لا تزال سيناء تستحوذ علي اهتمام السياسيين والخبراء باعتبارها قضية أمن قومي,وبين فترة وأخري تظهر بعض المشكلات التي تؤثر علي الأمن والتنمية في سيناء,خاصة وأنها منطقة حدودية تتطلب اهتماما أكبر في ظل تهديدات حركة حماس باقتحام معبر رفح بعد تضييق الخناق علي قطاع غزة,وعاوي البعض بتوطين الفلسطينيين في جزء من سيناء بعد أن اكتظ القطاع بالفلسطينيين وهو ما ترفضه الحكومة المصرية قولا وفعلا,بالإضافة إلي ظهور أنفاق لتهريب الأسلحة بين الأراضي الفلسطينية وسيناء ويمكن أن تسهل عملية تسلل لجماعات إرهابية.
كل هذه المشكلات حاولنا طرحها علي الخبراء للتعرف علي كيفية التغلب عليها,وتنمية سيناء بشكل يوفر الأمن والتنمية,واستغلال الموارد المتاحة تضيف للاقتصاد المصري.
قال السفير حسن عيسي المدير السابق لإدارة إسرائيل بوزارة الخارجية أن سيناء قضية أمن قومي,حيث إن سكانها عددهم قليل للغاية لا يتناسب مع مساحتها التي تشكل 6% من مساحة مصر,بينما قطاع غزة يضيق بسكانه,وإذا استمر معدل المواليد في التزايد بالقطاع في ظل إيمان السيدات الفلسطينيات بأن قيامهن بالإنجاب كل سنة بمثابة واجب وطني وسلاح ديموجرافي تواجه به إسرائيل,بالإضافة إلي الضغط الإسرائيلي المتعمد علي سكان غزة في تصاعد من خلال الحصار والاجتياحات والاغتيالات فإن الانفجار القادم للقطاع لن يتوقعه أحد,ولن يمكن مقارنة حجمة ولا آثاره بالمظاهرات علي الحدود ونتائجها المحدودة نسبيا والتي ترتبت علي اجتياح 750ألفا من سكان غزة لحدود مصر في رفح بالرغم من فداحتها وخطورتها القصوي.
وأشار السفير إلي أن هناك ما يقرب من نصف مليون بدوي قامت مصر في تاريخها المعاصر بإهمالهم وفصلهم عن الوادي وسكانه,وفي ثمانينيات القرن الماضي استعدتهم نتيجة معاملة السلطة المصرية لهم معاملة غير واعية بطبيعة تكوينهم وتكوين مجتمعاتهم,إلي أن جاءت تفجيرات سيناء التي تسببت في مزيد من الحساسيات والمواجهات بين الأمن المصري والبدو,مما زاد من تعريض الأمن القومي المصري للخطر.
وأوضح السفير عيسي أن سيناء يجب أن تظل هاجسا أمنيا لمصر ليس فقط بسبب النوايا الإسرائيلية,وليس فقط لأن الكثافة السكانية في غزة قنبلة سكانية موقوتة يمكن أن تنفجر مرة أخري وبدرجة أشد وأعمق وأخطر تحت ضغوط الحصار والاجتياحات الذي تمارسه إسرائيل,ولكن الأخطر ويشكل عاملا متكررا هو أن تكون سيناء ملاذا وممرا للجماعات الإرهابية التي تتوطن العراق وبعضها الآن في غزة وتسعي إلي اختراق أمن مصر والأردن والسعودية.
كما أن هناك بعض الدول التي تسعي للاستفادة من الأوضاع القائمة,فعلي سبيل المثال اقتحام الحدود المصرية عبر معبر رفح في يناير الماضي جاء بإتفاق ثلاثي بين كل من سورية وإيران وحركة حماس,وربما يتكرر هذا الاقتحام في الفترة المقبلة,خاصة وأن سورية تستغل موضوع الحدود المصرية لشغل الإدارة المصرية بهذا الملف,بالإضافة إلي احتمال حدوث أعمال إرهابية نتيجة عبور المتطرفين إلي مصر,في ظل القبض علي بعض الفلسطينيين في بعض محافظات مصر وهم يحملون مواد متفجرة وأحزمة ناسفة,بالإضافة إلي العثور علي نصف طن من المواد شديدة الانفجار مدفونة في رفح.
وأكد السفير أن الحل هو تنمية سيناء التي تحتاج إلي مشروع قومي تقوم محاوره علي إقامة قطاعات الزراعة والتعدين والصناعة والسياحة,بالإضافة إلي ربط سيناء وأهلها بوادي النيل وأهله وإيجاد جسور التواصل بين أهالي سيناء والمصريين الوافدين إليها من سائر أنحاء مصر بسبب ثقافة أهالي سيناء المميزة والمختلفة عن سائر المصريين,خاصة ثقافة التعامل مع المياه والعادات والتقاليد ووضع شيخ القبيلة ووضع المرأة السيناوية,وأيضا الإسراع في تنفيذ المشروعات التنموية في سيناء,بالإضافة إلي ضرورة تقارب الشرطة وأجهزة الدولة بالقبائل ومشايخها وإعطائهم ما يستحقونه من مكانة واحترام ودورهم في تسيير أمور القبيلة بالشكل الذي يتسق مع أعرافهم,والتأكيد علي أن أهل سيناء هم المكون الرئيسي والطبيعي للأمن والتنمية.
