لا يختلف اثنان ##عاقلان## في لبنان طبعا علي أن رد فعل نائب ##القوات اللبنانية## أنطوان زهرا علي ##اشتراط## رئيس مجلس النواب وزعيم حركة ##أمل## نبيه بري جعل ذكري استشهاد الرئيس رفيق الحريري مناسبة وطنية جامعة كي يشارك فيها حضورا وخطابه كان متسرعا ومرتجلا وسيئا, وعلي أنه كان في إمكانه أن ##يرفض## اشتراك بري في المناسبة بطريقة لائقة ولكن مقنعة لاقتناعه ومن يمثل بأن الهدف منها هو تمييع الذكري واحتواء أصحابها وإصابة فريق 14 آذار بالمزيد من الإحباط. وهذه الطريقة استعملها رئيس حزب ##القوات## الدكتور سمير جعجع قبل يومين عندما رحب بمشاركة الجميع في الذكري ولكن بعدما أكد أنها ليست مناسبة اجتماعية بل وطنية. ولا يختلف اثنان ##عاقلان## في لبنان أيضا علي أن الزعماء الذين تحدثوا في الفترة الأخيرة عن وطنية مناسبة 14 آذار وعن استعدادهم للاشتراك فيها في حال تصرف أصحابها المباشرون علي أنها كذلك, لا يختلفان علي أن تصرف هؤلاء الزعماء أو غالبيتهم لم يوح قط باقتناعهم يوم الاستشهاد وأثناء المرحلة غير القصيرة التي أعقبته بأن غياب رفيق الحريري عن هذه الدنيا كان خسارة وطنية أو كارثة وطنية. ومن يرفض هذا الكلام ليس عليه إلا أن يرجع إلي ذاكرة الناس المؤيدين للرئيس الشهيد أو المعارضين له ##حتي الموت## وهي كما يعرف الجميع ليست ضعيفة علي الإطلاق. وليس عليه أيضا إلا أن يرجع إلي أرشيف وسائل الإعلام كلها من مكتوبة ومسموعة ومرئية لأن فيها الخبر اليقين عن حقيقة المواقف والنيات. ولا يعني هذا الكلام طبعا اتهام هؤلاء القادة بأي دور, مباشرة أو مداورة, في استشهاد الحريري أو بتمني التخلص منه سياسيا علي الأقل, فغالبيتهم تربطنا بهم صداقة قديمة ومستمرة وأن اختلفت المواقف السياسية معهم, من دون أن يعني ذلك أننا نساوي أنفسنا كإعلاميين متواضعين بأصحاب القامات السياسية الكبيرة, ونحن نعرف كما كثيرون غيرنا ابتعادهم عن الشبهات.
ولا يختلف ##عاقلان## في لبنان أخيرا عليأن تلويح فريق 8 آذار – إذا جاز التعبير علي هذا النحو – ##بوطنية## الذكري ##الجامعة##, من دون أن يجعل منه قضية إلا في عدد محدود من وسائل الإعلام, إنما يرمي في ظل شعار حماية الاستقرار وإنجاح حكومة التوافق الوطني وتحديدا رئيسها الشاب سعد الحريري وفتح أبواب المستقبل السياسي أمامه ونزع كل العوائق منها, إنما يرمي إلي احتوائه, أو بالأحري إلي الاقتراب منه والتحاور معه والتفاهم معه تمهيدا لاحتوائه, باعتبار أن قراره (أي فريق 8 آذار المذكور) ورعاته الإقليميين لا يزال متابعة تنفيذ خطة الإمساك بالأوضاع في لبنان, كما يرمي إلي إحداث ##فرقة## بينه وبين الأطراف الآخرين في فريق 14 آذار الذي يتزعم. والاثنان ##العاقلان## المذكوران لا يختلفان أيضا علي أن رفض ##صقور## 14 آذار – إذا جاز إطلاق هذه التسمية علي البعض – تفويت ذكري استشهاد الحريري كونها المناسبة التي قد تسمح لهم بإظهار أن شعبيتهم المتنوعة التي أعطتهم غالبية في الانتخابات النيابية لا تزال موجودة وبأن النقاط التي سجلها 8 آذار وحلفاؤه الإقليميون علي فريقهم في السنوات الثلاث الأخيرة لا تعني أن فوزهم سيكون مضمونا في النهاية.
