مرت خمسة أشهر منذ الثورة التي أنهت فترة حكم حسني مبارك التي دامت ثلاثين عاما لكن الاضطرابات في مصر لم تنته بعد. فقد أصبحت الاحتجاجات الواسعة أمرا روتينيا إن لم يكن قد تحولت إلي شئ اعتيادي في مصر. وفي أواخر يونية أصيب ألف مواطن بجروح في مصادمات مع شرطة مكافحة الشغب في ميدان التحرير بالقاهرة, حيث كانوا ينتقدون بطء خطوات الإصلاح. ومؤخرا وفي 8 يوليو نزل عشرات الآلاف من المصريين إلي ميدان التحرير علي أمل ##إنقاذ الثورة.##
وفي الآونة الأخيرة, ركزت المظاهرات في الغالب علي مطالب مساءلة النظام القديم أي محاكمة مسؤولي النظام السابق بسرعة أكبر, وتقديم تعويضات مالية لأسر أولئك الذين قتلوا خلال الثورة. لكن بنفس السهولة كان يمكن أن تركز الاحتشادات علي الوضع الأمني المتدهور الذي يشكل تهديدا خطيرا للثورة.
وعلي الرغم من أنه قد يكون من المغري لواشنطن والمجتمع الدولي, مجرد إعطاء المزيد من المعونة المالية لمصر ما بعد الثورة, إلا أن ضخ المزيد من السيولة النقدية – حتي لو كانت كبيرة – سوف لن يفعل الشئ الكثير لتحسين وضع الدولة علي المدي البعيد. فغياب الأمن المادي, وفرص استدامة النمو الاقتصادي وتعزيز المكاسب الديمقراطية للثورة تبدو معتمة.
وسيستلزم الأمر جهدا شاقا لإعادة ترسيخ الأمن. فأثناء الثورة فقدت الشرطة وقوات الأمن العام مصداقيتها بعد أن كانت يوما ما عظيمة القدرة, واجتاح المتظاهرون مقرات الشرطة بينما انشغل الضباط بإبادة أي أوراق قد تدينهم وتجنيب أنفسهم من ملاحقات قضائية مستقبلية.
إن قوات الشرطة المصرية الضعيفة المعنويات والتي لا تتلقي رواتب كبيرة قد تضعف بشكل كبير. ويقدر بأن نحو 30 بالمائة فقط من أولئك الضباط الذين كانوا ذات مرة موجودين في كل مكان بزيهم الأسود لا يزالون في وظيفتهم. وفي الوقت نفسه, فإن جهاز أمن الدولة – ذلك الجهاز القمعي والمنظمة المحلية لمكافحة للإرهاب التابعة للنظام السابق – قد فقد الكثير من قدراته, كما أن خليفته ##جهاز الأمن الوطني## لم يصل بعد إلي الكفاءة المطلوبة.
ووسط هذا الفراغ الأمني وبسببه تواجه مصر أزمة اقتصادية. فالسياحة لم تعد إلي مسارها منذ الثورة مما يساهم في ارتفاع نسبة البطالة الذي وصل رسميا الآن إلي 12 بالمائة. وفي الوقت نفسه, فإن جو عدم اليقين السياسي والأمني قد أعاق الاستثمار الأجنبي المباشر علي نحو كبير مما أدي إلي نسبة نمو وصلت إلي ##سالب 4.2## بالمائة (4.2-%) في الربع الحالي, وهي أول فترة سلبية علي مدي عشر سنوات تقريبا.
وفي مايو, ومع انخفاض العائدات وهبوط احتياطي النقد الأجنبي بدت الدولة تنحدر باتجاه انهيار اقتصادي. وكان رد فعل المجتمع الدولي هو تقديم أربعين مليار دولار كالتزامات بالمساعدة عززت الثقة ومنعت – علي الأقل مؤقتا – أسوأ السيناريوهات المحتملة. لكن مصر لم تصل بعد إلي مرحلة الأمان.
