قبل أكثر من شهر, زار والده, وهو مصرفي ثري, السفارة الأمريكية لدي نيجيريا معربا عن قلقه من اختفاء ابنه ومن أنه ربما يتسكع مع متشددين يتخذون من اليمن مقرا لهم. وقد جمعت وكالة الأمن القومي معلومات استخباراتية أن تنظيم القاعدة يخطط لاستخدام نيجيري مجهول الهوية في هجوم إرهابي علي الولايات المتحدة. لم يمنح الرجل تأشيرة سفر لدخول بريطانيا, لكنه يملك تأشيرة صالحة لدخول الولايات المتحدة مرات عدة.
في النسخة السينمائية, كانت الأضواء ستلمع علي شاشات الكمبيوتر في غرفة مظلمة بمبني عادي في ضواحي فرجينيا الشمالية, وكان المسئولون الاستخباراتيون سيتحدثون عبر الهاتف طارحين أسئلة ملحة عن الشاب. أما في الحياة الواقعية, فلم يحصل أي شيء من هذا. هناك بالفعل مبني عادي لا يحمل علامات مميزة خارج واشنطن حيث يدرس المحللون في المركز الوطني لمكافحة الإرهاب المعلومات الاستخباراتية, بحثا عن مؤشرات وأنماط مثيرة للخطر. حتي إن غرفة عملياتهم تبدو كأنها مستوحاة من أفلام. وقد صممت بالتعاون مع شركة ##والت ديزني كو## وفقا لمسئولين استخباراتيين معنيين بالتخطيط. لكن عندما استقل عمر الفاروق عبد المطلب, البالغ من العمر 23 عاما, الرحلة 253 التابعة لشركة ##نورث وست إيرلاينز## صبيحة عيد الميلاد مع قنبلة خيطت في سرواله الداخلي, لم تفعل الحكومة الأمريكية شيئا لردعه. لعل الحظ وشجاعة الركاب الآخرين وطاقم الطائرة هما العاملان الوحيدان اللذان سمحا بتفادي الهجوم الإرهابي الأسوأ ضد الولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر.
يسارع المسئولون في المجتمع الاستخباراتي إلي الإشارة إلي أن الوقائع تبدو دائما أوضح بعد حدوثها, وإلي أنهم يتلقون كما هائلا من الخيوط الخاطئة والضجيج الفارغ علي مدار الساعة. غير أن العطل في المنظومة قد يكون أسوأ مما أقر به علي الملأ. في الأشهر التي سبقت هجوم الميلاد, كانت هناك علامات تحذير كثيرة قادمة من اليمن. ففي مطلع أكتوبر, نشر أنور العولقي, وهو رجل دين متشدد يتخذ من اليمن مقرا له, رسالة استفزازية علي موقعه الإلكتروني الصادر باللغة الإنجليزية: ##هل يمكن أن يكون اليمن مفاجأة الموسم المقبلة؟## بدا أن العولقي يشير إلي هجوم وشيك يجعل اليمن ##الجبهة الأهم في الجهاد في العالم##. العولقي الذي سبق أن كانت له روابط باثنين من خاطفي الطائرات في 11 سبتمبر, هو الإمام نفسه الذي كان يتبادل رسائل بالبريد الإلكتروني مع الطبيب النفسي في الجيش الأمريكي الذي قتل لاحقا 13 شخصا في ثكنة فورت هود العسكرية في ولاية تكساس. وهو الآن شخصية أساسية في التحقيق في هجوم ديترويت: فقد ذكر مسئول أمريكي رفيع المستوي في مجال مكافحة الإرهاب لنيوزويك أنه قبل حادثة الميلاد, تم رصد مكالمات عبر هاتف يستعمله العولقي وعمر الفاروق. ويضيف المسئول إن العولقي قد يكون متورطا أيضا في اتصالات أخري تم رصدها وتشير إلي أن تنظيم القاعدة خطط لاستعمال ##نيجيري## مجهول الهوية في هجوم خلال موسم الأعياد.