لماذا هذا الكلام الآن؟ وهل من أهدافه إبداء شكوك في جدوي الذكري الشعبية ##الحاشدة## لاستشهاد الحريري أو تأييد إحيائها شعبيا وعلي نمط السنوات السابقة؟
الهدف الأول من الكلام هو دعوة قادة لبنان وزعمائه وسياسييه, إلي أي ##صف## انتموا, إلي عدم استغباء الناس, أي المواطنين, أي جماهيرهم والشعوب. فكل من هؤلاء يعرف أن يميز بين الصادق وغير الصادق من الكلام الذي يسمع.
أما الهدف الثاني فلا علاقة له بتأييد الإحياء الشعبي لذكري الاستشهاد أو بعدم تأييده. وإنما له علاقة بما يوحد 14 آذار وما يفرقه, فهو توحد بفريقيه المسيحي والسني – وكذلك بفريقه الدرزي قبل أن ينفصل عنه الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط أو يتمايز عنه كما يقول – ضد وجود الجيش السوري في لبنان, وبعد خروجه منه صار موحدا ضد عودته إليه, وبعد تأكده من استحالة هذه العودة المادية صار موحدا ضد عودة نفوذه غير المباشر, بل ضد سيطرته علي البلاد من خلال حلفائه وشبكاته الذاتية. وهو اتحاد أيضا ضد سلاح ##حزب الله## وأجندته الإيرانية – السورية وضد سيطرته وشعبه علي السلطة في لبنان. ولا تزال وحدته هذه مستمرة رغم حديثه العلني عن ترك موضوع السلاح لطاولة الحوار. لكن هناك أيضا ما يفرق 14 آذار وإن كان الجميع يرفضون الخوض فيه. وقد ظهر ذلك في الموقف السلبي لمسيحييه من خفض سن الاقتراع وإنشاء لجنة لإلغاء الطائفية السياسية وموضوع قانون الانتخابات البلدية ومن قضايا أخري. وإذا كان زعيم هذا الفريق تيار المستقبل ##ساير## مسيحييه بالدعوة إلي الإجماع علي موضوع اللجنة وكان مستعدا لمسايرتهم في قضايا أخري, وأكد لهم تمسكه بالمناصفة و##انتهاء## العد, فإن ذلك لا يعني وجود وفاق بينهم علي كل الأمور, فلامركزية بعض مسيحييه الأقرب إلي الفيدرالية مرفوضة من ##المستقبل##. و##حيادية## لبنان مرفوضة منه أيضا.
كما أن للهدف الثاني نفسه علاقة بما يوحد 8 آذار وبما يفرقه. فما يوحده هو سورية أما ما يفرق بين مسيحييه ومسلميه فكثير, لكنه لن يهدد وحدته لأن سورية هي العراب والضامن, إلا طبعا إذا فاجأ العماد عون الجميع, علي جاري عادته في رأي أخصامه, وإن كان ذلك صار مستبعدا. وبسبب ذلك يمكن ملاحظة إن الالتقاء بين 8 و14 صعب. كما يمكن ملاحظة أن ##التطابق## داخل كل منهما ليس موجودا بالاختيار الحر بل أما بقرار خارجي عند البعض أو بحكم الظروف الصعبة عند البعض الآخر. وفي وضع كهذا كيف يمكن الحديث عن ذكري وطنية جامعة؟ وكيف يمكن الحديث عن أن جماهير كل من الفريقين, وهي متنوعة وأحيانا متناقضة, سبقت زعماءها من حيث متانة وحدتها والتزامها الشعارات الموضوعة؟
في اختصار يعرف رئيس الحكومة وزعيم ##تيار المستقبل## كل هذه ##الحقائق##. لكنه يتجاهلها علنا لأن واجبه الوطني يفرض عليه ذلك, ولأنه رئيس حكومة عليه مسئولية ترتيب الاوضاع وليس دفعها إلي الانفجار. أما ضمنا, فإنه ومن خلال ما سمعه في محادثاته مع الرئيس بشار الأسد يعرف أن مهمته ليست سهلة وأن تطبيع العلاقات بين البلدين ومن خلاله تطبيع العلاقات بين الشعوب اللبنانية يرتبط بأمور عدة بعضها صعب جدا إلي درجة الاستحالة ربما. فأي طريق يختار؟ الجواب عن هذا السؤال محصور فيه وحده. وربما يكون للعربية السعودية دور فيه.
* النهار اللبنانية