ما حدث للأقباط في ماسبيرو لن ينسي أبدا.. غضب الأقباط كان شديدا علي كنائسهم التي تهدم وتحرق وتغلق, وآخرها كنيسة الماريناب بإدفو.. خرجوا في مظاهرة سلمية إلي ماسبيرو يطالبون بحقوقهم, وإذا بالمكان يتحول إلي ساحة للاستشهاد.. مضت موقعة ماسبيرو ولكن سيبقي الهتاف دم القبطي مش رخيص.. وهذا لا يعني أن الثأر قادم.. ولكن يعني معرفة الجاني وتفعيل التحقيقات وإعلان النتائج.. ويعني ترسيخ المواطنة والاعتراف بحقوق الأقباط في بناء كنائسهم.. حول هذا كان حوار قداسة البابا مع كل مسئول جاء يقدم واجب العزاء.. حزنه كان غاليا ودموعه أغلي.. الحزن مسحه وعد الرب طوبي للأموات الذين يموتون في الرب.. يستريحوا من أتعابهم وأعمالهم تتبعهم (رؤ14: 13). والدموع جففتها أنشودة داود النبي الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج (مز126: 5)..
الأنبا موسي أسقف الشباب صدمته أحداث ماسبيرو.. وبقدر ما كان سعيدا لخروج الشباب القبطي في مظاهرة سلمية خارج أسوار الكاتدرائية كان حزينا علي سفك دماء أولاده.. ليس لرحيلهم فهو متيقن أنهم شهداء في الفردوس, ولكن حزنا علي إهدار المواطنة.. فكان قويا في إيمانه وقويا في دفاعه.. وكان قريبا من قداسة البابا في لقاءاته.. وعندما تحدث المشير حسين طنطاوي القائد الأعلي للقوات المسلحة مع قداسة البابا وطلب إيفاد بعض قيادات الكنيسة للتشاور مع عدد من قيادات المجلس العسكري في حل مشكلات الأقباط كان الأنبا موسي ضمن هذا الوفد.. حول ما دار في هذه اللقاءات ورؤيته للمستقبل.. كان لنا هذا الحوار.
* كيف رأيتم أحداث ماسبيرو؟
* * التظاهر السلمي حق دستوري.. ولكن نحن دائما نحذر أولادنا ممن يمكن أن يندسوا في وسطهم, ويسيئوا إلي المظاهرة باستخدامهم للعنف فيؤذونهم ويشوهون صورة التظاهر.. وهذا ما حدث في ماسبيرو.. فأنا أعلم وبيقين شديد أن الشباب سواء في مظاهرة ماسبيرو الأخيرة أو غيرها, لم يفكر إطلاقا في استخدام العنف, بدليل أن السيدات كن وسط المظاهرة بأطفالهن.. كان خروجهم تعبيرا عن غضب الأسرة القبطية مما يحدث بدءا من كنيسة القديسين إلي كنيسة الماريناب, وما يعانونه من إحباط شديد خاصة أن هذه الأحداث لم تحقق أي تحقيقات شافية, ولا أي مساءلة, ولا أي إعمال للقانون.. ولهذا كان من حقهم أن يتظاهروا, وأن يعبروا عن غضبهم, وأن يطالبوا بحقوقهم.. وكان علي الجيش والشرطة أن يحموا التظاهرة من المعتدين والبلطجية الذين جاءوا من الخارج وهاجموهم.. والمؤسف أنهم كانوا علي مرأي ومسمع من رجال الشرطة والجيش.. وهذا سؤال لابد من إجابة عليه.
* * أيضا نحن ننصح أولادنا بألا يخطئوا.. وهذه هي نصيحة قداسة البابا لهم بالحرف لا تخطئوا فنحن لا نحب أن تكون هناك هتافات غير بناءة, ونطالب بحقوقنا بأسلوب طيب وطريقة جيدة.
لا عزاء..
* ما حدث لأولادنا في ماسبيرو مجزرة, وساحة للاستشهاد.. كيف رأت الكنيسة الموقف؟ ولماذا فتحت أبوابها لتلقي العزاء؟
* * نحن كمسيحيين متعزيون, وواثقون أن أولادنا شهداء في الفردوس, ولسنا في حاجة إلي تعزية من أحد.. ولكنها كانت فرصة جيدة للتعبير عما في داخلنا.. عندما زار قداسة البابا وفد المجلس الأعلي للقوات المسلحة للتعزية, كنت موجودا.. وكانت أول كلمة لقداسة البابا لهم لي عتاب وأشار قداسته إلي الشاشة التي كانت موجودة بصالون الاستقبال, وتعرض وقائع أحداث ماسبيرو بكل تفاصيلها.. الأشرطة أظهرت كل شئ وبوضوح.. شاهدوا معنا صور البلطجية يحملون عصيانا وسكاكين وموجودين بجوار رجال الأمن ولا أحد يوجه لهم حتي كلمة لوم.. والدبابات وهي تدهس الشباب وتقذفهم فوق الرصيف لتعود بسرعة طائشة إلي الاتجاه الآخر لتواصل الدهس.