في الشهر نفسه الذي توقع فيه العولقي ##مفاجأة##, تلقي جون برينان, كبير مستشاري الرئيس في مكافحة الإرهاب, رسالة مقلقة في البيت الأبيض من نظيره السعودي, محمد بن نايف. كان بن نايف قد نجا للتو من محاولة اغتيال نفذها عميل للقاعدة عبر استخدام وسيلة مبتكرة: سافر العميل من منطقة الحدود السعودية – اليمنية مع قنبلة مخبأة في ملابسه الداخلية. وقد أعرب المسئول السعودي عن قلقه لأنه ##يعتقد أن المسئولين الأمريكيين لا يعيرون اهتماما كافيا## للتهديد المتنامي من تنظيم القاعدة في اليمن, كما قال مسئول استخباراتي أمريكي سابق مطلع علي مضمون الرسالة. (طلب المسئول, علي غرار آخرين مذكورين في هذا المقال, عدم الإفصاح عن هويته في معرض حديثه عن معلومات حساسة). تساور الخبراء الاستخباراتيون الآن شكوك قوية أن عمر الفاروق ومنفذ الاعتداء علي بن نايف حصلا علي القنبلة من صانع العبوات نفسه في اليمن. يبدو في شكل عام أن مؤشرات المتاعب القادمة من اليمن بدأت تتراكم في الأشهر والأيام السابقة لعيد الميلاد. لكن في 22 ديسمبر, في اجتماع تعليمات بغرفة الأوضاع في البيت الأبيض, لم تأت وثيقة رفعت إلي الرئيس بعنوان ##تهديدات أساسية للوطن## علي ذكر اليمن, كما يقول مسئول رفيع المستوي في الإدارة الأمريكية. إلا أنه لم يذكر إذا تم التطرق إلي موضوع اليمن خلال الاجتماع.
لا بد من أن يتســـاءل الأمريكيون العاديون ــ المعــتـــادون عــلي اســتــخــدام مــوقـــعي Google وTwitter ومحركات البحث التي لا تجد مشكلة في معرفة كل شيء عن حياتهم الشخصية ــ لماذا لم تستطع الحكومة الفيدرالية, بعد سنوات من أحداث 11 سبتمبر وإنفاق مليارات الدولارات, من الربط بين بعض النقاط الكبيرة جدا. قال الرئيس أوباما مستبقا خصومه ##لقد حدث إخفاق في المنظومة##. ووعد بـ##محاسبة## المسئولين. سوف يحقق الكونجرس في المسألة, وسوف يطالب المشترعون ــ علي الأرجح المشترعون أنفسهم الذين تذمروا في السابق من القيود غير المناسبة علي السفر واجتياح الخصوصية ــ بمنظومة أفضل.
لقد نشأ عمر الفاروق في أجواء مترفة, في الفناء المسور لمنزله العائلي في نيروبي, وعندما ذهب إلي الجامعة, لم يقم في مهجع للطلاب بل في شقة كان والداه يملكانها في حي فخم بلندن. لكن كونه الولد السادس عشر والأصغر سنا بين الأولاد الذين أنجبهم والده من زوجتيه, ربما لم يحظ بالرعاية الكافية من أهله. أرسل إلي مدرسة داخلية تتبع الأسلوب البريطاني ومخصصة لأولاد الدبلوماسيين ورجال الأعمال الأغنياء من غرب أفريقيا, حيث كان يفترض بالفتيان المسلمين أن ينشدوا ترانيم الميلاد. وعلي غرار معظم المراهقين الميسورين, كان قلقا بشأن قبوله في الجامعة, وأعرب عن غضبه من حصوله علي علامة منخفضة في امتحان دخول الجامعة في إحدي غرف المحادثات عبر الإنترنت. وكان قلقا أيضا بشأن الفتيات. فقد اشتكي من أن ##خفض بصره## كما يجدر بفتي إسلامي لائق أن يفعل عند مرورة فتاة لا ينفع, تماما كما أن الصوم لا ينفع. وبحلول فصل الشتاء في سنة تخرجه في الجامعة, كان في حالة ذعر شديد. فقد كتب ##فاروق1986## في ##المنتدي الإسلامي## الرائج علي موقع Gawaher.com: ##ليس لدي من أكلمه, ولا من أستشيره ولا من يدعمني, وأشعر بأنني محبط ووحيد. لا أدري ماذا أفعل. وأظن أن الوحدة تقودني إلي مشاكل أخري##. كان عمر الفاروق الذي كان أكثر تقوي من معظم الشبان, يلقب بـ##ألفا##, وهي كلمة محلية تطلق علي الباحثين الإسلاميين, كما كان يلقب, بقسوة أكبر, بـ##البابا##.