سجن كبير
من جانبه قال الدكتور محمد عبد السلام مدير برنامج الأمن الإقليمي بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إن قطاع غزة يمثل حالة خاصة,فالقطاع ليس به منافذ مباشرة إلي العالم في ظل تدمير المطار والميناء,وليس أمام سكان القطاع سوي معابر حدودية تشهد إغلاقا شبه مستمر وإجراءات عبور معقدة في حالة فتحها,ويؤدي إغلاق المعابر ووقف إمدادات الوقود إلي تأثيرات سلبية علي نمط الحياة في غزة,لذا تحول القطاع إلي سجن كبير محاط بموانع من كل جانب ويتسبب بدوره في مشاكل كبيرة للجميع.
كما ظهر شكل شديد التعقيد من الاختراقات المحدودة بين مصر وقطاع غزة عبر 14كيلو مترا تفصل بين الجانبين من خلال حفر أعداد كبيرة من الأنفاق غير البدائية أسفل خط الحدود لاستخدامها في تهريب الأسلحة والمتفجرات والبضائع والأموال والبشر,مما أدي إلي توترات سياسية حادة بين مصر وإسرائيل,وبعد اختراق 750ألف فلسطيني للحدود المصرية في يناير الماضي تم إجراء تعديلات في ترتيبات الأمن الحدودية,مع قيام مصر أيضا ببدء تحصين حدودها مع قطاع غزة.
وأكد د.عبد السلام علي ضرورة التفاهم بين مصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينية حول ترتيبات حدودية معدلة,أو تشكيل قوات خاصة لمنع اختراقات الحدود,أو في تدعيم نظم أمن الحدود من خلال إقامة جدران أكثر تحصينا,أو التنسيق للتعامل مع المشكلات العابرة للحدود…وإلا تفاقمت الأوضاع علي الحدود,خاصة وأن المنطقة العربية برمتها لديها مشكلات حدودية لأسباب مختلفة.
لن يتكرر
علي الجانب الآخر قال حسين عصفور الوزير الفلسطيني السابق إن اقتحام الفلسطينيين لمعبر رفح في يناير الماضي لن يتكرر وإنما كان اختبارا من حماس لقوة مصر,إلا أن حركة حماس فهمت الدرس ولن تكرر هذه الخطوة مرة ثانية مهما كنت الضغوط علي الشعب الفلسطيني وتحديدا أهالي غزة,خاصة وأن حركة حماس بهذا الفعل لن تتصارع مع فصيل سياسي وإنما تصنع عداء مع دولة كبيرة.
وأبدي عصفور دهشته من مطالبة البعض بتوفير مساحة معينة في سيناء من أجل توطين الفلسطينيين بها,خاصة وأنه مع بداية الاستيطان الإسرائيلي لفلسطين اضطر الفلسطينيون إلي الذهاب إلي الأردن,فلماذا مصر الآن؟ إلا أنه لابد من مراعاة البعد الإنساني في قطاع غزة,والتعامل مع هذه المشكلة بعقلانية.
يعرفون دور مصر
أوضح السفير أحمد ماهر وزير الخارجية السابق أن الحفاظ علي الحدود المصرية يتطلب معرفة من يهدد هذه الحدود.هناك بالطبع وجود إسرائيل وضغطها علي الشأن الفلسطيني,وزيادة مساحة الخلاف بين الأطراف الفلسطينية,بينما وجود دولة فلسطينية حرة ومستقلة ذات سيادة تؤمن حدود مصر.
وأكد علي أن الفلسطينيين يعرفون دور مصر والتضحيات التي قدمتها من أجلهم,إلا أن المذنب الأساسي هنا هي إسرائيل وتجاوزاتها,أما الأحداث الفردية من الفلسطينيين يمكن معالجتها بشكل هادئ,خاصة وأن الشعب الفلسطيني يتعرض لضغوط رهيبة,أما إثارة موضوع الأنفاق هو مجرد خلط متعمد للأوراق,لأن هذه الأنفاق كانت موجودة أثناء تواجد إسرائيل في غزة ولم تستطع إغلاقها,كما أن مصر تبذل قصاري جهدها من أجل إغلاق هذه الأنفاق لأنه لا يمكن السماح بوجودها وتهريب الأسلحة والمتطرفين من خلالها.
