فجرت جريمة اعتداء السلفيين علي مواطن قبطي بمحافظة قنا تحت دعوي تطبيق الشرع, مخاوف شديدة من تزايد نفوذ السلفيين وعودة الأعمال الإجرامية غير القانونية التي قامت بها الجماعات الإسلامية خلال فترة التسعينيات, لاسيما أن بعض المحافظات من أبرزها القاهرة والإسكندرية شهدت أعمال بلطجة وتهديد وتوزيع منشورات تحظر خروج السيدات من المنازل بعد الساعة التاسعة مساء وأن من يخالف ذلك يتعرض لتطبيق الحدود.
وأثار دور القوات المسلحة والشرطة جدلا واسعا, فلم تختلف طريقة تعاملهما مع هذه الأعمال الإجرامية عن سلوك جهاز أمن الدولة السابق, حيث أهدرت دولة القانون لحساب جلسات الصلح العرفية التي تعطي الجناة فرصة ذهبية للإفلات من العقاب.
تجدر الإشارة إلي أن بعض الملتحين الذين ينتمون للتيار السلفي قاموا بالاعتداء علي أيمن نور متري قبطي.. وقال عصفور وهيب – محامي الضحية – إن المجني عليه يمتلك شقتين بمنطقة مساكن عثمان الجديدة, حيث قام بتأجيرهما الأولي إلي أمين شرطة يدعي خالد السيوفي, والشقة الثانية قام بتأجيرها لمدة عام لفتاتين شقيقتين, وبعد فترة قام سلفيون معروفون بالمنطقة بالاتصال بالضحية وطالبوه بضرورة طرد الفتاتين احتجاجا علي وجودهما بمفردهما, فلم يتردد أيمن وطالبهما بالرحيل, وفي يوم الأحد الماضي تلقي اتصالا من أحد الجيران يبلغه بأن شقته اشتعلت فيها النيران فذهب لإطفائها وتمكنت قوات الإطفاء من إخماد الحريق مبكرا.
وأثناء تواجده بالشقة جاء بعض السلفيين وطلبوا منه استدعاء الفتاتين وهو ما حدث حيث جاءت إحداهما بعد اتصال من إحدي السيدات التي تسكن في شقة مجاورة ثم طلبوا منها الاعتراف بوجدو علاقة مع أيمن نور وهو ما رفضته الفتاة في البداية, وأضاف أنه تحت الإرهاب اعترفت الفتاة بذلك, فقام نحو 15 شخصا بالاعتداء بالضرب المبرح علي موكله ثم القيام بقطع أذنه وإصابته بجروح قطعية في الرقبة والذراع.
واتصل أحد المعتدين بالشرطة قائلا لهم إنهم طبقوا شرع الله ويدعوها إلي المجئ لتطبيق القانون.. فجاءت الشرطة وقام بأخذ موكله, بينما لم تفعل شيئا للجناة خاصة أن حوالي مائتان سلفي كانوا ينتظرون أسفل المنزل, وحرر محضرا بالواقعة رقم 993 لسنة 2011 حيث برأت الفتاة أيمن متري من أي اتهامات حاول الملتحون نسبها له وروت ما حدث لها بعد اتصال سيدة بها للحضور للشقة بحجة إلقاء أثاثها من الشقة التي تركتها قبل الحادث بعشرة أيام, واستمعت لأقوال أيمن بعد علاجه, وإجراء عملية لتضميد جراح الرقبة ونزيف الأذن التي تم قطعها.
وعقدت جلسة صلح عرفية مساء الأربعاء الماضي بحضور الحاكم العسكري بمدينة قنا والضحية أيمن متري وأسرته وكهنة الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليك وعدد من المشايخ وجمال النجار عضو مجلس الشعب السابق والشخص المتهم بقطع أذن الضحية وبعض من التيار السلفي حيث أقرت الجلسة التصالح وأوصت بوحدة المصريين محبة المسلمين والأقباط والحفاظ علي القيم المجتمعية وبموجبه تنازلت أسرة الضحية عن المحضر بالواقعة.