لدي تخرجه في المدرسة الثانوية عام 2005, كانت فرحته كبيرة جدا عند توجهه إلي صنعاء, عاصمة اليمن, لأخذ دروس في اللغة العربية. قال عن التسوق والمطبخ المحلي في المدينة ##هذا رائع فحسب##(علي الرغم من أنه سر بإيجاد مطاعم بيتزا هت وكيه إف سي). في جامعة كولدج لندن ببريطانيا, لا يبدو أنه اجتهد كثيرا في الدراسة (كان يعد لنيل شهادة في الهندسة الميكانيكية), لكنه أصبح رئيسا للجمعية الإسلامية في الكلية. نظم أسبوعا خاصا بالحرب علي الإرهاب, وقد دعي خلاله الكثير من الإسلاميين والمتحدثين اليساريين البريطانيين للتنديد بالظلم الأمريكي وانتهاكات حقوق الإنسان في الشرق الأوسط. لكن هذا النوع من الخطاب لم يكن أمرا غير عادي في الجامعات البريطانية. وعلي موقع إلكتروني, برر عمر الفاروق القتل باسم الجهاد ووجه انتقادات لاذعة للأمراء السعوديين. ومع ذلك, لم يكن يبدو عليه أنه شخص شديد الراديكالية. وصفه زملاؤه في الصف بالهادئ والمتواضع, فقد قال قاسم رفيق الذي خلفه في رئاسة الجمعية الإسلامية في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز: ##عندما يدخل غرفة, لم تكن تعلم بوجوده##. لا شك في أن القدرة علي التنقل من دون لفت الأنظار هي من المزايا الأساسية للجاسوس الجيد.
لا نعلم الكيفية أو الوقت اللذين تم فيهما تجنيده من قبل تنظيم القاعدة. يتمعن مجندو الإرهابيين جيدا في المواقع الإلكترونية, ولم تمر مشاعر عمر الفاروق المؤيدة للجهاد ودراساته الهندسية وتآلفه مع الغرب ــ والأهم من ذلك كله ربما ــ قدرته علي السفر إلي أمريكا, مرور الكرام في العالم السفلي للإنترنت. ذهب إلي تجمع ديني إسلامي في هيوستن مستخدما تأشيرة سفر أمريكية عام 2008, وأمضي بعض الوقت في دبي, وتسجل ــ في خطوة مصيرية ــ في مدرسة لتعليم اللغات باليمن في أغسطس .2009
كان اليمن مرتعا للجهاد قبل هجمات 11 سبتمبر, فقد حاول إرهابيون تفجير المدمرة يو إس إس كول التابعة للبحرية الأمريكية في أكتوبر .2000 وتحول بسرعة إلي قاعدة عمليات لفرع من فروع تنظيم القاعدة ذي طموحات كبيرة. عام 2007 أخلي سبيل معتقل في جوانتانامو يدعي سعيد الشهري وأرسل إلي السعودية حيث خضع لبرنامج ##إعادة تأهيل بواسطة العلاج بالفن## كي يتحرر من التطرف. لكن العلاج لم ينجح, فقد توجه مباشرة إلي اليمن وانضم إلي ضباط سابقين لدي أسامة بن لادن, فشكلوا معا ##تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية##. هذه المجموعة هي التي أرسلت الانتحاري لقتل ابن نايف, المسئول الاستخباراتي السعودي. وقد تعثر الانتحاري في طريقه إلي المكان وفجر نفسه – ولم يصب ابن نايف إلا بجروح طفيفة. في أكتوبر 2009, نشر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مقالا في مجلته الإلكترونية تحدث فيه عن استشهاد ##أبو الخير## الذي كان متوجها لاغتيال ابن نايف.