وبينما يلتهم دعم الطعام والوقود ما يزيد علي 9 بالمائة من الميزانية السنوية المصرية إلا أنه ليس واضحا ما إذا كانت هذه المخصصات الكبيرة ستغطي نسبة 40 بالمائة من المصريين الذين يكسبون كل يوم دولارين فقط أم لا. ووفقا لإحصائيات حديثة أجرتها الحكومة المصرية زادت أسعار المواد الغذائية الرئيسية المحلية في الأشهر الاثني عشر الماضية بنسبة 100% تقريبا. وفي أوائل يونية وخلال فترة أسبوع واحد فقط, ارتفعت أسعار الأرز وزيت الطهي واللحوم بنسبة 11%.
وفي يناير, في جهد يمثل المحاولة الأخيرة لاسترضاء المحتجين والبقاء في السلطة أقر مبارك زيادة 15 بالمائة في رواتب القطاع العام. وبينما كانت الزيادة كبيرة إلا أنها لم تستطع مواكبة التضخم, وستكون أقل بكثير من توقعات الشارع المصري في مرحلة ما بعد الثورة.
علي أن هذا المزيج من الضغوط الاقتصادية وانكماش الجهاز الأمني وهروب المجرمين من سجون الدولة أثناء الثورة قد نتج عنه ارتفاع معدل الجريمة بصورة لا تدعو للدهشة. وفي الحقيقة, ووفقا لبعض التقديرات فإن النشاط الإجرامي – الذي يتراوح من الجنح إلي الجنايات – قد زاد إلي ما يصل إلي 200 بالمائة, والمصريون قلقون. فقد أفاد استطلاع أجراه ##مركز جالوب في أبو ظبي## نشر في مايو الماضي أن 39 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع قالوا إنهم ##شعروا بعدم الأمان في المشي وحدهم ليلا## وهي نسبة أعلي بـ 17 بالمائة مما كان عليه الحال قبل عام.
ومن جانبها رسمت الصحف المحلية صورة قاتمة للوضع الأمني. فما تزال مبيعات المسدسات, إن كانت قانونية أم لا, في تصاعد. كما أن أسعار البنادق الآلية من نوع AK-47 هي الأخري في ارتفاع. كما أصبحت السرقة الحدث الأكثر شيوعا. فعلي سبيل المثال, في مايو أفادت ##الشركة المصرية للاتصالات## عن سرقة كابلات هواتف خلال الأشهر الأربعة الماضية تبلغ قيمتها 5 ملايين دولار. وتنقل الصحافة المصرية أيضا أخبارا تتكرر إلي حد كبير عن حالات من الاختطاف والاغتصاب الجماعي لم يسمع بها من قبل.
وهناك تقارير غير مسبوقة عن سرقة سيارات لأفراد وشركات تجارية في جميع أنحاء مصر هي بنفس القدر من الشؤم. ووفقا لمقابلة مع رئيس جمعية للنقل والمواصلات نشرتها صحيفة ##اليوم السابع## اليومية في 9 مايو بأنه بالإضافة إلي العدد المرتفع لسرقة السيارات الشخصية, فقد تم الاستيلاء في الأشهر الأخيرة علي 15 شاحنة تحمل مواد بناء في جميع أنحاء مصر مما أدي إلي توقف هذه الشحنات. كما أن انعدام الأمن شبه التام في الطرق يساهم أيضا, كما جاء في المقابلة, في ,حدة] أزمة السلع الغذائية.
وعلي الرغم من صورة التطورات المثيرة للقلق بشكل متزايد في دولة كانت يوما ما مستقرة, إلا أن مصر اليوم لا تشبه مشهد فيلم ##ماد ماكس للشرق الأوسط## بعد الخراب. لكن المؤشرات غير مبشرة ولن تتحسن إن لم يكن هناك تركيز حقيقي علي الأمن. إن ما تحتاج إليه مصر الآن هو ليس المزيد من المال بل المزيد من الاستقرار. وكلما فهمت السلطات العسكرية ذلك بسرعة كلما كانت هناك فرصة افضل لمصر لتتمكن من قلب الحراك الحالي وبدء التحرك نحو مستقبل أكثر رخاء.
ويكلي ستاندرد