بعد مرور ما يقرب من عشر سنوات علي هجمات 11 سبتمبر, وعام من اليوم الذي كان سيحدث فيه التفجير في ##تايمز سكوير##, وهي المحاولة الإرهابية الأخيرة في مدينة نيويورك, قتلت ##القوات الخاصة الأمريكية## زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في ملاذه الآمن في باكستان, علي بعد حوالي 40 ميلا شمال إسلام أباد. وقد سارع الكثير من النقاد إلي القول بأن بن لادن لم يكن سوي رئيسا صوريا لـ تنظيم القاعدة منذ فترة طويلة, وقللوا من قيمة موته باعتباره ليس أكثر من نصر معنوي.
وفي الحقيقة فإنه رغم أن بن لادن قد لعب دورا ضعيفا, هذا إن كان قد أدي أي دور عملياتي علي مدي السنوات القليلة الماضية, إلا أنه كان واجهة المنظمة وصوت رسالتها وأيديولوجيتها المتطرفة. ومن ثم فإن قتله يمكن أن يمثل نقطة تحول في صراع عالمي ضد الإرهاب استمر عقدا من الزمن.
وعلي المدي القريب يوفر موت بن لادن فرصة لمجندي الإرهابيين وجامعي التبرعات. وكما حدث بعد موت تشي جيفارا, سيظهر بن لادن علي الملصقات والقمصان من نوع ##تي شرت## لفترة طويلة مقبلة. وكأداة إعلانية وجامعة للتبرعات فإنه ربما يثبت بأنه فعال في موته كما كان في حياته, علي الأقل علي المدي القصير.
لكن موت بن لادن ليس مجرد خسارة اسم مشهور بل إنها صفعة قوية لمعنويات جنود مشاة القاعدة واستقرار قيادة التنظيم المركزية.
مما لا شك فيه أن نائب بن لادن, الطبيب المصري الذي تحول إلي إرهابي, أيمن الظواهري, سيخلف المقتول كزعيم تنظيم القاعدة. لكن في حين كان بن لادن رمزا موحدا إلا أن الظواهري هو شخصية مثيرة للخلاف, وربما يعيد صعوده إلي قمة القيادة إلي إضرام نار التوترات الساخنة بين الأعضاء المصريين واليمنيين وغيرهم في تنظيم القاعدة وكذلك أتباعهم.
ومثل هذه التوترات لها تاريخ طويل داخل المنظمة. فعلي سبيل المثال, الحسين كيرتشو من أوائل الناشطين في تنظيم القاعدة قد أصبح مارقا بعدما رفض أحد مساعدي بن لادن طلبه بالحصول علي خمسمائة دولار لتغطية نفقات الولادة القيصرية لزوجته. وقد اشتعل غضبه عندما دفع تنظيم القاعدة ثمن سفر مجموعة من المصريين أرسلوا إلي اليمن لتجديد جوازات سفرهم. وفي شهادته في وقت لاحق, قال كيرتشو ##لو كانت معي بندقية ,لكنت قد قتلت بن لادن] في ذلك الوقت.##
وعلاوة علي ذلك, لا يعتبر من المبالغة إذا قلنا إن موت بن لادن في أعقاب ##الربيع العربي## يأتي في وقت حساس لـ تنظيم القاعدة, فقد قدمت الثورات في جميع أنحاء المنطقة تحديا حادا من نوع خاص لأيديولوجية الرفض لـ تنظيم القاعدة ورؤيته للعالم. ففي غضون أسابيع نجحت مجموعات من الشبان العرب أن تحقق بصورة سلمية نسبيا ما فشل تنظيم القاعدة وأمثاله في تحقيقه خلال سنوات طويلة من العنف العشوائي.
ومع تخلي بعض مؤيدي تنظيم القاعدة الأصليين عن دعمهم لأعمال العنف التي تقوم بها الجماعة, وحيث لا يراهن الشرق الأوسط علي الشبكة الإرهابية التي لا تقدم أي بديل للوضع الراهن بل يتوق إلي مجئ الإصلاحيين السياسيين التكنوقراط الذين يعرضون برنامجا ملموسا لتغيير قريب المدي, فسيكون لخسارة بن لادن تأثير خاص. وفي الحقيقة وفي الأسابيع التي سبقت مقتل بن لادن, كشفت دراسة أجراها ##مركز بيو للأبحاث## عن الجماهير المسلمة حول العالم عن وجود دعم ضئيل لزعيم تنظيم القاعدة.
ومع ذلك وكما يمكن توقعه, ليس الأمر كله ورديا. فعلي الرغم من مقتل بن لادن إلا أن الجماعات والأتباع والفروع التي أنشأها وألهمها ما تزال تختار أهدافا غربية. ففي الأسبوع الماضي ألقت السلطات الألمانية القبض علي ثلاثة يشتبه في كونهم من نشطاء تنظيم القاعدة, والذين قيل أنهم كانوا في المراحل النهائية للتخطيط لهجمات إرهابية في ألمانيا. وقد كانت هذه فقط آخر المخططات الدولية لإبراز حقيقة أن التهديد الإرهابي للغرب ما يزال واضحا وماثلا.
وليس فقط تنظيم القاعدة والفروع المماثلة له مثل ##تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية##, ولكن أيضا المنظمات التي تدور في فلكه مثل عسكر طيبة والمتطرفين الناشئين في الداخل الذين استلهموا الرسالة والأيديولوجية المتطرفة لـ تنظيم القاعدة, ما يزالون جميعا عازمين وقادرين بدرجات مختلفة علي تنفيذ هجمات إرهابية. وسواء كان بن لادن حيا أم ميتا فإن بعض هؤلاء الإرهابيين المنظمين والمتطرفين العنيفين المحليين سوف يستمرون في إظهار العزيمة علي اتخاذ خطوات علنية وعملياتية لتنفيذ أعمال إرهابية. وفي الحقيقة فإن موته ربما يدفع البعض إلي حافة الراديكالية ويحشد آخرين, الذين هم متطرفون بالفعل, لتنفيذ مخططات إرهابية. لكن ثمة حقيقة أيضا هي أن العمليات الاستخباراتية تجبر خصوم الولايات المتحدة علي الرد مما يخلق ذيولا في الاتصالات والسفر والتمويل يمكن أن تؤدي إلي مزيد من الاضطرابات.
غير أن كل ذلك لن ينهي الإرهاب الذي انتشر إلي ما هو أبعد من جوهر تنظيم القاعدة, لكنه يمكن أن يمهد السبيل لمزيد من النجاحات في مكافحة الإرهاب في الحرب الطويلة ضد التهديد غير المتكافئ الذي يشكله الإرهاب العالمي. إن مقتل بن لادن ليس مجرد هزة عنيفة لشجرة بل إنه أقرب ما يكون إلي قطع أطول شجرة في الغابة.
ماثيو ليفيت هو مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن
نيويورك ديلي نيوز