في خطابه أمام الاحتفال السنوي بعيد الشرطة في مصر كان الرئيس مبارك شديد الوضوح في الإعلان عن رؤية مصر لما يجري في غزة والمنطقة. قال الرئيس مبارك ## لن ننجرف إلي ما يقامر بأرواح أبنائنا إلا دفاعا عن أرض مصر وسيادتها ومصالحها العليا##,وواصل ## أن مصر لا تخضع للابتزاز ولن نسمح باستدراجنا إلي خطوات غير محسوبة العواقب, تنساق وراء مخططات قوي إقليمية معروفة, وتخدم أهدافها ومصالحها##. ووصف الرئيس مبارك مهرجان المزايدات بقوله ##إن تاريخ عالمنا العربي حافل بأمثلة عديدة لمن علا صوتهم وتضاءلت أفعالهم.. ولمن عرضوا شعوبهم لمعاناة الحروب ومهانة الاحتلال بسياسات غير محسوبة..وعلينا أن نتذكر كيف استدرجت مصر لحرب وهزيمة 1967, وعلينا ألا ننسي أن المشهدين العربي والفلسطيني الراهن هو بعض من تداعيات هذه الحرب وتلك الهزيمة##, وتساءل## بفرض سحب مبادرة السلام أو تجميدها فما البديل؟ هل هو مجرد قطع العلاقات وإغلاق السفارات؟ أم هي الحرب إلي آخر جندي مصري؟##.
هذه رؤية مسئولة وواضحة وتذكرنا بموقف الرئيس مبارك عام 1990 تجاه العدوان الهمجي لصدام حسين علي الكويت, وكان موقف مصر الحازم والواضح وقتها عاملا رئيسيا في تحرير الكويت ومتوافقا مع الشرعية الدولية, وعاد هذا السلوك السياسي الرشيد علي مصر بالفوائد الكثيرة سواء بإلغاء معظم ديونها أو بالتقدير الواسع علي المستوي الدولي.
وإذا كانت هذه رؤية مبارك العقلانية الحازمة وتحذيره الصارم من الزج بمصر في أتون الحروب مرة أخري, فلماذا تختلف عن رؤية الشارع المصري وإعلامه الذي يهلل للخراب والدمار؟ لقد لفتت التغطيات الإعلامية في مصر نظر الكثيرين من المحللين عن تردي وضع الإعلام المصري وانفصاله عن رؤية مصر الرسمية وتهليله لحماس وإيران ودعوته المتشنجة للحروب والجهاد وفتح المعابر والحدود, فكيف نفسر هذا التناقض بين رؤية النظام ورؤية شارعه وإعلامه؟
في تقديري أن النظام المصري يتحمل المسئولية عما آل إليه شارعه وإعلامه.
فإذا أضفنا إلي ذلك أن هناك حربا حقيقية بين النظام وتيار الإخوان المسلمين, وأن الإعلام سلاح رئيسي في هذه الحرب في يد هذه التيارات لنشر الفوضي والخراب, فهذا يفسر لنا هذا الهياج الإعلامي الذي صاحب أحداث غزة.
وهناك متغير جديد ظهر علي الساحة الإعلامية المصرية ,وهو ما يمكن تسميته ## لوبي الفضائيات##, وهو لوبي كبير يضم الكثير من قادة الرأي في مصر, وهو لوبي مستعد للظهور في الفضائيات الثورية التي تدفع بسخاء مهاجما وشاتما ومروجا للحروب والمواجهة مع إسرائيل وأمريكا.
لقد كنا نعاني أشد المعأناة من اللوبي السعودي الكبير في مصر , وقد تراجع هذا اللوبي لصالح لوبي إيراني واسع يعمل في مصر حاليا .وفي حين كان اللوبي السعودي, ولا يزال, يساهم في نشر التطرف والتخلف الديني عبر وهبنة مصر, نلاحظ أن اللوبي الإيراني يعمل بنشاط لنشر الفوضي والهياج الثوري.وخطورة اللوبي الإيراني أنه يعمل بتوافق مع لوبي الفضائيات.
والسؤال هل يستطيع الرئيس مبارك ضبط توجهات الشارع والإعلام المصري ووضعه في طريق العقلانية والرشادة السياسية؟
في تصوري الإجابة بالنفي, فكما قلت إن معظم هذا التطرف والهياج الإعلامي هو من صناعة أجهزة النظام , والوقت متأخر جدا بالنسبة للرئيس لإصلاح هذه المنظومة المتردية, وكل ما يقوم به النظام حاليا هو استخدام القبضة الأمنية الحديدية لتأخير تحويل هذا الهياج إلي فوضي عارمة.
[email protected]