قصد والد عمر الفاروق, وهو مصرفي متقاعد مرموق ووزير سابق للمال في نيجيريا, السفارة الأمريكية في مدينة أبوجا في 19 نوفمبر ليبلغ المسئولين الأمريكيين عن اختفاء ابنه. وأبدي قلقه من أن الشاب يمضي أوقاتا مع متطرفين من اليمن, لكنه لم يذكر شيئا عن الإرهاب, كما يروي مسئولان أمريكيان معنيان بمكافحة الإرهاب. أراد أن يساعده الأمريكيون علي استعادة ابنه. هذه الأنواع من ##الزيارات المفاجئة## هي أمر عادي جدا في السفارات الأمريكية حول العالم ##فعادة يأتي زوج طالبا المساعدة للعثور علي زوجته المفقودة أو العكس. أجرت نيويورك تايمز مقابلة مع نسيب لـعمر الفاروق قال إن الوالد وصف ابنه بأنه ##تهديد أمني## بعد اطلاعه علي رسائل قصيرة أرسلها بالهاتف الخليوي من اليمن.
عقد مسئولون رفيعو المستوي في السفارة, بينهم ضابط كبير في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه), اجتماعا بحسب الأصول في اليوم التالي وأرسلوا تقريرا إلي واشنطن. أدخل التقرير روتينيا في قاعدة بيانات واسعة تعرف بـ##بيئة بيانات الهويات الإرهابية##, وهي مجموعة من أكثر من نصف مليون اسم يحتفظ بها المركز الوطني لمكافحة الإرهاب. لكن محللي المركز لم يفعلوا الكثير بالمعلومات, أو بالأحري لم يفعلوا بها أي شيء علي الإطلاق. لم يتأكدوا إذا كان عمر الفاروق يملك تأشيرة سفر أمريكية صالحة, وهو ما يشكل علي ما يبدو مؤشر خطر أكيدا. ولم يتأكدوا إذا كان يملك تأشيرة سفر بريطانية. في الواقع, رفض طلبه الحصول علي تأشيرة سفر بريطانية بموجب سياسة تفرز طلبات الحصول علي تأشيرات دخول للدراسة في مدارس اللغات. الأسبوع الماضي, قال البريطانيون, بطريقة دفاعية نوعا ما, إن المعلومات كانت متوافرة لو طلبها الأمريكيون, لكن السلطات البريطانية لم تبلغ واشنطن لأن طلب عمر الفاروق الحصول علي تأشيرة رفض بهدف وقف عمليات الاحتيال في الهجرة, لا لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
كانت الحكومة الأمريكية بكاملها تضع رأسها في الرمل. لم يكن لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) ممثل في الاجتماع في السفارة الأمريكية في أبوجا وسط البلاد, للمكتب ملحق في لاجوس فقط, علي الساحل الجنوبي. ووكالة سي آي إيه لم تخبر إف بي آي عن عمر الفاروق. وبموجب ما يعرف ببرنامج فيزا فايبر, تلقت وزارة الخارجية التقرير عن الاجتماع مع والد عمر الفاروق, لكنها لم تبطل تأشيرة سفره. بل دونت ملاحظة عن وجوب التدقيق عن كثب في أي طلب لتجديد التأشيرة في المستقبل. كما أن المركز الوطني لمكافحة الإرهاب اعتبر أنه ليست هناك ##شبهة منطقية## للاستنتاج بأن عمر الفاروق إرهابي, ولذلك لم يدرج علي لائحة المراقبة التي تضم نحو 400.000 اسم ويحتفظ بها مركز التدقيق الإرهابي التابع لـ إف بي آي, كما أنه لم يصنف ضمن 13.000 شخص يجب إخضاعهم لتدقيق إضافي قبل صعودهم علي متن طائرة, أو ضمن 4.000 اسم موضوعين علي لائحة ##الممنوعين من السفر جوا##, أي أنهم ممنوعون بتاتا من ركوب طائرة. إنها مسألة معايير قانونية فحسب. فلأسباب تتعلق بالخصوصية والملاءمة, مارست الخطوط الجوية ومجموعات الحريات المدنية ضغوطا علي الحكومة كي لا تتوسع كثيرا في تعريفها للخطر الأمني.