المكاشفة..
* وما تعليقهم؟
* * كان واضحا أن شريط الفيديو الذي شاهدوه في صالون البابا كان له رد فعل قوي لديهم.. وبدون أي مجاملة كان اللقاء ممتازا.. جلسنا معا ساعتين كانت كلها مكاشفة ومصارحة وقوبلت بمحبة وصدق من الفريق سامي عنان ومن أعضاء المجلس الذين حضروا اللقاء.
قضايا عاجلة..
* فيما تكلمتم؟
* * تكلمنا في موضوعين عاجلين, وموضوع آجل.. أول الموضوعات العاجلة كان مظاهرات ماسبيرو وتداعياتها.. تحدثنا عن كنيسة الماريناب وما قبلها.. وسألناهم: أين التحقيقات؟ أين نتائجها؟ ومعاقبة الجناة؟ أين إعمال القانون؟!.. فأجاب الفريق سامي عنان: لابد من تحقيقات شفافة وعادلة ونزيهة.. وهذه الكلمات الثلاث قالها اللواء ممدوح شاهين واللواء سامي دياب, لكن الفريق سامي عنان أضاف وتعلن نتائج التحقيقات وإذا لم تعلن نتائج التحقيقات سيستمر الاحتقان, ولابد أن يأخذ القانون مجراه.. كان واضحا أننا نتحدث عن شئ معروف لديهم جيدا, فقد قالوا إن هناك أخطاء ولابد أن يحاسب عليها مرتكبوها في ماسبيرو سواء القتل بالرصاص أو الدهس أو الضرب.
* * القضية العاجلة الثانية كانت دور العبادة.. موضوع طال بحثه والحديث عنه, وأعد مشروع قانون موحد لدور العبادة إلا أن فضيلة شيخ الأزهر رأي عدم الخلط, فلكل مقاييسه ومعاييره.. ولم يكن لدينا مانع في هذا سواء أن يصدر قانون منفصل للمساجد وآخر للكنائس, أو يصدر قانون تحت مسمي دور العبادة يكون الباب الأول للمساجد والثاني للكنائس.. المهم أن يكون لبناء الكنائس قانون لإنهاء الاحتقانات.. وأوضحنا أن لجنة العدالة التابعة لمجلس الوزراء كانت قد درست مشروع القانون وناقشت التعديلات التي رأتها الكنيسة.. واقترحنا أيضا خلال هذا اللقاء تشكيل لجنة مشتركة تمثل المجلس العسكري ووزارة العدل ولجنة العدالة والمواطنة وممثلي الكنائس المسيحية في مصر حتي لا تتجزأ المناقشات ويتعطل القانون مرة أخري.. ورحب الفريق سامي عنان, ووعد بالوصول إلي القانون دون تباطؤ وفي فترة زمنية محددة.
* والموضوع الآجل؟
* * الموضوع الآجل هو الإعلام.. وكان من الواضح أن الإعلام المصري غير محايد في أحداث ماسبيرو.. ونحن كنا نتابع ما يدور علي شاشة التليفزيون المصري ونتعجب من اتهامهم للأقباط برمي الجيش بالطوب وزجاجات المولوتوف والدعوة للخروج لحماية الجيش!!.. وهذا كلام لا يعقل بالإضافة إلي أنه أيضا تحريض لإخوتنا المسلمين علي الأقباط.. وعند زيارة وزير الإعلام لقداسة البابا قيل له إن دور الإعلام في أحداث ماسبيرو كان سيئا واعترف الوزير بذلك واعتذر.
* * عند مناقشتنا مع قيادات المجلس العسكري قيل إن هناك إعلاما مثيرا للطرفين وعلينا أن ننظمه.. وقلت لهم إنه من السهل تنظيم الإعلام من فوق, ولكن في هذا تكميما للأفواه, ومضايقة للناس.. واقترحت في هذا اللقاء أن يكون تنظيم الإعلام من خلال الإعلاميين أنفسهم.. علي الإعلاميين أن يجلسوا معا ويضعوا ميثاق شرف بعدم المساس بالأديان وأمن الوطن والوحدة الوطنية ويلتزموا به ويحاسبوا أنفسهم.. وأتمني أن يؤخذ بهذا الاقتراح.
ثلاث كلمات
* في ختام حواري سألت نيافة الأنبا موسي عن رؤيته للمستقبل؟!.. قال:
* * رؤيتي للمستقبل ثلاث كلمات لقداسة البابا فيها راحة لكل النفوس.. ربنا موجود.. كله للخير.. مسيرها تنتهي.. وهذه ثقتنا في ربنا, ولهذا تجدنا دائما في سلام.
* * ونختتم حديثنا باللقاء الممتاز لسيادة المشير مع قداسة البابا, الذي سيساهم بالقطع في حل المشكلات وإراحة النفوس.. كما أن وفدا من مشيخة الأزهر جاء لتعزية قداسة البابا وأظهروا مشاعر محبة طيبة.. الرب يحفظ مصرنا العزيزة من كل مكروه.