تعقيبا علي ما كتبت بخصوص زواج الأقباط تلقيت عددا من التعليقات والأسئلة تكشف عن إنه مازال هناك تشوش في فهم هذا الموضوع خاصة لدي إخوتنا المسلمين وربما يعود ذلك إلي تجاهل ثقافة الأقباط وعقائدهم من قبل معظم وسائل التأثير الجماهيرية وهذا أدي إلي محدودية معرفة ثقافة القبطي لدي شريك الوطن. وسأحاول بقدر المستطاع الإجابة علي أهم ما جاء في هذه الأسئلة والتعليقات.
هل الزواج والطلاق حق من حقوق الإنسان؟
نعم الزواج حق أصيل وأساسي من حقوق الإنسان نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 16 حيث نصت علي أنه ” للرجل والمرأة, متي أدركا سن البلوغ , حق التزوج وتأسيس أسرة, دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين, وهما يتساويان في الحقوق لدي التزوج وخلال قيام الزواج ولدي انحلاله. ولا يعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء كاملا لا إكراه فيه”. وكذلك ذكر حق الزواج في عدد كبير من الاتفاقيات الدولية , ولتأكيد هذا الحق الأصيل صدرت اتفاقية خاصة عن الأمم المتحدة وهي ” اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدني لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج” والتي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 7 نوفمبر 1962 والتي أكدت مبدأ وجوبية الرضا التام في الزواج وتسجيل الزواج كعقد يخضع لشريعة المتعاقدين, وكذلك وضع حد أدني لسن الزواج, وجاء قرار الجمعية العامة رقم 2018 المؤرخ في 1 نوفمبر لسنة 1965 ليؤكد ما جاء في الاتفاقية السابقة ويضع حدا أدني 15 سنة يجب أن تلتزم به الدول كحد أدني لسن الزواج.
ولكن يجب ضبط المفاهيم أولا, فالحق في الزواج لا يعني عدم احترام شريعة العقد, فالزواج عقد بين الزوج والزوجة والدولة ممثلة في القانون المدني في حالة الزواج المدني, وبين الزوج والزوجة والمؤسسة الدينية ممثلة في القانون الديني في حالة الزواج الديني. والمفترض أن العقد هو شريعة المتعاقدين ولا يفسخ بإرادة منفردة لطرف أو لكليهما ولهذا لا توجد إرادة منفردة في فسخ هذا العقد ولا حتي باتفاق الطرفين, ففي معظم دول العالم مؤسسة القضاء هي التي تفسخ هذا العقد كحكم بين الطرفين عندما يتقدم أحدهما أو كلاهما بطلب فسخ هذا العقد في الزواج المدني والمؤسسة الدينية هي التي تمثل الحكم في حالة طلب أحد الطرفين أو كليهما في الزواج الديني.
في الدول المتقدمة لا يترتب علي الزواج الديني أي آثار سوي تنفيذ الشخص لتعاليمه الدينية.
في الدول المتقدمة لا تستطيع الدولة أن تجبر المؤسسة الدينية علي إجراء زواج أو طلاق أو منع زواج يخالف معتقداتها إلا إذا كان يخالف القانون المستمد من اتفاقيات حقوق الإنسان كسن الزواج وتعدد الزوجات وخلافه.
تلتزم دول العالم المتحضر بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان في تساوي الحقوق في الزواج ولدي انحلاله.
ولهذا لم يذهب قبطي واحد في أمريكا أو أوربا أو أستراليا إلي المحاكم المدنية للشكوي من الكنيسة القبطية , رغم وجود حالات كثيرة من المطلقين في المهجر,لأن الأمور واضحة ,والكنيسة تتبع لوائحها في الزواج والطلاق والمحاكم تتبع قوانينها المدنية التي يترتب عليها كافة آثار الزواج , ومن يلتزم بتعاليم كنيسته يجمع بين الاثنين ومن يرغب في الزواج المدني فقط فهو حر, ومن يرغب في الزواج الكنسي فقط فهو حر ولكن يحرم من تسجيل هذا الزواج قانونيا ويحرم من الاستفادة من آثاره وعليه أيضا أن يتحمل آثار علاقته بزوجته من الناحية العملية, فهناك مسئولية قانونية تجاه الأبناء ثمرة هذه العلاقة.