وقال الدكتور أحمد كمال أبوالمجد نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان السابق لـوطني إن جريمة قنا هي جريمة شنعاء مست النسيج الوطني, وأن غياب سيادة القانون يساهم في الاحتقان الذي يمر به المجتمع حاليا.
دعا د. أبوالمجد إلي تدخل العقلاء لحل الأزمة الراهنة ومعالجة المشكلات المتراكمة بشكل جديد, واستعادة روح التسامح في التعاملات بين المسلمين والمسيحيين وأن يعود كل فرد إلي أصول الدين, خاصة أن ما يجمع بين الأديان أكبر من الاختلافات بينها, ولكن المشكلة تظهر حينما يظهر التطرف والتشدد دون وعي.
كما دعا د. أبوالمجد إلي تشكيل لجنة من الحكماء تضم بعض رجال الدين الإسلامي والمسيحي وممثلي مؤسسات التعليم والإعلام والثقافة والعلاقات الخارجية والبدء في التعامل بحكمة وهدوء مع هذا الملف الذي يضر بأمن مصر القومي, واستغلال روح ثورة يناير في التخلص من كل المشكلات السابقة, مع الوضع في الاعتبار أن هذا يتطلب مزيدا من الوقت لأن النفوس مشحونة وليس من السهل القضاء علي تراكم عشرات السنوات في أيام قليلة.
أوضح د. أبوالمجد أن حل مشكلات التوتر الطائفي يكون عبر المصارحة وسيادة القانون, ثم يلي ذلك المصالحة, بينما استمرار جلسات الصلح العرفية وحدها يهدد سيادة القانون, ويعمل علي استمرار الاحتقان ومضاعفته.
وقال الدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض أستاذ القانون الدولي إن وقوع هذه الجريمة في غاية الخطورة ويدق ناقوس الخطر, خاصة أنه يبرز أن هناك فئة تحاول تنفيذ العقوبات علي الآخرين وتعبث بسيادة القانون, وبدون سيادة القانون لا توجد دولة, ومن ثم علي كل الجهات المعنية سرعة التعامل بصرامة مع الجناة حفاظا علي الدولة من الانهيار.
من جانبه أكد فضيلة الشيخ سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف أن الإسلام لم ينصب أتباعه لكي يصدروا الأحكام من تلقاء أنفسهم, وإنها الإسلام يدعو للموعظة الحسنة, وإذا ثبت مخالفة مواطن في أمر ما يتم اتخاذ الإجراءات ضده حسب القوانين المعمول بها في المجتمع, وفي حالة صدور أحكام من القضاء ضد أفراد يتم تنفيذ العقوبة من أجهزة الدولة وليس عبر أفراد.
شدد فضيلة د. سالم علي أن جريمة قنا هي جريمة بشعة بكل المقاييس ومن أجل عدم تكرارها مرة أخري, لابد من القبض علي الجناة وتطبيق أقصي عقوبة عليهم وأن تنشر هذه العقوبات في كل وسائل الإعلام.
وفي هذا الإطار دعا نيافة الأنبا كيرلس أسقف نجع حمادي القوات المسلحة لوقف البلطجة باسم الدين لمنع انتشار هذه الجرائم إلي مناطق أخري, وأن ما حدث جريمة مست كرامة وهيبة الدولة.
هذا وأعلن الأنبا شاروبيم أسقف قنا وتوابعها عن وقوع ثلاث حوادث إقامة الحد من قبل سلفيين علي أقباط خلال الأسبوعين الماضيين, الواقعة الأولي تخص المواطن إبراهيم فؤاد الذي قتل بعد خلاف مع جار مسلم والثانية تخص مينا طلعت عشم حيث ادعي سلفيون أنه علي علاقة بفتاة مسلمة وقاموا بإلقاءه من الدور الرابع.