كلما جاء شهر يوليو طافت بخيالي الكثير من الذكريات بدايتها في طفولتي عندما قامت ثورة 1952 وكان ميلاد أول جمهورية.. لم أكن أدري من أمور الدنيا الكثير.. ولا أعرف في شئون السياسة شيئا.. ولكن كنت ككل أطفال جيلي سعداء
كلما جاء شهر يوليو طافت بخيالي الكثير من الذكريات بدايتها في طفولتي عندما قامت ثورة 1952 وكان ميلاد أول جمهورية.. لم أكن أدري من أمور الدنيا الكثير.. ولا أعرف في شئون السياسة شيئا.. ولكن كنت ككل أطفال جيلي سعداء بالثورة إذ حمل ميلادها فرحا كبيرا لنا وإن كان لم يتعد حدود عقولنا الصغيرة.. كان الفرح بالنسبة لنا صوت الأغاني الوطنية التي تشدو من مذياع صغير بالبيت أو في مكبرات الصوت بالميادين.. عند شاطئ رأس التين كنا نراقب من بعيد الباخرة التي تحمل الملك وهي تبحر أمام عيوننا حتي اختفت.. رأينا العلم الزاهي بألوانه الأحمر والأبيض والأسود الذي ارتفع فوق السرايا محل العلم الأخضر القديم.. ومضت الأيام لأعيش ميلاد الجمهورية الثانية بثورة جديدة.. ستون عاما بين الجمهوريتين أو بين الثورتين.. ستة عقود حافلة بالأحداث والذكريات وكان أكثرها قربا من دائرة اهتماماتي كل ما هو يتعلق بالشأن القبطي, ومازلت أحتفظ به في مخزون ذاكرتي..
وجاء يوليو هذا العام ونحن مع ثورة جديدة.. لم أعد طفلا يري فقط في ثورة يناير حماس الشباب, ولا اللون الأحمر في دماء الشهداء, ولا باعة الكشري والترمس في التحرير.. رأيت في ثورة يناير روحا جديدة.. في الميدان كان الهتاف مسلم مسيحي إيد واحدة ووسط الحشود المليونية رفع المصحف إلي جانب الصليب, وعندما سال الدم امتزج دم المسلم بدم المسيحي شهداء الثورة, فالكل واحد مصريون..
هكذا رأيت الثورة في ميلادها.. ولا أنكر أن الأمور سارت فيما بعد علي غير ما كنا نتمني, وأصبحت السطوة لحزب ذي مرجعية دينية.. ولكن الأمل ما زال باقيا في رئيس أعلن أنه رئيسا لكل المصريين.. ربما يكون هذا الأمل حلما.. ولكن حتي لو كان.. دعوني أحلم بمستقبل نستعيد فيه ما بقي من عمرنا نحن الأجيال التي عاشت التمييز بكل أشكاله.. نعيش نحلم بهوية مصرية تبني نفسها عبر الاعتراف بالآخر.. وصدقوني الحلم ليس بعيدا ما دامت مصر كما قال مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث في مقولته الشهيرة مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا.