بعد ثورة 25يناير تزايد الجدل حول طبيعة النظام السياسي الجديد الذي تسعي إليه الثورة وأي الأنظمة أفضل للمرحلة المقبلة في مصر, القلق نحو مستقبل النظام السياسي في مصر, حيث دافع البعض عن الجمهورية البرلمانية واعتبرها الطريق الوحيد لبناء نظام ديموقراطي حقيقي, وعلي الجانب الآخر تشكك الكثيرون في النظام الرئاسي واعتبروه مدخلا لإعادة إنتاج النظام الاستبدادي الذي عرف علي مدار 60عاما…حول هذا الجدل أجرت وطني هذا التحقيق.
طبيعة النظام السياسي!
قال الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام إن مناقشة موضوع الجمهورية البرلمانية يجب ألا يقتصر علي الحديث القانوني والسياسي عن طبيعة هذا النظام, ويجب ألا نقبل الأحكام التي تقول إن هناك طبيعة خاصة للشعب المصري تجعله يؤله رؤساؤه وكأنه هو المسئول عن استبدادهم لطبيعة خاصة فيه لا في النظم التي حكمته علي مدار أكثر من نصف قرن, والمهم قبل مناقشة النظام السياسي الأمثل لمصر, تقديم قراءة صحيحة للحظة التاريخية التي تمر بها البلاد, وكيف أن تبني النظام البرلماني في التوقيت الحالي سيعني تعميق الفوضي وفراغ السلطة بعد أن استسلم كثير من المسئولين للمواءمات مع بيروقراطية الدولة سواء الصالح منها أو الطالح.
أشار الشوبكي إلي الحقيقة أن جوهر النظام البرلماني يقوم علي التوازنات بين رئيس الحكومة والأحزاب الممثلة في البرلمان, بصورة تجعل قدرته علي اتخاذ قرارات جريئة خارج إطار الصندوق الروتيني لإدارة الحكم أمرا صعبا, ويصبح تسليمه بالأمر الواقع هو الخيار المتاح حتي تبقي الحكومة وترضي عنه الأحزاب التي شكلتها, فالوضع الحالي في مصر هو في الحقيقة يعاني خطرين, الأول يتمثل في تردد المسئولين في اتخاذ قرارات حاسمة, واشتكي الكثيرون من أيادي الوزراء المرتعشة خوفا من الخطأ, ومن ثم التعرض للمحاكمة والإهانة, وغاب عن الجميع ضرورة التمييز بين المحاكمة السياسية الواجبة في حال خطأ أي مسئول وتتمثل في تغييره أو عدم انتخابه, وبين المحاكمة الجنائية للفاسدين وليس للسياسيين المتعثرين, وقد خلق هذا الفراغ والتردد في اتخاذ القرار خطرا ثانيا تمثل في رغبة بعض المواطنين في عودة أي سلطة حتي لو كانت غير ديموقراطية تواجه الفراغ الحالي والفلتان الأمني والفوضي.
كما أشار د.الشوبكي إلي أن النظام البرلماني إذا طبق علي هذا الوضع, فإنه سيعمق كل هذه السلبيات, ولكن يكون رئيس الحكومة قادرا علي مواجهة أي منها, لأنه لن يستطيع التنفس إلا بإذن من الأحزاب الممثلة في البرلمان والحكومة, وقد يكون النظام البرلماني مفيدا لمصر في حال إذا كان مبارك قد ترك في البلد مؤسسة واحدة تعمل, ولا يحتاج إصلاحها عمليات جراحية لن يكون قادرا علي اتخاذها إلا رئيس جمهورية منتخب مباشرة من الشعب.