رأي الإدارة المصرية
من جانبه قال اللواء عبد المنعم سعيد محافظ جنوب سيناء الأسبق إن أمن سيناء يتحقق من خلال تحقيق التنمية الشاملة,ونقل 5ملايين مصري للعمل والإقامة في سيناء,مع استمرار المشروعات التنموية فيها,خاصة وأن هناك عشرات المشروعات التي تبدأ ثم سرعان ما تتوقف,كما أن هناك حاجة للاستفادة بسيناء من خلال زراعة مليون فدان,والتنقيب عن الثروات المعدنية,وتحفيز رجال الأعمال علي الاستثمار هناك والاستفادة من خيراتها.
وحذر اللواء عبد المنعم من تواجد الفلسطينيين بسيناء واعتبار ذلك خطرا علي الأمن القومي,خاصة مع دعاوي التوطين التي تطلقها إسرائيل للتخلص من أزمة قطاع غزة,لأن هذا سيسبب مشكلات للأمن القومي المصري,المهم هنا هو الاستثمار الفوري لكل متر في سيناء,والإسراع بمعدلات التنمية,والاهتمام بأهالي سيناء ومعاملتهم بشكل حضاري بدلا من التعامل معهم بشكل أمني فقط يولد حالة من الغضب.
وفي هذا الإطار رفض اللواء نشأت الهلالي مساعد وزير الداخلية الأسبق فكرة توطين الفلسطينيين في جزء من سيناء,واعتبر أن هذا الأمر يشكل خطورة علي الأمن القومي المصري,وأن المجتمع المصري بأسره يمكن أن يعاني في حالة اقتطاع مساحة من سيناء للتوطين,بسبب ظهور مشاكل أمنية واجتماعية وثقافية.
تنسيق ثلاثي
أكد الدكتور عماد جاد الخبير في الشئون الإسرائيلية بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام أن مشكة الحدود لها أبعاد عديدة,كما أن وجود الأنفاق مشكلة قديمة لم تجد حلولا حتي الآن حتي مع وجود أجهزة إلكترونية حديثة أمريكية للكشف عن الأنفاق,خاصة وأن إغلاق الأنفاق من الجانب المصري لا يقابله إغلاقها من جانب حركة حماس والتي تستغل هذه الأنفاق لمصلحتها,والحل هو التنسيق المتبادل لتأمين الحدود.
وأوضح د.جاد أنه ليس من المستبعد أن يكون هناك تنسيق بين إيران وسورية وحماس علي موضوع الحدود,خاصة وأن هناك مصالح متبادلة بين هذه الأطراف حتي ولو علي حساب الأمن القومي المصري,وهذا يتطلب إدارة واعية من النظام في مصر حتي لا يتأثر الأمن القومي,خاصة وأن اقتحام معبر رفح لم يكن وليد الصدفة بل تزامن مع تصريحات لقياديي حركة حماس والتي أكدت علي إمكانية اقتحام المعبر,خاصة مع وضع السيدات والأطفال في المواجهة مع قوات الشرطة المصرية.
وأكد د.جاد علي أن حركة حماس برجماتية تبحث عن مصالحها ولكنها لا تعرف كيفية إدارة مثل هذه الموضوعات في العلاقات الدولية,ومن مصلحة النظام المصري إبراز وجه حماس الكارثي لتوضيح مدي يمكن أن يصل الوضع في مصر للمتعاطفين مع جماعة الإخوان المسلمين,ونظرا لأن حركة حماس أحد فروع جماعة الإخوان,إلا أن النظام المصري يفصل بينهما,حيث يتفاوض مع حماس ولكنه يرفض التعامل مع الإخوان,خاصة وأن الإخوان كانت لديهم رغبة في اتصال النظام بهم للضغط علي حماس والحصول علي مقابل نظير هذه الضغوط.
وأوضح أن الحل هو تنمية سيناء ونقل كتلة سكانية إليها,أما عدم حدوث ذلك فيثير تساؤلات عديدة لا يستطيع الإجابة عليها سوي النظام نفسه.
المشكلة ترتبط بالأمن
من جانبه أكد اللواء نبيل الهلالي مساعد وزير الداخلية الأسبق أن الخطورة تكمن في تحقيق عنصر الأمن في سيناء وضمان عدم انفلات بعض العناصر المتطرفة إلي باقي أنحاء القطر المصري وتنفيذ عمليات إرهابية تهدد السياحة والأمن الاجتماعي,وجلب مشكلات وأعباء إضافية تؤرق الحكومة المصرية,بالإضافة إلي تصدير المشكلة الفلسطينية إلي مصر,وهو بالطبع أمر لا يوافق عليه أحد.
وعن ظهور الأنفاق في سيناء أوضح اللواء الهلالي أن أجهزة الأمن المصرية لا تتواني في الكشف عن الأنفاق التي يتم التهريب من خلالها,ولكن هذه الأنفاق موجودة منذ فترة,وليس من السهل اكتشافها والتخلص منها في وقت ضيق,خاصة وأن حفر الأنفاق بدأ من الجانب الفلسطيني والإسرائيلي,ولم يبدأ من الجانب المصري,وحاليا يجري التعامل مع هذه الأنفاق باستراتيجية جديدة وأجهزة حديثة للكشف عنها.