المواثيق الدولية تؤكد وجوب انتفاء موانع الزواج بسبب الجنس أو العرق أو الدين أو اللون, ولكن يظل الزواج عقدا يلزم فسخه إجراءات محددة سواء علي المستوي المدني أو الديني, فالطلاق ليس حقا مطلقا للفرد وإنما هو مقيد بقيود تختلف حسب نوعه مدني أو ديني لهذا يسمي تطليق وليس طلاق .
في مصر ترفض الدولة إصدار قانون مدني عصري للزواج يستمد من التراث الإنساني ومواثيق الحقوق الدولية وترفض في نفس الوقت صدور قوانين زواج دينية يحددها أتباع كل دين حسب معتقداتهم دون تدخل من الدولة.
وهذا يقودنا إلي السؤال التالي:
إذا كانت مصر تأخذ بالزواج الديني, فلماذا رفضت القانون الموحد الذي وافقت عليه كل الطوائف المسيحية؟.
هناك ثلاثة أمور في القانون الموحد للحفاظ علي الأسرة المسيحية,أولا تحريم الطلاق بالشريعة الإسلامية إذا اختلف الطرفان في الملة ومن ثم لا يمكن الطلاق بمجرد تغيير الملة, وثانيا العقد شريعة المتعاقدين وتترتب آثاره لدي قيامه وانحلاله علي الشريعة التي تمت بها المراسيم الدينية ولا يترتب أي تغيير في العقد إذا غير أحد الطرفين دينه بما في ذلك حضانة الأطفال والمواريث وخلافه.
هل الشروط التي تضعها الكنيسة لرعاياها تخل بحقوق المواطنة؟ الإجابة قطعا بالنفي , في الواقع أن الشروط التي تضعها الدولة المصرية هي التي تخل بمواطنة الأقباط باتباع قوانين تمييزية بين الأقباط والمسلمين وعدم الالتزام بالحقوق المقررة في المواثيق الدولية للأقليات الدينية واحترام خصوصيتهم ولا بحقوق المرأة ولا بالحق في الزواج المدني المتساوي بين الجميع ولا باحترام خصوصية الأديان.
هل حيثيات الطلاق الكنسي تختلف عن حيثيات الطلاق في المحاكم ؟, وماذا لو حصل قبطي علي طلاق من الكنيسة ولم يحصل عليه من الدولة؟.
طبعا مختلفة لأن هناك خلافا بين الكنيسة والدولة علي قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين , وحتي ولو كان هناك اتفاق علي القانون سيظل الاختلاف حول تفسيره ولكن مع القانون الموحد ستضيق هوة الخلاف الموجودة حاليا.. وفي كل الأحوال سيستمر الطلاق المدني والطلاق الكنسي في ظل ازدواجية النظام القضائي. أما إذا حصل قبطي علي طلاق من الكنيسة عليه أولا أن ينتظر حتي يحصل علي الطلاق المدني ولن تسمح له الكنيسة بالزواج إلا إذا انحل عقد الزواج المدني, وقد رأيت بنفسي حالة لزميلة لي استمرت سنوات نتيجة لعناد الزوج أمام المحاكم في حين حصلت علي الطلاق الكنسي أو الموافقة علي الطلاق الكنسي بسهولة جدا نتيجة لتورط الزوج في فعل الزنا واعترافه بذلك وتماديه في معاشرة أخري غير زوجته وبقي التصريح بالزواج الكنسي معلقا حتي انتهت من طلاق المحاكم.
