وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة المصرية الجديد هو الفريق أول عبد الفتاح السيسي المعروف جيدا لدي المسئولين الأمريكيين, بأنه رجل يؤمن بـ##التعاون مع الولايات المتحدة والسلام مع الجيران##, كما جاء علي لسان مسئول كبير في الإدارة.
وقال مسئولون آخرون إن المؤسسة العسكرية قد أبدت قبولا بالتغييرات التي حدثت, وهو ما أحيطت به الولايات المتحدة علما من خلال اللقاء الذي أجرته السفيرة الأمريكية في القاهرة ##آن باترسون## مع مسئولين مصريين. خاصة أن الجنرال ##مارتن دمبسي##, رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة, و ##جون أو. برينانا## مستشار البيت الأبيض لشئون مكافحة الإرهاب, قد التقيا بالفعل مع السيسي خلال زيارات قاما بها لمصر العام الماضي.
وهكذا فإن ما بدا للوهلة الأولي لعبة سياسية خطرة لمرسي, بات يوصف الآن بأنه ##تغيير بارع, جري إخراجه بصورة جيدة للحرس القديم##, وهو تغيير وصفه مرسي نفسه بأنه ##تغيير جيلي## مطلوب لضخ ##دم جديد## في القيادة العسكرية المتقدمة في السن.
ومن خلال بيانات متناسقة أصدر كل من البنتاجون, ووزارة الخارجية, والبيت الأبيض, تطمينات عامة تفيد بأنهم كانوا يتوقعون التغييرات##. فقد قال مسئول من البنتاجون رفض الإفصاح عن اسمه لمزيد من التوضيح لما جاء في البيانات: ##كنا نعرف أن الانتقال من قيادة لأخري قادم, لكننا لم نكن نعرف التوقيت علي وجه الدقة##. وبسؤال هذا المسئول عن تقييمه للتطورات التي وقعت في مصر مؤخرا, قال ##إنه من السذاجة البالغة أن يحاول أحد الآن إجراء هذا التقييم… لكن الصورة الكبيرة تدل علي أنهم في مصر يمرون حاليا بلحظة انتقال مهمة##.
ويشار إلي أن الولايات المتحدة تعاملت بحذر مع حكومة مرسي وصممت علي ألا تدع أي مطبات علي طريق العلاقة, تتحول إلي عوائق وعراقيل. فعقب عودتها من زيارتها الأخيرة لمصر, أدلت هيلاري كلينتون بتصريح قالت فيه: ##من واقع ملاحظتي لما يحدث في مصر, فإنني أدرك مدي الصعوبة التي تنطوي عليها مسألة البدء بالانطلاق في الطريق الصحيح… لكن مرسي والإخوان المسلمين قدموا تعهدات بشأن نوعية الدمج الذي ستعبر عنه الحكومة وتمثله… ونحن بانتظار أن نري كيف سيقومون بتحويل تلك التعهدات إلي عمل##.
وخلال زيارته الأخيرة إلي مصر بدا وزير الدفاع الأمريكي, ليون بانيتا, أقل حذرا من كلينتون في تصريحاته حيث قال: ##بت مقتنعا بأن مرسي رجل مستقل التوجه وأنه رئيس لكل المصريين##. وأثني بانيتا علي ما وصفه بـ##العلاقة الوثيقة بين مرسي وطنطاوي##, قائلا إن الرجلين ##يعملان معا من أجل تحقيق نفس الغايات##. بعد تصريحه هذا بأسبوعين كان وزير الدفاع المصري قد ذهب.
ورغم تقييمه المتفائل بصفة عامة للأحداث التي وقعت في مصر, فإن البنتاجون ما زالت تحاول جاهدة إدراك المغزي الحقيقي لإقالة قيادات الجيش.
وأكد مسئولو البنتاجون علي أهمية العلاقة الوثيقة التي ربطت وزير الدفاع الجديد ##السيسي## مع الولايات المتحدة بحكم منصبه السابق كمدير للاستخبارات العسكرية, والذي كان يتطلب منه المشاركة في المفاوضات مع واشنطن بشأن المعدات والتقنيات التي تقدم للجيش المصري في إطار المعونة العسكرية البالغة 1.3 مليار دولار سنويا.
كما أبدت الولايات المتحدة ارتياحا لتعيين عضو المجلس العسكري اللواء محمد العصار نائبا لوزير الدفاع حيث جربت العمل معه أيضا, بحكم منصبه السابق كمسئول عن تسليح الجيش المصري, والذي كان يجعله علي اتصال وثيق مع الجانب الأمريكي.
وتري واشنطن, المتلهفة لتعزيز علاقاتها مع السيسي خلال الأسابيع القادمة, في الحملة العسكرية المصرية الحالية علي البؤر الإرهابية في شبه جزيرة سيناء, والتي باتت أمريكا تدرك بأنها تمثل تهديدا خطيرا ليس لمصر فحسب وإنما لإسرائيل أيضا… تري في هذه الحملة فرصة جيدة لتعزيز علاقتها مع الجيش المصري, وهو إدراك يجعلها تفكر حتما في وضع تلك المسألة في صدارة أولوياتها خلال المرحلة القادمة. وتوقع مسئول بالبنتاجون أن ##يتحدث بانيتا مع وزير الدفاع المصري الجديد في القريب العاجل##. وأضاف: ##نحن لا نري فيما حدث في مصر نقطة افتراق عن المسار السابق.
وليس هناك ما يدعو للاستغراب من أن تأتي حكومة جديدة وتقوم بتعيين الأشخاص والقادة الذين ترتاح للتعامل معهم. فهذا شيء مألوف ومعتاد ويحدث في جميع الحكومات في كافة أنحاء العالم.