برغم التقدم الكبير في منظومة القانون لتحقيق العدالة الإنسانية,مازالت بعض المجتمعات النامية تتجاهل هذه المنظومة القانونية وتلجأ في كثير من الأحيان إلي ما يسميالجلسات العرفيةلإنهاء نزاعات.تلك الجلسات التي تتم في معظم الأحيان بلا قواعد أو قوانين منظمة وتنصر الجاني وتدهس الضحية.
من هذا المنطلق أعد الزميل نادر شكري كتابجلسات الصلح العرفية والأقباطالصادر عن سلسلة كتابوطني مؤخرا,والذي قدم فيه رصدا وافيا لعدد من الحوادث الطائفية التي انتهت ببراءة الجناة وإخراس المجني عليهم.
بدأ الكتاب بجريمة الكشح عام 2001 والتي برئ فيها جميع المتهمين مما دعا الكاتب وليم ويصا أن يقولإذا سلمنا بأن الـ 21 مسيحيا الذين قتلوا في الكشح الثانية لم يقوموا بعملية انتحار جماعي فإن الحكم جاء تتويجا لكل الأخطاء التي ارتكبت بعمد وبغير عمد أثناء سير القضية ابتداء من التحقيق حتي صدور الحكم,ثم ينتقل الكاتب إلي جريمة بني والمس التي وقعت عام2002 حيث اقتحم عدد كبير من شباب القرية الكنيسة ورشقوا المصلين بالحجارة,وتسلقوا المنارتين ونزعوا الصلبان وألقوها في الأرض وتعدوا علي المصلين,وتوالت أحداث العنف حيث تم حرق13 منزلا وألقت الشرطة القبض علي50 متهما تم إخلاء سبيلهم جميعا بعد جلسة صلح عقدت عقب الأحداث بأيام قليلة…!
وفي عام2003 تكرر نفس السيناريو في جرزا بالعياط مما دعا الأستاذ يوسف سيدهم رئيس تحرير وطني أن يكتب في مقاله الافتتاحيليس من المعقول ولأمن القانون أنه كلما تفجرت أحداث عنف بين المواطنين في أي مكان علي أرض مصر وكان طرفاها المسلمين والمسيحيين أن يفرض ستار من التعتيم علي الأحداث بدعوي عدم إثارة الرأي العام,وينسحب القانون وتتعثر التحقيقات وتتلاشي مواصفات كل منالجاني والضحية وسط مسرحيات مفتعلة يطلق عليهاجلسات الصلح.
ويواصل الكتاب السير علي الأشواك وحصد الثمار المرة لأحداث قريةمنقطينبسمالوط عام2004 .وكفر سلامة عام2005 والعديساتوعزبة واصف عام2006 وبمها,والروضة,وجبل الطير,وإسنا عام2007 والنزلة,وطامية والطيبة عام2008 ثم عزبة بشري وعزبة جرجس والفقاعي وعزبة باسيليوس وحجارة ودير أبوفانا عام2009.
في كل هذه الحوادث البشعة يتم دفن القانون وتشيع جنازته علي الملأ مما يترتب عليه-كما يقول الباحث والمفكر نبيل عبد الفتاح-مدير مركز تاريخ الأهرام في مقدمة الكتاب: إفقاد القانون لوظائفة ولاسيما المساهمة الفعالة في تحقيق الأمن الاجتماعي واستقرار العلاقات بين المخاطبين بأحكامه,وخاصة إضعاف وظيفتي الردع العام والخاص وهو المستهدف من وضع القوانين.
وجرس الإنذار الذي يدقه الكتاب حاليا هو خطورة تكرار نفس السيناريو الممل والظالم علي أحداث نجع حمادي الأليمة التي فجع بسببها كل المصريين,خاصة وأن ما يحدث علي أرض الواقع الآن من قبض علي بعض الأقباط بكونهم مشاغبين يعد الجزء الأول من هذا الفيلم الهزلي الذي يضطر علي أثره الأقباط الخضوع لجلسات الصلح العرفي لخروج أبنائهم من وراء القضبان,والأمر جد خطير فالجلسات كما يقول الكاتب الصحفي صلاح عيسي رئيس تحرير جريدة القاهرة مجرد تسكين مؤقت ولن تأتي بثمار في إنهاء الاحتقان الطائفي الذي يتراكم يوما وراء الآخر ويهدد بانفجار قد يصعب إخماده.