نقرأ هذه الأيام عن اعتقال الصحفية السودانية لبني أحمد حسين, صاحبة عمود يومي بعنوان كلام الرجال, أثناء حفل في مطعم بالخرطوم في بداية يوليو الماضي, مع 10 نساء أخريات بتهمة ارتكاب فعل يتنافي والآداب العامة!!
هو أن لبني حسين وصديقاتها كن يرتدين القميص والبنطلون. ووفق النظام الإسلامي- القومي السوداني, فإن هذا الزي هو غربي مخالف للشريعة والدين والأعراف القومية والوطنية, يعاقب عليه وفق المادة 153 من القانون الجنائي السوداني. وفعلا تمت معاقبة النساء الأخريات بالجلد في اليوم التالي لاعترافهن بـ ##الجرم المشهود##. أما لبني فقد أصرت علي المحاكمة ومهما كانت النتائج.
هذه المهزلة ليست جديدة بل تتكرر في السودان, حيث تتم معاقبة نساء بالجلد بسبب هذه التهمة, إلا أنها تمر بصمت دون أن تصل إلي الرأي العام العالمي. ولكن قضية لبني حسين صارت معروفة لأنها صحفية شجاعة أصرت علي المحاكمة ونشرت قضيتها علي العالم لتضع حدا لهذه التجاوزات علي حقوق بنات جنسها. بل وحتي الأمين العام للأمم المتحدة, بان كي مون, قال إنه ##يشعر بقلق شديد## إزاء هذه القضية, لأن لبني كانت تعمل لحساب الأمم المتحدة وحصلت علي الحصانة من المنظمة الدولية إلا أنها ##استقالت من عملها في الأمم المتحدة بعد هذه الحادثة لتتخلص من أية حصانة قانونية حتي تستطيع أن تتابع القضية وتثبت براءتها وتتحدي القانون الذي يحتاج إلي الإصلاح والتغيير.##.
الملاحظ أن الأنظمة والمجتمعات العربية- الإسلامية الذكورية, فرضت علي المرأة الزي الإسلامي وحرمت عليها القميص والبنطلون باعتبارهما زي غربي, بينما لا تمنع الزي الغربي علي الذكور, إذ نري الرئيس السوداني عمر البشير نفسه يحضر المؤتمرات الدولية وهو في اللباس الغربي بما فيه ربطة العنق التي يعتبرونها رمزا للحضارة الغربية, ناهيك عما يستخدمون من كل ما أنتجه الغرب من التكنولوجيا والطب.
أصرت لبني حسين علي المحاكمة, وهذا موقف بطولي تستحق عليه كل الثناء والتقدير والدعم. إنها تريد فضح حكومة البشير ونظامه المتهرئ, ويبدو أن البشير أحس بالإحراج وفقدان ماء الوجه. لذلك حاول بشكل وآخر التخلص من هذه الورطة. إلا أن لبني أصرت علي السير قدما إلي النهاية في المحاكمة لفضح البشير ونظامه.
قال الدكتور عصام عبدالله في مقاله القيم (خيبة بالويبة: القميص والبنطلون) في هذا الخصوص: ((زميلتنا ## لبني ## رفضت حصانة الأمم المتحدة التي تعفيها من المحاكمة, وأيضا صفقة الدكتور محيي الدين تيتاوي رئيس اتحاد الصحفيين السودانيين لشطب البلاغ مقابل تعهدها بعدم تكرار ارتداء ملابس مماثلة, والأهم من ذلك أنها رفضت عفوا رئاسيا يرفع الحرج الدولي عن النظام ويبقي القوانين الشاذة….. لماذا؟ لأنها تصر علي أنه لا حل سوي إلغاء القوانين المقيدة للحريات ووقف التعدي علي خصوصيات الناس, وإرهابهم عبر القانون باسم الدين والشريعة, وهي مستعدة للمضي إلي نهاية الشوط ولو تعرضت للجلد مثلما حدث لآلاف السودانيات في ظل هذه الفاشية الدينية _ العسكرية, القبائلية _ الذكورية.))
استطاعت البطلة لبني حسين أن تقلب الطاولة علي رأس الرئيس السوداني عمر حسن البشير ونظامه وقوانينه, إذ استطاعت أن تحول المناسبة إلي محاكمة للنظام نفسه ولتنتصر لبنات جنسها, وتحررهن من العبودية وذلك بتغيير القانون برمته.
من حق الأنظمة العربية أن تلاحق المرأة, بعد أن انتهت من حل جميع المشاكل, مثل الانفجار السكاني والانهيار الاقتصادي وشح المياه والتصحر وتفشي الفساد والبطالة والجهل والأمية…إلخ, لذلك لم يبق لديها سوي ملاحقة المرأة علي لبس القميص والبنطلون…!!
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.
كاتب وطبيب عراقي مقيم بلندن