وعن مشكلة النظام البرلماني في بلد مثل مصر أنه يجعل هم رئيس الوزراء اليومي أن ينجو من تصويت سحب الثقة في البرلمان, ومع الوقت تضيع مشاريعه التنموية أمام حرصه علي عدم إغضاب الكتلة البرلمانية لهذا الحزب أو ذاك, حتي يستمر في الحكم. قائلا: نعم الشعب المصري يحتاج إلي رئيس لديه صلاحيات, وإذ بقينا خائفين من السلطة علي اعتبار أنها يمكن أن تنقلب في أي لحظة علي الشعب وتطبق نظاما ديكتاتوريا نكون جميعا قد نسينا درس 25يناير الذي يدل علي أنه لن يحكمنا رئيس مدي الحياة ولا رئيس بليد يتعامل مع البلد كأنه عزبة تورث, ولكن الخطر أن نعيش في مواءمات الجمهورية البرلمانية التي تفرز أشباحا يسمون وزراء, يكونون سببا في تسليم السلطة لحكم غير ديموقراطي يعيدالأمن للشعب المصري بعد فوضي الجمهورية البرلمانية.
أيهما أفضل رئاسي أم برلماني؟!
قال الدكتور ثروت بدوي أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة إن مصر تسير في مفترق الطرق نحو تقسيم أوضاعها التشريعية والاقتصادية وذلك من خلال البحث عن أفضل الطرق لتناسب مصر خلال المرحلة المقبلة ومن ضمن الأهداف المعروفة لنظام الحكم في مصر برلماني أم رئاسي الذي تتخذه الحكومة حاليا بدراسته حول ما نتظره من مناقشات في الوقت الحالي وطرحته للنقاش المجتمعي.
أوضح بدوي أن أفضل النظم هو النظام البرلمائي والذي يعطي مشروعية في فصل السلطات وعدم استحواذ فرد واحد في الاستيلاء علي السلطة واستبعاد السلطات الأخري مثل التشريعية وإعطائها دور هامش غير معروف الملامح خلال الفترة الماضية مشيرا إلي ضرورة توخي الحذر في صدور قانون يسمح بتغير نظام الحكم في مصر من خلال دستور جديد.
وأوضح بدوي أن النظام الرئاسي له سلطة مطلقة نحو اتخاذ القرارات الخاصة بالدولة وإعمال الدور التشريعي من خلال تغييرات في القوانين واحداث تشريعات جديد لا يناقشها مسبقا القائمون بالسلطة التشريعة.
أشار بدوي إلي أن النظام البرلماني يبدو غامضا والذي لم يستمر طويلا منذ عام1923 إلي ثورة 1952 وبعد سقوط النظام السابق سقط الدستور وعمل بدستور مؤقت من جانب المجلس الأعلي للقوات المسلحة وضرورة إلي تغيير الدستور وعدم ترقيعه ووضع دستور جديد من خلال إنشاء جمعية تأسيسية لعمل دستور جديد.
تخبط القرارات!!
ومن جانبه قال المستشار محمود درويش المحامي بالنقض والدستورية العليا إن ما يواجه مصر حاليا التخبط بالقرارات وعدم وضع استراتيجية واضحة لنظام التشريع بمصر وخاصة في غياب الأمن والدستور والذي يبني عليه المفاهيم والقوانين الخاصة بالانتخابات مثل انتخابات مجلسي الشعب والشوري والرئاسية.
نوه درويش إلي أن النظام الوحيد القادر علي مواجهة الفاسدين في الحكم هو النظام البرلماني وذلك يؤدي إلي فصل السلطات عن بعضها البعض ويقلص سلطات الرئيس ويضعها في محاسبة دائمة.
وأوضح درويش أن النظام البرلماني هو نوع من أنواع الحكومات النيابية وتقوم علي وجود مجلس شعب منتخب يستمد سلطته من سلطة الشعب الذي انتخبه ويقوم البرلماني علي مبدأ الفصل بين السلطات علي أساس التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وأضاف درويش أن السلطة التنفيذية في هذا النظام بين طرفين هما رئيس الدولة ومجلس الوزراء ويحاسب رئيس الوزراء من قبل الوزراء يحجب الثقة وتغيير في الحكومة وتكون مسئولية كاهلة عن الأوضاع السياسي والاقتصادية.
الدستور…الدستور!!
