منذ عشر سنوات, وقبل أن تقع أحداث الحادي عشر من سبتمبر, وتجعل من الإرهاب همنا الشاغل, كانت الإدارات التي تشكل ما يعرف في الوقت الراهن بوزارة الأمن الداخلي تنفق ما يقرب من 22 مليار دولار في العام علي توفير الأمن والسلامة للأمريكيين, وعلي إدارة الأزمات. أما اليوم فنجد أن وزارة الأمن الداخلي تحولت إلي ثالث أكبر وزارة في الحكومة الفيدرالية الأمريكية, حيث يعمل بها 230 ألف موظف, وتخصص لها ميزانية تبلغ 55 مليار دولار في العام.
وقبل الحادي عشر من سبتمبر 2001 كانت الولايات المتحدة تنفق ما يقرب 30 مليار دولار في العام علي وكالتها الاستخباراتية المدنية, أما اليوم فإننا نجد أن هذا الإنفاق تضاعف ليبلغ 55 مليار دولار في العالم, أي أنه بات أكبر من الميزانية المخصصة لوزارة الخارجية الأمريكية برمتها. وإذا أضفنا إلي ذلك الإنفاق علي الاستخبارات العسكرية, سنجد أن ميزانية الاستخبارات وحدها, تتجاوز 80 مليار دولار.
وثمة سؤال ملح يخطر علي ذهن الكثيرين منا في الوقت الراهن, مؤداه: ما هو مقدار الأمن الإضافي الذي حصلنا عليه من وراء كل ذلك الإنفاق؟
كما أكد لنا المسئولون في العديد من المرات خلال الأيام التي سبقت ذكري الحادي عشر من سبتمبر هذا العام, فإننا بتنا الآن أكثر أمنا مما كنا عليه في الحادي عشر من سبتمبر .2001 ربما يكون هؤلاء علي حق فيما يقولون حيث إن هناك العديد من الشواهد التي تؤكد ذلك منها أن قيادة تنظيم ##القاعدة## المركزية تتداعي, وأن أعضاءها, وإن كانوا لا يزالون يتآمرون علي الولايات المتحدة, إلا أن جميع الخطط التي رسموها حتي الآن أحبطت, وحتي العمليات التي تعد علي أصابع اليد الواحدة, التي نجحوا في تنفيذها علي الأراضي الأمريكية منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001, كانت كلها عمليات محدودة النطاق والمستوي, نفذها مواطنون أمريكيون محليون باستخدام المسدسات, ولم يقم بها إرهابيون من دول أجنبية يقودون طائرات.
هل هذه الحقيقة في حد ذاتها تبرر لنا التفكير في إعادة تخفيف مستوي حملة الأمن الداخلية الضخمة في الولايات المتحدة في الوقت الراهن.
هذا السؤال وجه إلي## جانيت نابوليتانو## وزيرة الأمن الداخلي في الحكومة الفيدرالية الأمريكية خلال الآونة الأخيرة, وكانت إجابتها عن السؤال حاسمة وقاطعة وهي: لا..لا يمكننا عمل ذلك.
وشرحت ##نابوليتانو## الأسباب التي استندت إليها في رفضها القاطع هذا فقالت##إن التهديد الموجه للولايات المتحدة هو تهديد يجب أن نتعامل معه بجدية في المستقبل المنظور… حسبما اعتقد##.
ولكن العديد من الخبراء والسلطات بدأت بالفعل تتساءل, عما إذا كنا ننفق مقدارا من النقود أكبر مما ينبغي علي أمننا الداخلي؟ هذا السؤال يحاول الإجابة عليه ##توماس كين## الحاكم ##الجمهوري## السابق لولاية نيوجيرسي الذي ترأس مؤخرا اللجنة الرسمية المكلفة بتجميع الدروس المستفادة من الحادي عشر من سبتمبر الذي يقول## إذا كنت تريد أن تعزز أمنك بسرعة, وهذا هو ما شعرنا به بالفعل بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر, يتوجب عليك أن تعمل علي زيادة إنفاقك##.
يوافقه في هذا الرأي ##لي إتش.هاميلتون## النائب ##الديموقراطي## السابق عن ولاية إنديانا الذي يقول## في تلك الفترة لم نهتم كثيرا بالتكاليف##.
شرح زميلي ##كيم ميرفي## جزءا من هذه المشكلة في مقال له نشر في## التايمز## مؤخرا قال فيه إن المنح الفيدرالية ساهمت في تمويل المئات من المشروعات المشبوهة التي اعتبرت في ذلك الوقت ذات أولوية من قبل وكالات تنفيذ القانون المحلية, ولكنها لم تكن كذلك علي الإطلاق. وبلغت الملهاة حدا أن مثل تلك المنح صرفت علي مشروعات مثل شراء معدات لنقل الماشية في ولاية نبراسكا(لاستخدامها كما قيل في حالة تعرض تلك الماشية لهجوم إرهابي), ومثل بناء سور ارتفاعه ثمانية أقدام حول مستشفي للمحاربين القدماء في نورث كارولينا للمساعدة علي صد أي هجوم قد يقع ضد هؤلاء المحاربين المرضي.
مع ذلك يمكن القول إن الموضوع أكبر بكثير من تلك المشروعات التي كانت تعتمد علي المنح الفيدرالية والتي سعت في المقام الأول لإرضاء سكان الدوائر الانتخابية المحلية.
فالإنفاق الضخم الذي قامت به وزارة الأمن الداخلي كان سببه الأساسي حالة الهلع التي سادت عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر, والتي استمرت بعد ذلك علي الرغم من أن هذا الهلع كان قد بدأ بمرور الزمن يخف تدريجيا, وهو أمر طبيعي.
واتحدت رغبة الجمهور في الحصول علي السلامة والأمن, ورغبة أعضاء الكونجرس في إرضاء أبناء دوائرهم الانتخابية في جعل عملية الإنفاق سهلة للغاية, مما ساهم في زيادتها بنسبة كبيرة للغاية. ولم يكن متاحا لأي أحد في ذلك الوقت, في ضوء تلك الأجواء, أن يدعو إلي تخفيض ذلك الإنفاق الباهظ. فبمجرد الموافقة علي برنامج ما وبمجرد بدء العمل فيه, لم يكن لأي أحد القدرة, ولا الرغبة في أن يدعو إلي تخفيض الإنفاق عليه حتي لا ينظر إليه علي أنه هو الذي قتل ذلك المشروع ويوجه إليه اللوم في حالة وقوع هجوم ما عليه.
هناك العديد من الحالات المشابهة لذلك بالطبع, بيد أن ما يمكن قوله إنه لا يوجد هناك شيء اسمه الأمن الزائد عن الحد, ولكن هناك بالتأكيد شيئا اسمه الأمن الذي يتم بتكاليف باهظة للغاية مثل بناء سور بطول ثمانية أقدام حول هدف نسبة تعرضه للخطر منخفضة مثل مستشفي المحاربين القدماء الذي سبق لنا الإشارة إليه.
بعد مرور عشر سنوات علي الحادي عشر من سبتمبر, نري أن الوقت حان لمواجهة حقيقة إنه من المستحيل إزالة أي خطر تماما, كما أنه من المستحيل ضمان السلامة من المخاطر بصورة تامة, وأن الوقت قد حان لإعادة النظر في تلك الأمور والاستفادة من النفقات علي الأمن علي نحو أكثر انفتاحا, وشفافية, وفائدة.
واشنطن بوست