قيل إن الكنيسة القبطية تتبع تفسيرا معينا للإنجيل وليس التعاليم المسيحية كما جاء بها المسيح؟
هذه قضية خلافية تختلف فيها الآراء ولكنها في النهاية هي مسألة تخص علاقة الأقباط برئاستهم الدينية ولا يجب ولا يصح أن تتدخل الدولة لتفسير العقيدة المسيحية فهذا ليس دورها, ولا يستطيع جورج بوش أن يجبر كنيسة علي تفسير علي هواه ولم يستطع السيناتور جون كيري مرشح الرئاسة الأمريكي السابق أن يجبر الكنيسة الكاثوليكية علي تزويجه من زوجته الحالية لأنه كان مطلقا وحسب العقيدة الكاثوليكية لا يصح الطلاق لأي سبب, ولا يستطيع نائب الرئيس القوي ديك تشيني أن يجبر كنيسة في أمريكا علي أن تزوج ابنته من صديقتها لأن الكنائس لا تعترف بالزواج المثلي الذي تقره بعض الولايات الأمريكية .
هل تمنع الكنيسة غير المتزوج دينيا من ارتيادها؟ وهل يصح لأبنائه الزواج دينيا؟
الكنيسة لا تمنع أحدا من دخولها ولكن فقط تقول له إن ما يفعله خطيئة, وهناك بعض الأقباط في أمريكا وأوربا وكندا يعيشون مع صديقاتهم والكنيسة لا تحرمهم من دخولها ولكن فقط تنبه علي ما هو صحيح وما هو خاطئ, فالكنيسة لا تتعايش مع الخطيئة ولا تقرها ولكن بابها مفتوح دائما للتوبة. أما بالنسبة لأبناء الشخص الذي تزوج مدنيا وحتي اللقطاء فمسموح لهم بالزواج الديني لأن ليس لهم أي ذنب, وقد انتهت تعاليم اليهودية بأن الآباء يأكلون الحصرم وأسنان الأبناء تضرس. والكنيسة القبطية لديها ملاجئ للأبناء غير الشرعيين وأطفال الشوارع ويعاملون معاملة فاضلة وكذلك بعض أبناء من غيروا دينهم وقد تمت زيجات كنسية كثيرة لهؤلاء تحت رعاية فائقة من الكنيسة…فلا ذنب للأبناء علي ما اقترفه الآباء.
هل الكنيسة القبطية دولة داخل الدولة؟.
الحقيقة أن هذا الطرح تطرحه التيارات الإسلامية التي كانت تتبادل هذه المقولة مع الرئيس السادات ذاته, فكان يسرب هذه المقولة لشركائه من الإسلاميين وقد دفعت مصر كلها ثمن لعبة السادات الخطيرة, ومما يؤسف له أن البعض ما زال يردد مثل هذه العبارات المضللة, العالم كله يعرف أن الكنيسة القبطية وشعبها تحت التمييز والاضطهاد وأنها محاصرة وتمارس ضدها الدولة ضغوطا متواصلة لامتصاص غضب شعبها ودعوته لتحمل الاضطهاد وبعد هذا يأتي البعض ويردد العبارة المستهلكة بأن الكنيسة القبطية دولة داخل الدولة.
هل من حق المسلم أن يناقش الشريعة المسيحية ومن حق المسيحي أن يناقش الشريعة الإسلامية؟
من حق الجميع مناقشة الشرائع والأديان بكل حرية طالما أن ذلك يتم بأسلوب علمي مهذب, ولكن الشريعة المسيحية لا تطبق علي المسلم في مصر في الوقت الذي تطبق الشريعة الإسلامية في نواحي عدة علي المسيحي, ولهذا فمن حق القبطي أن يناقش الشريعة الإسلامية ويعترض عليها لأنها مفروضة عليه في العديد من القوانيين والتشريعات والأحكام القضائية وتشكل مصدرا للتمييز ضده.
ما الحل؟
العمل بكافة الجهود لمنع انزلاق مصر إلي مصير الدولة الدينية ومحاولة إخراجها من حالة الدولة شبه الدينية التي تعيش فيها الآن بتعزيز الدولة المدنية والمجتمع المدني وتحالف قوي الاستنارة والليبرالية ودعاة الإصلاح والعلمانية… وإلي أن يتم ذلك تعتمد الدولة شريعة الأقباط في الأحوال الشخصية كما يقرونها وتحترم عقائدهم وخصوصياتهم.
[email protected]