يبدو لنا من حكايتكم أستاذنا صفوت عبد الحليم والتي فيها كل حكاية مصر والتي روت ما أصاب أحد ضيوف مصر الاستشاري القادم من الدنمارك مع ابنته من ذهول وحيرة عندما فوجئ بالمستحدث داخل مصر أثناء البحث عن حقيبة صغيرته وأضطراره لدخول المخزن الواسع بمطار القاهرة ليجده خاليا من الموظفين الذين كانوا علي موعد داخل حجرة مغلقة ملحقة بالمخزن يأخذون درسا دينيا في مواعيد العمل الرسمية.
أستاذنا يبدو والأمر كذلك أنكم لم تجدوا الفرصة سانحة منذ أكثر من ربع قرن لزيارة المستوطنات الحكومية والطواف بمكاتبها وصالاتها ومبانيها وأكشاكها الخشبية واكتشاف ما تخبئه لكم الأقدار داخل هذه العنابر…خاصة إذا حالفكم الحظ وكنتم علي موعد مع قضاء إحدي المصالح اليومية تستلزم دخول إحدي هذه المستوطنات والعبور إلي مكاتبها فيما يشبه القفز إلي المجهول لتلمح ما تعجز عن وصفه الكلمات في هذا السياق بل والأغرب من أحد أفلام الخيال العلمي..
واطمئن أستاذنا وضيفه الكريم حتي لا يجدالغربة والوحشة فيما يحدث في أحد مكاتب مصر للطيران لأن الجديد والمستحدث في المخزن الخاوي,والغرف المغلقة ليس هو بجديد أو مستحدث بل تتكررمشاهده بصورة أو بأخري ودون غضاضة في معظم مصالحنا الحكومية حتي يفيق الضيف من ذهوله ويتحسر علي الأيام الخوالي..
وقد عايشت بنفسي وعايش الآخرون معي من الزائرين والصحفيين من خلال زيارات لمواقع العمل في بعض مدن الصعيد بل والقاهرة والإسكندرية ما عايشه صديقكم الكريم وأصابنا الذهول كما أصابه واكتفينا بالحسرة أيضا..
وأصدقكم القول لتجد العجب العجاب عندما تأذن بفتح أحد المكاتب الخاصة بموظف حكومي ولا تستغرب ما تراه بالداخل ففوق,بعض تكدس بعض الأدراج بالأورق والملفات والأضابير تجد أن هناك أماكن داخل أدراج المكتب لها أولوية خاصة لا تتعلق أساسا بالوظيفة الحكومية أو بالمعايير الوظيفية العامة..تفاجأ بأنك تجد كتاب القرآن الكريم والمراجع الدينية وبجانبه الكاسيت الصغير أو الراديو الترانزستور ودائما يضبط مؤشره علي إذاعة القرآن الكريم وأسفل المكتب (الشبشب) وخلف الكرسي للمنشفة موضعها الخاص وأيضا لسجادة الصلاة..ولا يفرق هذا ما بين موظف وعامل ورئيس قسم بل ومدير أحيانا ولا يفرق بين المسلم والمسيحي فهذا أيضا يدس في مكتبه الكتاب المقدس وفي كل درج ووسط كل دوسيه كتاب أو نبذات للقديس أو الشهيد الذي يتشفع بصلاته علاوة علي كتاب الصلوات اليومية (الأجبية) ولا عجب أن تجد في أوقات الصيام برطمان العسل أو الملح أو الطحينة بل وتتحول المكاتب مع الفراغ والكبت الحكومي ومظاهر التدين المفزعة إلي حلقات للفتوي والتفسير ومناقشات القضايا الساخنة..وصدق أو لا تصدق أستاذنا أن بعض المكاتب تحوي إضافة إلي كل ما سبق تليفزيونا صغيرا ”شئ لزوم الشئ”! وأحيانا تتطاول المناقشات إلي خناقات لا تحمد عقباها..
أما في مواقيت الصلاة فحدث ولا حرج إذ يخرج الموظفون أفواجا أولا للوضوء ثم الصلاة الرجال ثم السيدات ويمتد بهم الوقت للتفسير والحديث ولا بأس من تناول ما يحدث للأولاد والدروس الخصوصية و…إلخ وإذا لم توجد غرفة مخصصة للصلاة فلا بأس من تحويل غرفة العمل للصلاة والمناقشات الدينية بعد غلق الأبواب واستبعادالآخر…والعادي والمألوف أن تجد الموظف يتحرك بصعوبة في طرقات المصلحة الحكومية مشمرا عن ساعديه وأقدامه وواضعا المنشفه علي كتفه والسجادة في يده لتأدية الصلاة..ولا عزاء لصاحب المصلحة أو المواطن طالب الخدمة حيث يمر الموظف أمامه مسرعا بل وقد يأذن بعدم العودة ولا يستطيع صاحب المصلحة أن يمسك بتلابيبه؟!..
كاتبة صحفية