أنشئ المركز الوطني لمكافحة الإرهاب من أجل تأمين تبادل أفضل للمعلومات بين الوكالات وأجهزة الاستخبارات الأمريكية المتعددة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر التي كان بالإمكان تفاديها لو كان هناك تواصل أفضل بين سي آي إيه وإف بي آي بشأن خاطفي الطائرات المنتمين إلي تنظيم القاعدة الذين دخلوا البلاد. لكن لأسباب لم تقدم بعد تفسيرات وافية عنها, يبدو أنه لم يلحظ أحد وجود مؤشرات خطر أخري في المنظومة الاستخباراتية. كانت أجهزة الاستخبارات قد رصدت الاتصالات التي تشير إلي أن تنظيم القاعدة يخطط لاستخدام نيجيري لشن هجوم علي أمريكا. كما أشارت اتصالات أخري تم رصدها إلي التخطيط لهجوم إرهابي انطلاقا من اليمن في عيد الميلاد, علي الرغم من أن المسئولين اعتقدوا أن الهدف المحتمل سيكون في مكان ما في الشرق الأوسط, لا في الولايات المتحدة. ثم كانت هناك الاتصالات التي جري رصدها بين عمر الفاروق والهاتف (وربما جهاز الكمبيوتر) الذي استعمله العولقي, رجل الدين المقيم في اليمن. لكن يفترض باتصالات من هذا النوع أن تسترعي الانتباه, علي الرغم من أن مسئولا استخباراتيا قال إن الاتصالات التي تم رصـــدها لم تتضمن إشــــارة إلي الاسم الكامل لـعمر الفاروق.
بعد إنفاق المليارات لتعزيز أمن الوطن عقب هجمات 11 سبتمبر, من المنطقي أن نتوقع من الحكومة امتلاك محركات بحث خاصة بقواعد بياناتها الداخلية, وهو أمر روتيني في القطاع الخاص. قال مسئول معني بمكافحة الإرهاب إن هذه البرامج الشبيهة بموقع Google موجودة, لكنه أضاف أنها باهظة التكاليف ويصعب استعمالها, ولم تطبقها الوكالات الاستخباراتية علي نطاق واسع. والعقبة المحبطة في هذا السياق هي أن للوكالات المختلفة مستويات مختلفة من السرية, مما يعرقل التواصل فيما بينها.
لا يبدو أن شركة الخطوط الجوية وأمن المطار كانا متيقظين جدا. عندما تقدم عمر الفاروق للصعود في الرحلة المتوجهة من نيجيريا إلي ديترويت عبر أمستردام عشية عيد الميلاد, أبرز تذكرة سفر دفع ثمنها نقدا (2.831 دولار) ولم تكن معه أية حقيبة للتفتيش. ألا يبدو هذا مثيرا للشبهات؟ لم يطرح أحد أي أسئلة. توجد في مطار أمستردام أجهزة لمسح الجسم كاملا كان من شأنها أن تلتقط المتفجرات التي خيطت في ملابس عمر الفاروق الداخلية. لكن السلطات الهولندية قالت لنيوزويك إن الحكومة الأمريكية طلبت عدم إخضاع الركاب المتوجهين إلي الولايات المتحدة للتفتيش بواسطة هذه الأجهزة التطفلية, لأسباب تتعلق بالخصوصية علي ما يبدو.
عندما بدأت طائرة إيرباص 330 وعلي متنها 278 راكبا و11 من أفراد الطاقم, الهبوط في ديترويت يوم عيد الميلاد, يقول شهود إنهم رأوا عمر الفاروق ينهض من مقعده قرب النافذة في الدرجة الاقتصادية ويتوجه إلي المرحاض. بقي هناك 20 دقيقة. وعندما عاد, قال للشخص الجالس بقربه إن معدته تؤلمه. وضع بطانية علي حضنه وحاول حقن مواد كيميائية من حقنة في رزمة تحتوي علي ثلاث أونصات من مسحوق متفجر سحبه من سرواله الداخلي. كان يجب أن تكون العبوة قوية بما يكفي لإحداث فجوة في الطائرة. لكن بدلا من ذلك, سمع الركاب دويا شبيها بصوت مفرقعة نارية, ورأوا لهيبا. بدأ الركاب بالصراخ, وحاول بعضهم النهوض والركض إلي مؤخرة الطائرة. فقفز راكب يجلس في الصف نفسه إنما في الجهة الأخري من الطائرة, واندفع عبر المقاعد وبدأ يتعارك مع الرجل. وقد انتزع الحقنة نصف المذابة من يد عمر الفاروق وبدأ تمزيق بنطاله بحثا عن مزيد من المتفجرات. وصل مضيفو الطائرة ورشوا الرجلين بمطافئ الحريق. استغرقت الدراما بكاملها أقل من دقيقة.
