تجربة خصبة بلجنة تحكيم تشجع أفلاما ذات قيم إنسانية
تجربة خصبة أتيح لي أن أخوضها – للمرة الأولي – أن أشارك في عضوية لجنة تحكيم إيكومينيكال Ecumenical إحدي لجان التحكيم الموازية بمهرجان لوكارنو السينمائي الدولي Locarno في دورته الأخيرة الـ62 فهو من عمر مهرجان كان,وأقيم في القطاع الإيطالي من سويسرا خلال الفترة من 5 – 15 أغسطس 2009.
يوم الأحد الذي تخلل المهرجان دعينا إلي حضور القداس بكنيسة شييزا نيوفا Chiesa Nuova تمت فيه قراءات في العهدين القديم والجديد وقام بها كهنة كاثوليك وأرثوذكس وإنجيليون.
بداية دعني أعرفك عزيزي القارئ بأعضاء لجنة التحكيم: رئيسها جان جوس هوريمانس Jos Horemans من بلجيكا – ماجستير في علم النفس بدأ بالتدريس ثم أصبح مسئولا عن التعليم الكاثوليكي, ويكتب لمجلات السينما.
الدكتورة لوسيا كووتشي Lucia Cuocci من إيطاليا صحفية درست علم الاجتماع,تعمل كمخرجة ومنتجة لبرنامج تليفزيوني تعمل علي التقريب بين أطفال فلسطين وإسرائيل في مشروع ورش عمل مشتركة.
الدكتورة ستيفاني كناوس Stefanie Knaws النمسا درست اللغة والأدب الإنجليزي واللاهوت في ألمانيا وبريطانيا والنمسا,تعمل باحثة في مشروع الميديا (وسائل الإعلام).
الدكتور بوجديرا مانوف Bojidar manov من بلغاريا ناقد سينمائي وصحفي يرأس قسم الدراسات السينمائية في الأكاديمية الوطنية للمسرح والفيلم في صوفيا ويلقي محاضرات في الجامعة البلغارية الجديدة نائب رئيس جمعية النقاد.
كريستين بوليجر – إيراردو Christine Bolliger – Erardo من فرنسا ماجستير في الأدب الألماني, ترأس جمعية لسينما الأطفال والشباب, في عام 2008 أسست أسبوعا للسينما السويسرية في فرنسا أما كاتب هذه السطور تم تقديمه بأنه درس التاريخ والتربية وحصل علي ماجستير في الصحافة وكان مدرسا للعلوم الاجتماعية,ومديرا للكلية الأنطونية القبطية في القدس – الأردن,وانتدب من وزارة التربية والتعليم المصرية لإتاحة الفرصة للطلاب الفلسطينيين للحصول علي البكالوريا المصرية, نائب رئيس جمعية النقاد المصريين لدورتين, وله كتابات في صحف مصرية وعربية.
أعترف لك بأنه سبق أن شاركت في لجان تحكيم النقاد في أكثر من مهرجان دولي ولكن مساهمتي في هذه اللجنة كانت شاقة ومشوقة في نفس الوقت.
يمكنني أن أبوح لك بأن المناقشات التي كانت تجري كل ثلاثة أيام خلال فترة المهرجان التي امتدت 11 يوما وكانت تستمر أحيانا ساعتين,وكانت تتناول تفاصيل كل فيلم من الناحية الفنية والجمالية والموضوعية بقضايا العدالة مع الاهتمام بالسلام وحقوق الإنسان,ومعاناة البشرية,والبحث عن تجارب سينمائية تبعث الأمل.
أكاديمية أفلاطون
يبدو هذا كلاما عاما أو نظريا لذلك دعنا نلقي نظرة علي الأفلام الفائزة حيث فاز بالجائزة الأساسية الفيلم اليوناني أكاديمية أفلاطون Plato##s Academy إخراج فيليبوس تسيتوس Filippos Tsitos إنتاج .2009
الفيلم إخراجه متميز ويراقب عن قرب أناسا عاديين في حياتهم اليومية في إحدي ضواحي أثينا وذلك في نبرة تبدو أحيانا لاذعة وأحيانا متعاطفة وأحيانا ساخرة لينقد الوطنية المتزمتة,والنظرة الضيقة المنحازة,ويدعو إلي التفاهم بين الثقافات وقبول الآخر رغم الاختلافات.
أحاول أن ألخص لك موضوع الفيلم الذي يقدم شخصيات يونانية عادية يعتزون بوطنيتهم إنهم يونانيون أبناء أفلاطون وسقراط والإسكندر الأكبر,ينظرون باحتقار إلي العمال القادمين من ألبانيا,حتي يدعي أحدهم أن كلبه ينبح عندما يمر عامل ألباني, ويكتشف البطل أن والدته هاجرت من ألبانيا وهو طفل صغير إلي اليونان.
أما الفيلم الهولندي لا شئ شخصي للمخرجة أورسولا أنتونياك فقد جاء في الحيثيات أن الفيلم يتناول قصة مؤثرة عن الوحدة والعلاقة مع الآخر,بطريقة حساسة وذلك من خلال تصوير رائع لطبيعة برية بعيدة عن العمران وموسيقي مؤثرة من أجل التعبير عن المشاعر الداخلية وأحوال البطلين النفسية.
ينقل لنا الفيلم رسالة قوية عن الأمل لأناس عانوا في حياتهم.
البطلة الأساسية للفيلم فتاة هولندية تقرر نسيان حياتها وتلقي بكل أثاث بيتها في الشارع وتترك هولندة إلي أيرلندة,وتقيم حيث الفضاء الواسع تحاول الاستمتاع بوحدتها رغم البرد والمطر… في جولتها تكتشف بيتا لرجل مسن يعيش كناسك وتقرر أن تعمل في حديقة منزله مقابل إطعامها ومقابل أن لا يتدخل أحدهما في حياة الآخر وتقتصر علاقتهما علي العمل,ولكن بمرور الوقت يكسران الاتفاق,ويتقاربان رغم فارق السن… وتنكسر العزلة.
المرأة شجاعة
بمقتضي التصويت الديموقراطي استبعد فيلم كان بعض الأعضاء – وكاتب هذه السطور من بينهم – متحمسين لترشيح فيلم شيرلي آدامز من جنوب أفريقيا إخراج أوليفر هرمانوس لأنه يحقق كل مبادئ لجنة التحكيم,ولكن لابد من الخضوع لرأي الأغلبية,فالفيلم دعوة للمحبة والتضامن,في تحدي لروح العداوة,والتحلي بالشجاعة في مواجهة موقف معين,الأم الأولي شيرلي آدامز, سمراء من جنوب أفريقيا نراها منشغلة طوال الوقت بالعناية بابنها المقعد بسبب إصابته برصاصة في رقبته في طريق عودته من المدرسة منذ عام وكان عليها أن تدفع ديون المستشفي وتركت وظيفتها للعناية الدائمة بابنها في البيت وكان قد هجرها زوجها منذ شهور,ولكنها كانت تتلقي إعانة من الأصدقاء والجيران تزورها ممرضة شابة بيضاء تتبرع بالعناية بابنها الذي كان قد ضاق بحياته وأصبح محبطا تحاول أن تعيد له الأمل في الحياة,يرفض في البداية ثم أمام إصرارها يستجيب.
تنتظر شيرلي محاكمة المتهم المجهول الذي أصاب ابنها,وحينما يلقي البوليس القبض عليه تكتشف أنه ليس إلا زميل ابنها في المدرسة والأهم أنه ابن جارتها البيضاء.