سجلت الولايات المتحدة نقطة أخري لصالحها بتوجيهها ضربة قاسية إلي ##القاعدة## إثر قتلها في الأسبوع الماضي للمتشدد الأمريكي من أصل يمني, أنور العولقي, لكن رغم هذا النجاح يتعين علي أمريكا وحلفائها الانتباه جيدا إلي عناصر ##القاعدة## الذين ينشطون خارج المعاقل التقليدية في باكستان وأفغانستان واليمن والقرن الأفريقي.
فمع أن قوة ##القاعدة## تراجعت بدرجة واضحة منذ العملية النوعية التي انتهت بمقتل زعيمها بن لادن في باكستان, وما ترتب علي ذلك من حيازة معلومات استخباراتية مهمة عن التنظيم ما أدي إلي التشكيك في قدرته المستقبلية علي التخطيط, إلا أني قلق بعض الشيء من الدلالات التي تعطيها أمريكا لبعض قيادات ##القاعدة## ممن قتلوا أو اعتقلوا في الفترة الأخيرة داخل باكستان, إذ رغم الإنجازات المحققة مؤخرا واستيعاب أجهزة الاستخبارات للأخطار المطروحة, يبقي هناك لغز كبير ينتظر الحل وهو أين سيظهر الوجه البارز في ##القاعدة## المسمي بسيف العدل ومتي سيكون ذلك؟ فهو بعد أن رشح لخلافة بن لادن اختفي عن الساحة تماما, بل لم يحتل أي منصب في الهيكل التنظيمي لـ##القاعدة##, فعدا أيمن الظواهري, القيادي التاريخي لـ##القاعدة##, يظل سيف العدل الأكثر خبرة وتمرسا, وهو أحد القادة الكبار في التنظيم الذين لا يعرف عنهم الكثير, وإن كانت صلاته بالملف النووي والكيمياوي لأسلحة ##القاعدة## يثير العديد من التساؤلات, كما أن النقيب السابق في الجيش المصري كان خلال هجمات الحادي عشر من سبتمبر الرجل الثالث في التنظيم والمسئول الأول عن عملياتها.
والأمر لا يقتصر علي ##سيف العدل## وخبرته في التعامل مع ملف الأسلحة النووية, بل يمتد إلي السعودي عدنان شكري جمعة الذي عين رئيس العمليات الخارجية في تنظيم ##القاعدة##, وبحيث أشرف عدنان علي التخطيط للهجمات الموجهة ضد الولايات المتحدة. لكن اللافت أن الرجل الذي يحتل المرتبة العاشرة في قائمة مكتب التحقيقات الفيدرالية لأكثر الشخصيات المطلوبة في أمريكا لم يتبوأ منصبا في الهيكل التنظمي الجديد لـ##القاعدة## بعد مقتل زعيمها بن لادن.
والحقيقة أنه رغم غياب معلومات عن نوايا الظواهري والهدف من إعادة هيكلة ##القاعدة## يمكن طرح احتمالين اثنين لغياب العنصرين المهمين عن هيكلها في هذه المرحلة, فإما أن ##سيف العدل## و##عدنان## همشا في المرحلة الجديدة ما بعد بن لادن, أو أنهما عوضا بعناصر أخري ليفرغا نفسيهما للتخطيط للعمليات وتوجيه ضربة نوعية أخري للولايات المتحدة, فلا يمكن لقيادات مكلفة بالتنظيم ولقاء الناس واستقطاب عناصر جديدة وجمع الأموال ومباشرة الأعمال اليومية لـ##القاعدة## أن تكون مؤهلة بعد كل هذه الأعباء للتخطيط للهجوم الكبير القادم علي أمريكا.
كما أنه من غير المنطقي أن تلجأ ##القاعدة##, التي عانت من استنزاف رجالها وكوادرها إلي تهميش عناصر تعتبر من خيرة مواردها البشرية, ليبقي الاحتمال الأكبر أن يكون الظواهري طلب من الرجلين التفرغ للتخطيط وإعادة فرض## القاعدة## علي الساحة بالتهيؤ لضربة جديدة.
وأعتقد أن الظواهري بدأ عملية التخطيط في سرية تامة قبل ثلاث سنوات عندما أعلن نيته شن هجوم كبير علي الولايات المتحدة يسفر عن عدد أكبر من القتلي في كتابه الصادر في 2008 بعنوان ##التبرئة##.
واليوم بعدما أمسك الظواهري زمام القيادة علي رأس ##القاعدة##, سيحاول فرض نفسه كقائد قادر علي ضرب أمريكا.
ولو صح هذا التقدير للموقف, فمن الطبيعي أن تلجأ ##القاعدة## إلي عزل العناصر المكلفة بالتخطيط للعملية الكبيرة عن أي اتصال يكشف مخططهم, ذلك أن تعرف القاعدة تمام المعرفة أن السرية التامة وعزل مراحل التخطيط عن بعضها البعض, هو السبيل الوحيد لحماية العملية وضمان عدم فشلها.
ومع أن ##القاعدة## تعرضت في الآونة الأخيرة لضربات أفرغتها من عناصرها الجيدة والقيادية, فإنها ما زالت تضم في صفوفها عناصر لتخطيط وتنفيذ العمليات, ومن هؤلاء ##عبد العزيز المصري##, الرجل الذي أشرف علي مشروع تجارب متعلقة بقنبلة نووية في الصحراء الأفغانية خلال .1998
وبالإضافة إلي ذلك هناك قيادي آخر بارز في ##القاعدة## من باكستان متخصص في السلاح النووي لا يعرف مكانه, وهو ما يثير قلقا فعليا من نشاط بعض العناصر ذات الدراية بالسلاح النووي, فأين يتواجد هؤلاء الرجال بخبراتهم التنظمية والقتالية الكبيرة؟ إذ لا يعقل أن تغامر ##القاعدة## بالاحتفاظ بهم داخل باكستان واتخاذ هذه الأخيرة كملاذ آمن للتخطيط للهجوم القادم.
كما أن ##القاعدة## لم تعتمد علي باكستان ولا أفغانستان في التخطيط لعمليات الحادي عشر من سبتمبر, بل لجأت إلي مسجد ##القدس## في هامبروج بألمانيا, وأوكلت المهمة لمحمد عطا, وليس صدفة ألا يتواجد في باكستان أي من العناصر الكبيرة في ##القاعدة## باستثناء, عدنان شكري جمعة.
فقد يكون الظواهري قرر بسبب المراقبة المكثفة علي باكستان نقل عمليات التخطيط إلي بلدان أخري سواء في أوربا, أو شرق آسيا, أو حتي جنوب أمريكا درءا لأعين أجهزة الاستخبارات.
فهل ستكون الولايات المتحدة وحلفاؤها متيقظين لعملية كبيرة يجري التخطيط لها خارج الأماكن التقليدية المعروفة؟ وهل هي متنبهة لاحتمال التهيؤ لعملية كبري شبيهة بهجمات 11 سبتمبر؟ هذا ما يتعين علي الاستخبارات كشفه بالاعتماد علي المعلومات المتحصل عليها من المجمع السكني الذي كان يعيش فيه بن لادن, ومن الأجهزة الصديقة والمتعاونة حول العالم.
باحث بارز بمركز ##بيلفر## للعلوم والشئون الدولية بجامعة جون كنيدي
كريستيان ساينس مونيتور