روي جاسبر شورينجا, منتج أفلام الهولندي الذي تعارك مع عمر الفاروق, في مقابلة مع شبكة ##سي إن إن##: ##كان جميع الركاب يصرخون, لكن المشتبه فيه لم يتفوه بكلمة##. لم يبد عمر الفاروق مقاومة بدا ضعيفا وعاجزا عن الحراك. لاحقا, عندما سأله أحد مضيفي الطيران عما كان في جيبه, أجاب إنه ##جهاز متفجر##.
علي الرغم من أن عمر الفاروق أصيب بحروق شديدة, فإنه ظل قادرا علي التكلم مع إف بي آي. وقد وجهت إليه تهمة محاولة تفجير الرحلة 253 وحدد موعد جلسة الاستماع الأولي في الثامن من يناير. قام أخيرا بتوكيل محام, الأمر الذي من شأنه أن يجعل تعاونه محدودا, لبعض الوقت علي الأقل. سوف يسعي العملاء الفيدراليون إلي استخراج أكبر قدر من المعلومات الاستخباراتية بأسرع وقت ممكن. وسوف يسعي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية إلي القيام بمحاولة جديدة. الأسبوع الماضي نشر الموقع الإلكتروني للتنظيم بيانا يمتدح عمر الفاروق واصفا إياه بالبطل الذي ##اخترق كل التكنولوجيا والأجهزة الحديثة والمتطورة والحواجز الأمنية في مطارات العالم## و##بلغ هدفه##. وأعلن التنظيم بفخر أن ##الإخوة المجاهدين في قسم التصنيع## قاموا بتأمين المتفجرات, ##علي الرغم من أن خطأ فنيا## أدي إلي ##عدم انفجارها في شكل كامل##.
قال مسئول كبير في الإدارة الأمريكية إن أوباما ##غضب كثيرا## عندما علم بحجم المعلومات التي جمعتها وكالات الاستخبارات عن عمر الفاروق قبل محاولة التفجير. قال المسئول ##لا نتحدث عن معلومات جمعت في غضون 24 ساعة قبل يوم عيد الميلاد. بل إنها معلومات موجودة في المنظومة منذ أشهر##. وكان قد سبق لأوباما أن شعر بالغضب عندما علم بوجود اتصالات بين العولقي ونضال مالك حسن, مطلق النار في فورت هود, وبأن إف بي آي لم يتحرك بناء علي ما ورد فيها, وهي رسائل سوف تثير بالتأكيد غضبا شعبيا عارما عندما تخرج إلي العلن.
##الحرب الأزلية##, كما سماها الرئيس بوش, مستمرة. قال السيناتور عن ولاية كونكتيكت جو ليبرمان: ##كان العراق حرب الأمس, وأفغانستان هي حرب اليوم. إذا لم نتصرف استباقيا, فسوف يكون اليمن حرب الغد##. لقد أجاز أوباما خوض حرب سرية في اليمن. عندما قصفت طائرات يمنية أهدافا لتنظيم القاعدة في 17 و24 ديسمبر, زودتها الولايات المتحدة بالاستخبارات والصواريخ والدعم العسكري. الجواسيس الأمريكيون والقوات الخاصة الأمريكية موجودون علي الأرض, ويتولون مساعدة اليمنيين. إنهم يبحثون بلا شك عن ##قسم التصنيع## ذاك قبل أن يحول ##الإخوة المجاهدون## شابا مشوشا ووحيدا آخر إلي شهيد.
بمشاركة كريستوفر ديكي وكيفن بيراينو وأوين ماثيوز
نيوزويك