ويتفق مع الرأي السابق الدكتور أنور رسلان أستاذ القانون بجامعة عين شمس بضرورة وضع دستور جديد يتماشي مع المتغيرات الحالية…ويتواكب مع الأحداث الأخيرة لضبط الفاسدين في نظام الحكم وأن النظام البرلماني أفضل النظم لحكم مصر في الفترة القادمة.
ومن جانبه أكد الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع أن القوانين الحالية المنظمة للحياة السياسية خالية من مضمونها التنفيذي مثل القوانين التشريعية وخاصة في الفترة الماضية لمواكبة المتغيرات والأحداث بعد ثورة يناير.
ويري السعيد أن نظام الحكم يجب أن يكون نظاما مختلطا برلمائيا رئاسيا بشروط من خلال دستور جديد وضرورة تقليص سلطات الرئيس ضرورة ملحة في النظام المختلط والتي تعبر عنه الفترة القادمة.
النظام السابق كان خليطا!!
أشار محمد العجاتي الباحث والمدير التنفيذي لمنتدي البدائل العربي إلي أن النظام السابق في مصر لم يكن نظاما رئاسيا كما يعتقد الكثيرون وإنما كان نظاما خليطا يركز السلطات في يد الرئيس وهو ليس المقصود بمفهوم النظام الرئاسي فأي نظام يجب أن يوفر قدرا من الاستقرار للحكومة القائمة حتي تستطيع تحقيق برنامج تنمية شاملة للنهوض بالأوضاع المتردية في مصر ليس في مجال السياسة فقط وإنما في مجالات التعليم والصحة والسكن….إلخ, مما يعني ضرورة وجود ضوابط محددة وواضحة لحق البرلمان في سحب الثقة من الحكومة, وعليه يمكن أن يقوم التشريع علي تشكيل الحكومة بناء علي الأغلبية ولكن يكون بنسبة الثلثين.
كما أشار العجاتي في حالة النظام الرئاسي لابد من استقلالية السلطة التشريعية, وأن يكون البرلمان المنتخب هو مصدر التشريع الرئيسي في مصر, وعليه يجب في حالة النظام الرئاسي أو المختلط إلغاء صلاحية الرئيس أو السلطة التنفيذية في حل البرلمان إلا عن طريق اللجوء للسلطة القضائية, مع عدم انفراد الرئيس بالسلطة, وهو ما يتطلب أن تكون صلاحياته محدودة, وواضحة, ومقتصرة علي التوجه الاستراتيجي للدولة(بناء علي البرنامج الذي انتخبه الشعب بناء عليه) وأن يتم فصله عن باقي السلطات حتي يتمكن من القيام بدور الحكم بين السلطات وليس المحرك أو القائد لأي منها, وهو ما يتطلب بالضرورة عدم رئاسته لأي من الأحزاب السياسية فور توليه منصب الرئاسة.
ومن جانبه قال الكاتب الصحفي صلاح عيسي رئيس تحرير جريدة القاهرة إننا الآن نناقش أشياء كانت حلم في الأفق السياسي المصري وكانت أوهام غير قابلة للتحقيق ومصر عرفت ما يمكن اعتباره بالحكم البرلماني في العصر الملكي, حيث كان أشبه بتدخل جميع القوي في الحكم, حيث كان لايمرر المرسوم الملكي إلا من خلال توقيع الوزراء عليه, رافضا النظام الرئاسي, وإن كل ما يقال أن النظام البرلماني لايمكن تحقيقه في تلك الفترة لعدم استقرارها وعدم وجود أحزاب قوية أو عدم وجود شرطة تنفيذية قوية في البلاد, أوهام وكلام غير صحيح وأنه لابد من وجود جمهورية برلمانية لممارسة الديموقراطية بشكل سليم.
وأكد عيسي أن النظام البرلماني من أقوي الأنظمة لأن الشعب المصري لن يعرف معني الديموقراطية إلا في ذلك النظام, لأن النظام البرلماني يمثل نظاما رئاسياا مختلط, وأفضل أسس للدولة الديموقراطية الحديثة.